الإثنين

1446-10-30

|

2025-4-28

من شروط النصر والتمكين: صدق الانتماء إلى الإسلام ..

من كتاب (فقه النصر والتمكين) للدكتور علي محمد الصلابي

الحلقة: السابعة والخمسون.

 

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

تحقيق الأخوة بين أفراد المسلمين:

إن من الأصول العظيمة التي تحقق وحدة الصف وقوة التلاحم، ومتانة التماسك بين أفراد المسلمين تحقيق الأخوة في أوساطهم، إن الأخوة منحة من الله عز وجل، يعطيها الله للمخلصين من عباده والأصفياء والأتقياء من أوليائه وجنده وحزبه.

قال تعالى: " وَإِن يُّرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ` وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " [الأنفال: 62، 63].

وهي قوة إيمانية تورث شعوراً عميقاً بعاطفة صادقة ومحبة وود، واحترام، وثقة متبادلة، مع كل من تربطنا بهم عقيدة التوحيد ومنهج الإسلام الخالد، يتبعها ويستلزمها تعاون وإيثار ورحمة وعفو وتسامح، وتكافل وتآزر, وهي ملازمة للإيمان قال تعالى: " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" [الحجرات: 10].

ولا يوق حلاوة الإيمان إلا من أشرب هذه الأخوة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار» (1).

إن القرآن الكريم يرسم لنا صورة جميلة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال تعالى: " مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ" [الفتح: 29].

إن القرآن الكريم حين وضع بين دفتيه هذه الصورة، إنما يخبرنا بتكريم الله عز وجل فهم "أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ".

أشداء على الكفار ولو كان فيهم الآباء والقرابة والأبناء، رحماء بينهم، وهذه الأخوة في الحق، أخوة في الدين، إن الأخوة في الله من أهم الأسباب التي تعمل على الصمود في وجه أعتى المحن التي تنزل بالمسلمين، كما أن الفهم المتبادل والكامل للأخوة في الله من أسباب تماسك صفوف المسلمين وقوتهم, ومن أسباب شموخهم والتمكين لهم (2)، إن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمد على معاني الأخوة وعمل على تحقيقها وجعلها من الوسائل المهمة في بناء المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية، وأن أهمية هذا الأساس تظهر في
الجوانب التالية:

- إن أي دولة لا يمكن أن تنهض وتقوم إلا على أساس من وحدة الأمة وتساندها، ولا يمكن لكل من الوحدة والتساند أن يتم بغير التآخي والمحبة المتبادلة، فكل جماعة لا تؤلف بينها آصرة المودة والتآخي الحقيقية، لا يمكن أن تتحد حول مبدأ ما، وما لم يكن الاتحاد حقيقة قائمة في الأمة أو الجماعة، فلا يمكن أن تتألف منها الدولة. على أن التآخي لابد أن يكون مسبوقا بعقيدة يتم اللقاء عليها والإيمان بها، فالتآخي بين شخصين يؤمن كل منهما بفكرة أو عقيدة مخالفة للأخرى خرافة ووهم، خصوصا إذا كانت تلك الفكرة أو العقيدة مما يحمل صاحبها على سلوك معين في الحياة العملية, ومن أجل ذلك فقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أساس الأخوة التي جمع عليها أفئدة أصحابه، العقيدة الإسلامية التي جاء بها من عند الله تعالى, والتي تضع الناس كلهم في مصاف العبودية الخالصة لله تعالى دون الاعتبار لأي فارق إلا فارق التقوى والعمل الصالح، إذ ليس من المتوقع أن يسود الإخاء والتعاون والإيثار بين أناس شتتتهم العقائد والأفكار المختلفة فأصبح كل منهم ملكا لأنانيته وأهوائه.

إن المجتمع - أي مجتمع - إنما يختلف عن مجموعة ما من الناس منتشرة متفككة بشيء واحد هو قيام مبدأ التعاون والتناصر فيما بين أشخاص هذا المجتمع، وفي كل نواحي الحياة ومقوماتها، فإن كان هذا التعاون والتناصر قائمين دون ميزان العدل والمساواة فيما بينهم، فذلك هو المجتمع الظالم المنحرف.

وإذا كان المجتمع المسلم إنما يقوم على أساس من العدالة في الاستفادة من أسباب الحياة والرزق، فما الذي يضمن سلامة هذه العدالة وتطبيقها على خير وجه؟

إن الضمانة الطبيعية والفطرية الأولى لذلك، إنما هي التآخي والتآلف.

إن تحقق مبادئ العدالة والمساواة بين الأفراد، فإنها لا تحقق ما لم تقم على أساس من التآخي والمحبة فيما بينهم، بل إن هذه المبادئ لا تعدو أن تكون حينئذ مصدر أحقاد وضغائن تشيع بين أفراد ذلك المجتمع, ومن شأن الأحقاد والضغائن أن تحمل في طيها بذور الظلم والطغيان في أشد الصور والأشكال.

من أجل هذا اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حقيقة التآخي الذي أقامه بين المهاجرين والأنصار أساسا لمبادئ العدالة الاجتماعية التي قام على تطبيقها أعظم وأروع نظام اجتماعي في العالم، ولقد تدرجت مبادئ هذه العدالة فيما بعد بشكل أحكام وقوانين شرعية ملزمة.

ولكنها كلها إنما تأسست وقامت على تلك «الأرضية» الأولى، ألا وهي الأخوة الإسلامية ولولا هذه الأخوة العظيمة التي تأسست بدورها على حقيقة العقيدة الإسلامية لما كان لتلك المبادئ أي أثر تطبيقي وإيجابي في شد أزر المجتمع الإسلامي ودعم كيانه (3).

لم يكن ما أقامه الرسول صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من مبدأ التآخي مجرد شعار في كلمة أجراها على ألسنتهم، وإنما كان حقيقة عملية تتصل بواقع الحياة وبكل أوجه العلاقات القائمة بين الأنصار والمهاجرين، ولذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأخوة مسئولية حقيقية تشيع بين هؤلاء الأخوة, وكانت هذه المسئولية محققة فيما بينهم على خير وجه. لقد كانت رابطة الأخوة بين الصحابة الكرام من أسباب قوتهم ونصرة الله لهم.

إن مناط الأخوة وأساسها، إنما هو رابط الإسلام وعقيدته الصحيحة وهي من أهم أسباب وحدة الصف، وقوة البنيان بين أفراد الأمة المسلمة التي تسعى لتحكيم شرع الله تعالى، كما لا ننسى أن من أسباب وحدة صفوف الأمة: العلم النافع، والإخلاص وتجريد المتابعة، وغير ذلك من الأسباب المعنوية التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لتوحيد صفوف الأمة إلا أنني ذكرت أهمها خوفا من الإطناب والإطالة.

إن التحابب بين المسلمين والحرص على روابط الأخوة المستمدة من الإيمان والعقيدة سر قوة الأمة، ومفتاح نجاحها.

---------------------------------------

مراجع الحلقة السابعة والخمسين:

([1]) البخاري، كتاب الإيمان، باب حلاوة الإيمان (1/11).

(2) انظر: رسالة التعاليم، د. محمد عبد الله الخطيب، ص296.

(3) انظر: فقه السيرة, د. البوطي، ص201.

يمكنك تحميل كتاب فقه النصر والتمكين

من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي

http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/655


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022