(من خصائص القصص القرآني ومميزاته)
الحلقة: 19
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ذو الحجة 1444ه/ يوليو 2023م
تناولت القصّة القرآنية عدّة ظواهر فنيّة لها حساب معلوم في الدّراسة الفنيّة للقصّة الحرّة في عالم الفنون، وهي:
- تنوع طريقة العرض: ففي قصص القرآن الكريم أربع طرق مختلفة للابتداء في عرض القصّة:
مرّة يذكر ملخصاً للقصّة يسبقها، ثمّ يعرض التفصيل بعد ذلك، من بدئها إلى نهايتها، وذلك كطريقة قصّة أهل الكهف.
• وثانية تُذّكر بعاقبة القصّة ومغزاها، ثمّ تبدأ القصّة بعد ذلك من أوّلها وتسير بتفاصيل خطواتها، وذلك كقصّة موسى عليه السلام في سورة القصص، وقريب من هذا النحو قصّة يوسف عليه السلام.
• وثالثة تُذكر القصّة مباشرة بلا مقدّمة ولا تلخيص، ويكون في مفاجآتها الخاصّة ما يُغني، وذلك مثل ذلك قصّة مريم عند مولد عيسى عليه السلام، ومفاجآتها معروفة، وكذلك قصّة سليمان مع النّمل والهدهد وبلقيس.
• ورابعة: يجعل القصّة تمثيليّة فيذكر فقط من الألفاظ ما ينبّه في ابتداء العرض، ثمّ يدع القصّة تتحدّث عن نفسها بوساطة أبطالها، وذلك مثل قوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ﴾ [البقرة: 127] ؛ هذه إشارة البدء، أما ما يلي ذلك فمتروك لإبراهيم وإسماعيل: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: 127]، إلى نهاية المشهد الطويل، ولهذا نظائره في كثير من قصص القرآن الكريم.
- تنوّع طريقة المفاجأة:
• فَمَرّة يكتم سرّ المفاجأة عن البطل وعن القارئ، حتّى يُكشف لهم معاً في آن واحد، مثال ذلك قصّة موسى عليه السلام مع العبد الصّالح، والعالم في سورة الكهف.
• في أخرى يكشف السرّ للقارئ، ويترك أبطال القصّة عنه في عماية. وهؤلاء يتصرّفون وهم جاهلون بالسرّ وأولئك يشاهدون تصرّفاتهم عالمين وأغلب ما يكون ذلك في معرض السخرية ومثل ذلك ما نراه في قصّة أصحاب الجنة في سورة القلم. (1)
• في ثالثة يكشف بعض السرّ للقارئ وهو خاف على البطل في موضع، وخاف عل القارئ وعن البطل في موضع آخر في القصّة الواحدة، مثال ذلك قصّة عرش بلقيس الّذي جيء به في غمضة، وعرفنا نحن أنّه بين يدي سليمان عليه السلام في حين أنّ بلقيس ظلّت تجهل ما نعلمه نحن، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: 42]؛ فهذه مفاجئة عرفنا سرّها سلفاً، ولكنَّ مفاجأة الصرح الممرّد من قوارير ظلّت خافية علينا وعليها حتّى فوجئنا بسرّها معاً حين: ﴿ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ﴾ [النمل: 44].
• وفي رابعة: لا يكون هناك سرّ، بل تواجه المفاجأة البطل والقارئ في آن واحد، ويعلمان سرّها في الوقت ذاته وذلك كمفاجأة قصّة مريم.
- الفجوات بين المشاهد في عرض القصّة: تلك الفجوات بين المشهد والمشهد الّتي يتركها تقسيم المشاهد و (قص) المناظر مما يؤديه في المسرح الحديث: إنزال الستار.(2)
مراجع الحلقة التاسعة عشر:
بعض المبادئ التربوية المستفادة من سورة يوسف، ص 36.
2 المرجع نفسه، ص 37.
يمكنكم تحميل كتاب النبي الوزير يوسف الصديق عليه السلام
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي