الإعجاز العلمي في الإشارة إلى البنان وجلد الإنسان في القرآن الكريم
الحلقة التاسعة والستون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
رجب 1441ه/مارس 2020م
قال تعالى: " أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ" (القيامة ، 3 ـ 4).
أنكر الكفار خلقهم الجديد واستبعدوا بعد أن تكون عظامهم رميماً وأجسادهم تراباً، وكانوا يقولون: " أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُون" (الصافات ، آية : 16).
ويجيب الحق سبحانه وتعالى في أسلوب توكيدي، أن الله بقادر على أن يجمع عظام الإنسان وأن يعيد خلقه فحسب، بل قادر على أن يعيد تسوية سائر أجزاء البدن الكثير التعقيد؟ هل البنان أشد تعقيداً من العظام؟ لقد توصل العلم إلى سر البصمة في القرن التاسع عشر بين أن البصمة تتكون من خطوط بارزة في بشرة الجلد تجاورها منخفضات وتعلو الخطوط البارزة فتحات المسام العرقية، تتمادى هذه الخطوط وتتلوى وتتفرع عنها تغصنات وفروع، لتأخذ في النهاية في كل شخص شكلاً مميزاً، وقد ثبت أنه لا يمكن للبصمة أن تتطابق وتتماثل في شخصين في العالم حتى في التوائم المتماثلة التي أصلها من بويضة واحدة، يتم تكون البنان في الجنين في الشهر الرابع، وتظل ثابتة ومميزة له طوال حياته، ويمكن أن تتقارب بصمتان في الشكل تقارباً، ولكنهما لا تتطابقان البتة، ولذلك فإن البصمة تعد دليلاً قاطعاً ومميزاً لشخصية الإنسان معمولاً به في كل بلاد العالم، ويعتمد عليها القائمون على تحقيق القضايا الجنائية لكشف المجرمين واللصوص.
قال تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا" (النساء ، آية : 56).
إن قدرة الله سبحانه وتعالى لا يقف أمامها شيء، فتبديل الجلود المحترقة بأخرى جديدة أمر غير معجوز عنه، وقد أعاد بعث العظام وهي رميم، إنما الإثارة المعجزة في قوله تعالى: " لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ".
لقد قرر الأطباء أن حدود الشعور بألم الكي في الجلد السطحي، فلو احترق الجلد ووصل إلى اللحم لما كان هناك شعور بالألم بدرجة الحالة السابقة لأن الأعصاب التي تشعر بالألم موجودة في الجلد الخارجي، أما في الأنسجة والعضلات والأعضاء الداخلية، فالإحساس فيها ضعيف، لذلك يقول الأطباء: إن الحرق الذي لا يتجاوز الجلد يحدث ألماً شديداً بخلاف الحرق الشديد الذي يتجاوز الجلد إلى الأنسجة لأنه مع شدته وخطره لا يحدث ألماً كثيراً، فكأن الآية الكريمة تبين أن النار كلما أنضجت الجلد الذي يحتوي على أعصاب الإحساس بالألم جددت هذه الجلود بجلود جديدة ليستمر الشعور بالألم بلا انقطاع ويذوقوا العذاب الأليم.
وكما يتعرض الكفار لعذاب النار من الخارج عن طريق الجلد، فإنهم يتعرضون لعذاب داخلي من نوع آخر، عن طريق سقيهم بماء حميم، إذا دنا منهم شوى وجوههم ووقعت فروة رؤوسهم فإذا شربوا قطع أمعاءهم وأخرجها من أدبارهم، قال تعالى: " وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ" (محمد ، آية : 15).
فعندما تتقطع الأمعاء بسبب شرب الماء الحميم (ماء حار شديد الغليان) الذي ينفذ منها إلى التجويف المحيط بالأحشاء، والغني بالأعصاب الحساسة، فإن العذاب بحرارة الحميم يبلغ أشده.
المصادر والمراجع:
* القرآن الكريم
* علي محمد محمد الصلابي، المعجزة الخالدة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم براهين ساطعة وأدلة قاطعة، دار المعرفة، صفحة (307:305).
* محمد السقا، موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، صفحة 109، 147.