الأربعاء

1446-08-13

|

2025-2-12

تأملات في الآية الكريمة ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾

الحلقة: 22

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

25 ذو الحجة 1444ه/ 13 يوليو 2023م

 

-﴿إنّا﴾: أي: إنّ الخطاب من الله الحاضر غير الغائب ذي المجد والمعظمة، والسلطان؛ بجميع أسمائه الحسنى وصفاته العليا.

- ﴿أنزلناه﴾: كذلك يصيغة الجمع للتفخيم، وأنزله تعالى بجميع أسمائه الحسنى وصفاته العليا. وضمير الهاء راجع إلى الكتاب.(1) وأمّا دلالة (الإنزال) في قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ﴾، فإشارة إلى الإنزال، والإنزال يكون جملة واحدة، والتنزيل يكون على مراحل متعدّدة على اعتبار النزول، ولذا قيل: الإنزال يُستعمل في الدّفعة، والتنزيل في التدرّج.(2) ونلاحظ في قوله: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ﴾، أنّها إحدى الصيغ الّتي أرادها الله تعالى للتّعبير عن حال وصول القرآن إلى النّاس، ولقد تعدّدت الصيغ في القرآن، الكريم، فالله تعالى يقول: ﴿نزّل﴾، و﴿أنزل﴾، ولكلّ من هذه الصيغ مدلولاتها، فسبحان الله العظيم، تعالى شأنه، وجلّت قدرته فيما أنزل.(3) فمثلاً قوله تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ﴾ [الشعراء: 193]، فنسب النزول مرّة لجبريل كحامل للقرآن ليبلّغ به رسول الله ﷺ، ومرّة قال تعالى: ﴿وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ﴾ [محمد: 2]، والنزول في هذه الحالة منسوب لله عزّ وجلّ. وأمّا قول الحقّ سبحانه: ﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [البقرة: 90]، فهو القول الّذي يعني أنّ القرآن قد تعدّى كونه مكتوباً في الّلوح المحفوظ ليباشر مهمّته في الوجود ببعث رسول الله ﷺ. هذا هو معنى الإنزال للقرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السّماء الدنيا، ثمّ نزل بعد ذلك نجوما متفرّقة ليعالج كلّ المسائل الّتي تعرّض لها المسلمون.(4) وهكذا يؤول الأمر إلى أنّ القرآن نزل، أو نزل به الروح الأمين، والحقّ تعالى يقول: ﴿وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ﴾ [الإسراء: 105]، أي: أنّ الحقّ تعالى أنزله من اللوح المحفوظ إلى السّماء الدنيا ثمّ أنزله مفرقاً ليعالج الأحداث ويباشر مهمّته في الوجود الواقعي. وفي هذه الآية يقول: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [يوسف: 2]، وفي الآية السّابقة: ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ [يوسف: 1]، فمرّة يصفه بأنّه قرآن بمعنى المقروء، ومرّة يصفه بأنّه كتاب؛ لأنّه مسطور، وهذا من معجزات التّسمية.

ونحن نعلم أنّ القرآن حين جُمع ليكتب، كان كاتب القرآن لا يكتب إلّا ما يجده مكتوباً، ويشهد عليه اثنان من الحافظين،(5) إذن، فهو قرآن وكتاب، وهذا من إعجاز التّسمية.

إن القرآن الكريم أُنزل من العلو، فهو يحمل خصائص السموّ والعلوّ والارتفاع، فكل من قرأه وأراد بذلك وجه الله تعالى، وعمل به ابتغاء مرضاته، وحفظه مخلصاً لله، تطهرّت نفسه، وراتفعت درجته عند ربّه، وعلتْ مكانته في الدنيا والآخرة.

وفي قوله: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ [يوسف: 2]، يَستوقفنا من هذه الآية الإشارة إلى عظمة منزّل الكتاب من خلال نون العظمة، وكيف لا، وهو قيوم السماوات والأرض، وملك الملوك، والآخذ بناصية كلّ شيء. وإنّ هذه العظمة الّتي في القرآن لتقطع لك بأنّه كلام الله، فإنه لا يستطيع بشر أن ينتحل هذه العظمة وإنّ عظمة المنزِّل ترتبط بها عظمة الكتاب المنزَّل، وعظمة الأمّة المنزَّل فيها الكتاب.(6)

- ﴿عربيّاً﴾: فالقرآن الكريم عربيّ اللغة، أنزله سبحانه على النبيّ العربيّ سيدنا محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب الهاشميّ القرشيّ في أرض العرب إذ قدّر سبحانه أن تكون رسالة كلّ رسول بلسان قومه قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [إبراهيم: 4].

مراجع الحلقة الثانية والعشرون:

يوسف أيها الصّدّيق، محمّد السّقّا، ص 27.

2 الإعجاز الدلالي في سورة يوسف، أشرف أحمد، ص 27.

3 لطائف التفسير، د. فؤاد العريسي، ص 15.

4 تفسير الشعراوي، مرجع سابق، (11/6822).

5 تفسير الشعراوي، مرجع سابق، (11/6823).

6 تفسير سورة يوسف، مرجع سابق، ص 233.

 

يمكنكم تحميل كتاب النبي الوزير يوسف الصديق عليه السلام

من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي

http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/668


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022