السؤال
كيف نرد على النصارى أو غير المسلمين عموما إذا هنئونا في أعيادنا ؟ يقول لنا الواحد منهم : كل سنة و أنت طيب، فكيف نرد عليه ؟ هل يجوز أن نقول له : وأنت طيب؟ كذلك بعضهم يهنئونا في مناسبات أخرى مثل ترقية أو نجاح أو زواج أو نحوه فيقول لنا : مبارك عليه ونحوها ؟ فماذا نقول له؟
ملخص الجواب
لا بأس أن يجاب غير المسلم على تهنئته للمسلم بالعيد أو بغير ذلك من المناسبات ، بأن يدعى له الدعاء المناسب ، مكافأة له على تهنئته ، فيقال له : أكرمك الله أو وفقك الله أو أعزك الله أو وأنت طيب ونحو ذلك ، وإذا نوى بهذه الأدعية أن الله يوفقه ويهديه للإسلام فهو أكمل وأحسن .
الجواب
الحمد لله.
الرد على التحية يكون بمثلها أو أحسن منها ، أليس يسلم علينا أهل الكتاب : السلام عليكم ، فنجيبهم : وعليكم .
وهذا يعني أننا ندعو لهم بالسلامة ، فيستفاد من ذلك أن الدعاء للكافر بالنفع الدنيوي جائز ، ما لم يكن محاربا للمسلمين .
وهذا مقتضى العمل بقوله تعالى : وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا سورة النساء / 86 .
قال النووي رحمه الله :
" اعلم أنه لا يجوز أن يُدعى له بالمغفرة وما أشبهها مما لا يُقال للكفار ، لكن يجوزُ أن يُدعى بالهداية وصحةِ البدن والعافية وشبهِ ذلك .. " . انتهى من " الأذكار " (ص317) .
وقال أيضا " قال أبو سعد المتولي (من علماء الشافعية الكبار توفي سنة 478هـ) : لو أراد تحية ذميّ ، فعلَها بغير السلام ، بأن يقول : هداك الله ، أو أنعم الله صباحك .
قلت : هذا الذي قاله أبو سعد لا بأس به إذا احتاج إليه ، فيقول : صُبِّحْتَ بالخير ، أو السعادة ، أو بالعافية ، أو صبَّحَك الله بالسرور ، أو بالسعادة والنعمة أو بالمسرّة أو ما أشبه ذلك .
وأما إذا لم يحتج إليه ، فالاختيار أن لا يقول شيئاً ، فإن ذلك بسطٌ له وإيناس وإظهار صورة ودّ ، ونحن مأمورون بالإِغلاظ عليهم ومنهيّون عن ودّهم فلا نظهره ، والله أعلم " .
انتهى من " الأذكار " (ص254) .
وعلى ذلك ، فإذا قال اليهودي أو النصراني في تهنئته : "كل سنة وأنت طيب" ؛ فلا يظهر حرج في أن يجاب بمثل قوله : " وأنت طيب " ، أو يقال له : " وأنت بخير حال " .
ثم الأفضل من ذلك أن ينوي المجيب بذلك : الدعاء له بالهداية ، وبلوغ خير الحال ، بترك ما هو عليه من الدين الباطل ، والدخول في دين الله .
وقد روى أبو داود (5038) ، والترمذي (2739) عَنْ أَبِي مُوسَى ، قَالَ: ( كَانَ اليَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: يَرْحَمُكُمُ اللَّه ُ، فَيَقُولُ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ ) وصححه الشيخ الألباني في "إرواء الغليل " (1277) .
قال ابن علان رحمه الله :
" الظاهر أن التفاعل فيه للتكلف: أي يظهرون العطاس بالإتيان بصوت يشبهه ، أو يتسببون له بنحو كشف الرأس . (عند رسول الله يرجون) جملة حالية من الواو: أي يؤملون (أن يقول لهم يرحمكم الله) لتعود عليهم بركة دعائه بها ، فإنهم كانوا يعلمون باطناً نبوته ورسالته ، وإن أنكرو ظاهراً حسداً وعناداً .
(فيقول لهم) من مزيد فضله ولا يحرمهم بركة حضرته وثمرة الجلوس بين يديه (يهديكم الله) أي يدلكم على الهدى لتهتدوا، ولو أراد يوصلكم إلى الهدى لآمنوا واهتدوا (ويصلح بالكم) ، أي ما يهتم به من أمر الدين وذلك بأن يرشدهم إلى الإسلام ويزينه لهم ويوفقهم له " .
انتهى من "دليل الفالحين" (6/361) ، وينظر أيضا : "فتح الباري" لابن حجر (10/604) .
وقال ابن مفلح رحمه الله : " قال صاحب المحيط من الحنفية إن نوى بقلبه أن الله يطيل بقاءه لعله يسلم .. فلا بأس به ... ولو قال لذمي أرشدك الله ، أو هداك الله فحسن .
وقال إبراهيم الحربي : سئل أحمد بن حنبل عن الرجل المسلم يقول للرجل النصراني : أكرمك الله ؟
قال : نعم ، يقول : أكرمك الله يعني بالإسلام .
ويتوجه فيه ما سبق من الدعاء بالبقاء ، وأنه كالدعاء بالهداية ، ويشبه هذا أعزك الله " .
انتهى من " الآداب الشرعية والمنح المرعية " (1/368) .
والخلاصة :
أنه لا بأس أن يجاب غير المسلم على تهنئته للمسلم بالعيد أو بغير ذلك من المناسبات ، بأن يدعى له الدعاء المناسب ، مكافأة له على تهنئته ، فيقال له : أكرمك الله أو وفقك الله أو أعزك الله أو وأنت طيب ونحو ذلك ، وإذا نوى بهذه الأدعية أن الله يوفقه ويهديه للإسلام فهو أكمل وأحسن .
والله أعلم .