تأملات في الآية الكريمة ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾
الحلقة: 24
بقلم: د. علي محمد الصلابي
ذو الحجة 1444ه/ يوليو 2023م
أيّ: وتدركون أنّ هذا الكتاب المعجز لا يمكن أن يكون من صنعة بشر، فلا بد عقلاً أن يكون القرآن وحياً، والعقل هنا مدعو لتدبر هذه الظاهرة ودلالاتها القاهرة.(1) وإنّ من مهام القرآن أن يهدي العقل إلى الطريق السليم للتفكير، وأن يزوّده بالمعلومات السليمة الّتي تمكنه من التّفكير السّليم، فإنّ العقل يحتاج إلى منهج كالطريق يسير عليه ويحتاج إلى معلومات تشغله. والقرآن زودنا بكلّ ذلك، بالمعلومات الّلازمة عن الغيبيات وعن الكون، وزودنا بالمنهج الّذي به نفكر، ووفقه ننظم طاقتنا الفكرية، ونحفظ عقولنا من أن تتبدّد في الضلال وتأسرها الأهواء والأحكام الخاطئة والمناهج الفاسدة، من فلسفة ضالة، أو منطق مزيّف، وكم اخترع الإنسان من مناهج ضلّل بها نفسه، والحمد لله على منّة حفظ عقولنا مع منّة هداية قلوبنا.(2)
و﴿لعلكم تعقلون﴾؛ ما فيه حقّ وهدى ونور وخير وسعادة، وتعقلون سموه بما اشتمل عليه من أنواع الإعجاز، وبما اشتمل عليه من جمال اللفظ وجلال المعنى وقوّة الأسلوب، وحسن التّعليم، وتلازم الكلمات، وأخذ كلّ كلمة بحُجَز الآخر مما يأخذ بمجامع القلوب ولألباب وما إلى ذلك مما احتواه من القياسات الحكيمة والتشريعات الرشيدة، والمعاملات العادلة، مما أخبر به من أحوال الماضي، وما تنبأ به من أحداث المستقبل، كلّ ذلك من نبي أميّ لم يمسك قلماً، ولم يقرأ في كتاب، ولم يدرس على معلّم، ولم يخالط العلماء، ولم يعاشر أحداً من القسّيسين والرّهبان. فإذا عقلوا القرآن الّذي نزل بلغتهم علموا أنّه كلام الله الّذي ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: 42].(3)
و﴿لعلكم تعقلون﴾ حقائق الوجود وتدركونها وتعرفون الغاية الّتي من أجلها وجد الخلق، ونهاية المطاف بعد هذه الحياة ومعرفة صفات ربكم ووحدانيته وصدق رسله وتوابع ذلك من الإيمان، فليس بعاقل من أفنى عمره في لذات الطعام والشراب، والجنس والرياسة، والشهرة والمال، وهو يرى الموت يحصد أمامه من هو أشد منه قوة وأكثر جمعاً، وليس بعاقل من رأى عاقبة من سبقه من الكفرة والفسقة والعصاة، ثمّ هو يسير على سننهم ويكرر غيّهم وضلالاتهم، وليس بعاقل من نسي نفسه، وجعل عمره لغيره، فأفسد دينه، وآخرته لإصلاح دنيا غيره، وما أصلحها، بل أفسده وأشقى نفسه وغيره! فالعاقل الحقيقي هو أن يُعدّ الإنسان لمستقبله بعد رحيله عن هذه الأرض، بعد رحلته القصيرة الّتي يحياها فوقها.(4)
﴿لعلقكم تعقلون﴾: تدل الآية على أن الإسلام لا يقوم على مجرد الأوهام والخيالات، بل بحكمة العقل والمنطق الّذي يضبط كلّ عاطفة حتّى لا تهبط بصاحبها إلى مهاوي الفتنة والهلكة. نعوذ بالله منها.(5)
مراجع الحلقة الرابعة والعشرون:
في ظلال القرآن، ،سيد قطب، (4/1970).
2 سورة يوسف، د. أحمد نوفل، مرجع سابق، ص 234.
3 المصدر السابق نفسه، ص 235.
4 تأملات إيمانية في سورة يوسف، ياسر برهامي، مرجع سابق، ص 14.
5 الإعجاز الدلالي في سورة يوسف، مرجع سابق، ص 28.
يمكنكم تحميل كتاب النبي الوزير يوسف الصديق عليه السلام
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي