من كتاب (فقه النصر والتمكين) للدكتور علي محمد الصلابي
الحلقة: الثامنة والخمسون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
إن من أسباب التمكين لهذا الدين والانطلاق بدعوة الله بين الناس أن تهتم الحركات الإسلامية على المستوى القطري، والإقليمي والدولي بمبدأ التفرغ لأصحاب القدرات المتميزة في المواقع المهمة, وخصوصا في مجال العلم والفكر، ومجال التربية والتكوين، ومجال الدعوة والإعلام، ومجال السياسة والتخطيط، ومجال الاقتصاد والمال، ومجال الأمن والاستخبارات، وكل مجالات الحياة اللازمة لتحكيم شرع الله على جميع أفراد الشعب ومؤسسات الدولة.
إن الأعمال العظيمة تحتاج إلى أوقات كبيرة وجهود ضخمة وهمم عالية، ولذلك تضطر الحركة الإسلامية إلى مبدأ التفرغ مع التنوع والتكامل، حتى تسد كل الثغرات في العمل الإسلامي، ولا يقع تركيز في جانب فيتضخم على جانب آخر فيهمل، ولا بد من توفير المال اللازم لهذه المشاريع لأنها من أعظم القربات إلى الله تعالى, كما يجوز أخذ مال الزكاة أو الصدقة أو الوقف أو الوصية أو الهبة أو الهدية لسد هذه الثغرات المهمة.
كما ينبغي توفير كل ما يحتاجه المتفرغ وذووه من الأجر الكافي حتى يتفرغ للعطاء والبذل مع مراعاة عدم الإسراف والبذخ, ولابد من الخوف من الله تعالى عند اختيار المتفرغ بحيث يوضع الرجل المناسب في المكان المناسب دون محاباة لعمرو أو زيد (1)، قال تعالى: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ" [القصص: 26].
من الضرورات اللازمة التوجه لإعداد متخصصين في جوانب الحياة كافة، إن عصرنا في حاجة شديدة للتخصص الدقيق، فإن الذكاء وحده والعقل الألمعي وحده لا يكفي والمواهب وحدها لا تكفي، والموسوعية في كل فن والإفتاء في كل علم لا يفيد.
فالذي يفيد الدراسة العلمية المتخصصة، القادرة على أن تساير العصر، وتلبي الحاجة وتتقن العمل الذي يسند إليها, وهذا الإحسان أو الإتقان لا يتم في عصرنا إلا بالتخصص، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
يقول الدكتور القرضاوي في هذا الباب: (خذ مثلا موضوعًا كالإعلام، وما يتطلبه من تخصصات متنوعة, إن كتابة النص علم، وكتابته في صورة حوار علم،وإخراجه علم، وأداؤه وتنفيذه علم، وتسويقه علم، والإخراج الإذاعي غير الإخراج التلفزيوني، غير الإخراج المسرحي...) (2).
إن الحركات الإسلامية غنية بالنوابغ والقدرات والكفاءات القادرة على أسلمة كل المواقع الحيوية والمفصلية في الحياة وإنما تحتاج إلى ترتيب أولوياتها وتوجيه طاقاتها بحيث لا تتكدس ولا تتراكم النوابغ في مجالات الهندسة والطب والصيدلة، وإنما تتوزع على مواقع أخرى في الدراسات الإنسانية والاجتماعية من علوم النفس والتربية والاجتماع والاقتصاد والعلوم السياسية بحيث تدخل أدمغة الحركات الإسلامية في صميم مجتمعاتها ولا تترك أي مجال حيوي يؤثر في الحياة الإنسانية.
إن مبدأ التخصص يعين الحركات الإسلامية على سد الثغرات المتعددة في جوانب الحياة المتنوعة والتي لابد من دخولها من أجل التمكين لدين الله تعالى.
إن اليهود والنصارى والملاحدة تسابقوا للهيمنة على الدراسات الإنسانية والاجتماعية من علوم النفس والتربية والاقتصاد، والعلوم السياسية والإعلامية والاقتصادية لعلمهم أن ذلك يمكنهم من الصدارة في توجيه الأمم والمجتمعات ولم يتركوا حتى مجال الأدب والقصة والنقد (3)..إلخ.
---------------------------------------
مراجع الحلقة الثامنة والخمسين:
(1) انظر: أولويات الحركة الإسلامية للقرضاوي، ص193.
(2) المصدر نفسه، ص195.
(3) انظر: أولويات الحركة الإسلامية للقرضاوي ص 195.
يمكنك تحميل كتاب فقه النصر والتمكين
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي