في بعض حلول الأزمة
اقتباسات من كتاب "فقه الحياة"
لمؤلفه الدكتور سلمان العودة
(فرج الله عنه)
أولًا: الاعتصام بالله تبارك وتعالى، والدعاء، وقد عاش نبي الله يونس ﷺ أزمة فرديَّة وأُمَمِيَّة حينما كان في بطن الحوت، فقال عنه ربُّه: ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِن الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾، وهذا يعني أن التسبيح والذكر والاستغفار والاعتصام بالله عزَّ وجلَّ، أوثق أسباب النجاة وأهمها.
ثانيًا: الرجوع إلى الكتاب والسنة فيما أُجْمِع عليه، وفيما اختُلِفَ فيه، فما أَجْمَع المسلمون عليه فهو حقٌّ لا يَحِلُّ لأحد الخروجُ عليه، وما اخْتَلَفَ الناس فيه مِن أهل العلم والإسلام، فمعنى ذلك أنَّ الإنسان يختار ما هو أقربُ إلى الحقِّ وأوفقُ للدليل، وأكثرُ تحقيقًا للمصلحة.
والرجوع إلى الكتاب والسنَّة، لا يقتصر على مسائل الأحكام فقط، بل والأخلاق وآداب التعامل.
فالاختلاف معصية، ينبغي أنْ نجتهد في دفعها عن أنفسنا، وأنْ نُطِيع الله تعالى بأن نعتصِم بحبله جميعًا، وأنْ نترك الخلاف قَدْرَ الـمُسْتَطاعِ، حتى لو اختلفنا في الرأي، فيجب ألاَّ يتحوَّل هذا الاختلاف إلى تَفَرُّق.
كما أن التخلُّفَ التِّقَنيَّ الذي تعيشه الأُمَّة معصية، ينبغي أن نعالجه بالتوبة إلى الله، والتوبة هنا تكون بتحصيل العلوم الصحيحة التي تحتاجها الأُمَّة في حياتها.
والفوضى الإداريَّة التي نعيشها في مُؤَسَّساتنا، وشركاتنا، ودُوَلِنا، ووَزَاراتِنا، معصية لله عز وجل، ينبغي أن نعالجها بالتوبة الصادقة، والتوبة الصادقة هنا تكون بضبط قضايانا الإداريَّة على أفضل وأحدث النظريَّات العلميَّة الـمُنْتِجة.
والاستبداد معصية، سواء كان استبدادًا سياسيًّا أو علميًّا أو أسريًّا أو اجتماعيًّا، وعلينا أن نعالجه بالتربية على الحوار، والشورى، والمشاركة.
والفساد الماليَّ معصية يجب أن تُعَالَج بالتوبة، والتوبة من الفساد الماليِّ تكون بالعدل في توزيع المال بين الناس، وتَكَافُؤِ الفرص، وإعطاء كلِّ ذي حقٍّ حَقَّه.
ووحدة الأُمَّة هي من أهم الحلول التي ينبغي السعي فيها، فالقَدْرُ المشتَرَك عند الأُمَّة ينبغي العناية به، وهو الدين الجامع، ومحكمات الدين التي اتفق عليها المسلمون.
والخلافات القائمة بين الشعوب، أو الحكومات الإسلاميَّة هي واقع لا سبيل إلى تجاهله، وهي أمور مُحْزِنة جدًّا، والإنسان لا يملك إزاءها إلا أن يدعوَ الله سبحانه وتعالى أن يَجْمَع شملَ هذه الأُمَّة على الحقِّ.
فالتفاؤل هو مراعاة الوجه الإيجابيِّ، وأنَّ الله تعالى لا يخلق شرًّا مَحْضًا.
ومن ذلك: ضبط منهج الاختلاف فيما بيننا، وألا تتحوَّلَ الآراءُ المختلفة إلى اصطفافات، واستقطابات، وتَحَزُّبات، وتَعَصُّبات.. وكثيرًا ما نُبْتَلى بها، فإذا تحدَّثنا عن موضوع الحاكميَّة، أو عن موضوع الولاء والبراء، أو العذر بالجهل، أو عن المواقف المختلفة في قضيَّة من القضايا، فإنَّ الأمر لا يَقِفُ عند حدِّ الاختلاف، وإنما يتحوَّل إلى تَفَرُّق واصطفاف، وينبري كلُّ فرد منا أو جماعة للمجموعة الأخرى؛ لمحاولة فَضْحِهم، ودَحْرِهم، والوقوف في وجههم بدلًا من الوقوف في وجه الأزمة، أو الوقوف في وجه العدو.
هذه الحلقة مقتبسة من كتاب"فقه الحياة" للشيخ سلمان العودة، صص 170-172