الخميس

1446-10-26

|

2025-4-24

الحشرات في القرآن الكريم.... من معجزات الخالق العظيم

الحلقة الثالثة والستون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

رجب 1441ه/مارس 2020م

1. العنكبوت
ــ قال تعالى: " مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" (العنكبوت ، آية : 41).
من الإشارات الكونية في هذه الآيات:
ــ تأكيد أن بيت العنكبوت هو أوهن البيوت على الإطلاق من الناحيتين المادية والمعنوية، وهو ما أثبتته الدراسات المتأخرة في علم دراسة حيوانات الأرض.
وهذا مثل ضربه الله تعالى للمشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله، يرجعون إليهم نصرهم ورزقهم، ويتمسكون بهم في الشدائد، فهم في ذلك كبيت العنكبوت في ضعفه ووهنه، فليس في أيدي هؤلاء من آلهتهم إلا كمن يتمسك ببيت العنكبوت، فإنه لا يجدي عنه شيئاً، فلو علموا هذا الحال لما اتخذوا من دون الله أولياء، وهذا بخلاف المسلم المؤمن قلبه لله وهو مع ذلك يحسن العمل في اتباع الشرع، فهو متمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها لقوتها وثباتها.
الإشارة إلى العنكبوت بالأفراد:
وتسمية السورة الكريمة إشارة واضحة إلى أن الذي يقوم ببناء البيت أساساً هي أنثى العكنبوت، وعلى ذلك فإن مهمة بناء العنكبوت هي مهمة تضطلع بها إناث العناكب التي تحمل في جسدها غدد إفراز المادة الحريرية التي ينسج منها بين العنكبوت، وإن اشتراك الذكر في بعض الأوقات بالمساعدة في عمليات التشييد أو الترميم أو التوسعة، فإن العملية تبقى عملية أنثوية محضة، ومن هنا كان الإعجاز العلمي في قول الحق تبارك وتعالى: " اتَّخَذَتْ".
في قوله تعالى: " وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ"، هذا النص القرآني المعجز يشير إلى عدد من الحقائق المهمة منها:
أ ـ الوهن المادي:
إن بيت العنكبوت هو من الناحية المادية البحتة أضعف بيت على الإطلاق، لأنه مكون من خطوط حريرية غاية في الدقة تتشابك مع بعضها البعض تاركة مسافات بينية في أغلب الأحيان، ولذلك فهي لا تقي حرارة شمس ولا زمهرير برد، ولا تحدث ظلاً كافياً، ولا تقي من مطر هاطل ولا من ريح عاصفة ولا من أخطار المهاجمين، وذلك على الرغم من الإعجاز في بنائها.
ب ـ الوهن في بيت العنكبوت لا في الخيوط: قوله تعالى: " وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ".
وهنا إشارة صريحة إلى أن الوهن والضعف في بيت العنكبوت، وليس في خيوط العنكبوت، وهي إشارة دقيقة جداً، فخيوط بيت العنكبوت حريرية دقيقة جداً، يبلغ سمك الواحد منها في المتوسط واحداً من المليون من البوصة المربعة، أو جزءاً من أربعة آلاف جزء من سمك الشعرة العادية في رأس الإنسان، وعلى الرغم من دقتها الشديدة فهي أقوى مادة بيولوجية عرفها الإنسان حتى الآن.
جـ ـ الوهن المعنوي:
إن بيت العنكبوت من الناحية المعنوية هو أوهن من بيت على الإطلاق، لأنه بيت محروم من معاني المودة والرحمة التي يقوم على أساسها كل بيت سعيد، وذلك لأن الأنثى في بعض أنواع العنكبوت تقضي على ذكرها بمجرد إتمام الإخصاب، وذلك بقتله وافتراس جسده، لأنها أكبر حجماً وأكثر شراسة منه، وفي بعض الحالات تلتهم الأنثى صغارها دون أدنى رحمة، وفي بعض الأنواع تموت الأنثى بعد إتمام إخصاب بيضها الذي عادة ما تحتضنه في كيس من الحرير، وعندما يفقس البيض تخرج العنيكبات فتجد نفسها في مكان شديد الازدحام بالأفراد داخل كيس البيض، فيبدأ الإخوة الأشقاء في الاقتتال من أجل الطعام أو المكان أو من أجلهما معاً، فيقتل الأخ أخاه وأخته وتقتل الأخت أختها وأخاها، حتى تنتهي المعركة ببقاء عدد قليل من العنيكبات التي تنسلخ من جلدها، وتمزق جدار كيس البيض لتخرج الواحدة تلو الأخرى، والواحد تلو الآخر بذكريات تعيسة، لينتشر الجميع في البيئة المحيطة وتبدأ كل أنثى في بناء بيتها ويهلك في الطريق إلى ذلك من يهلك من هذه العنيكبات، ويكرر من ينجو منها نفس المأساة التي تجعل من بين العنكبوت أكثر البيوت شراسة ووحشية، وانعداماً لأواصر القربى، ومن هنا ضرب الله تعالى به المثل في الوهن والضعف، لافتقاره إلى أبسط معاني التراحم بين الزوج وزوجه، والأم وصغارها، والأخ وشقيقه وشقيقته، والأخت وأختها وأخيها.
ح ـ " لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ":
هذه الحقائق لم تكن معروفة لأحد من الخلق في زمن الوحي، ولا لقرون متطاولة من بعده، حيث لم تُكتشف إلا بعد دراسات مكثفة في علم سلوك العنكبوت استغرقت مئات من العلماء لعشرات من السنين حتى تبلورت في العقود المتأخرة من القرن العشرين، ولذلك ختم ربنا تبارك وتعالى الآية الكريمة بقوله: " لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ".

2 ـ البعوضة:
قال تعالى: " إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا" (البقرة ، آية : 26).
إن ضرب المثل القرآني بالبعوضة وما فوقها حجماً، وما هو أشد منها خطراً، يؤكد خطر البعوضة في نقل العديد من الأمراض، كما يؤكد أن أنثى البعوضة وحدها دون ذكرها هي الناقلة للأمراض، وهي حقائق مستحدثة على العلوم المكتسبة التي لم يصل الإنسان إلى معرفة شيء منها إلا في القرنين التاسع عشر والعشرين، وسبق القرآن الكريم بالإشارة إليها مما يشهد لهذا الكتاب العزيز بأنه كلام الله الخالق.
3ـ الذباب:
قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ" (الحج ، آية : 73).
قررت الآية الكريمة: أن الذباب يختلس ما يأخذه من أشربة وأطعمة اختلاساً، وينتزعه انتزاعاً رغم أنوف أصحابها ولذلك عبر القرآن الكريم بالتعبير المعجز "وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا" ثم قال: " لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ" والذبابة المنزلية تمتص الشراب بواسطة خرطومها ليصل إلى جهازها الهضمي مباشرة، فلا يمكن استنقاذه بأي حال من الأحوال.
أما إذا كان الطعام صلباً فإن الذبابة المنزلية، تفرز عليه مع لعابها عدداً من العصائر الهاضمة والإنزيمات التي تذيبه في الحال فتمتصه الذبابة في ثوان معدودة، ثم يتم هضمه وتمثيله في ثوان معدودة، وكذلك إرساله إلى الدم ومن ثم فلا يمكن استنقاذه أبداً، ولذلك ختمت الآية الكريمة بقول ربنا تبارك وتعالى: "ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ"، والطالب هنا هو المسلوب الذي سلبه الذباب شيئاً من شرابه أو طعامه، والمطلوب هو الذباب السالب للشيء، وسواء كان المسلوب هو الفرد من بني الإنسان أو هضم أو الوثن المعبود من دون الله فكلاهما ضعيف ضعف الذبابة أو أضعف، وعاجز عن خلق خلية حية واحدة فضلاً عن خلق ذبابة كاملة.
4 ـ الجراد:
بين الله عز وجل عملية الحشر بقوله: " خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ" (القمر ، آية : 7).
فالأبصار ذليلة حين يخرج هؤلاء من الأجداث، أي الناس من القبور، فقد شبههم بالجراد المنتشر فما وجه الشبه؟ وما هي اللمحة الإعجازية فيه؟ هذا التشبيه معجز في الحقيقة، إذ إن الناس المبعوثين حين يخرجون من القبور يخرجون عرايا كما تخرج حوريات الجراد عارية بعد انسلاخها من جلدها عدة مرات لتخرج حشرة بالغة، تتحرك بعدها في أسراب يصل عدد الجراد في السرب الواحد منها إلى عشرات المليارات، ولو أننا تمثلنا في أذهاننا كيفية بعض هذه الأعداد الهائلة من الأمم الذين عمروا الأرض من لدن آدم إلى يوم الساعة لكان هذا التشبيه بالجراد معجزاً، لأنه لم يكن أحداً آنذاك يمكنه تصوير ذلك زمن الوحي، ولا عبر القرون بعده إلى أن أدركه العلم الحديث، والجراد عار تماماً إلا من رحمة ربه الذي زوده بغطاء قرني رقيق، والناس كذلك حفاة عراة غُرل "غير مختونين" كما قال صلى الله عليه وسلم، كما أن الجراد حين يتحرك يتحرك بقيادة صارمة في مقدمة السرب، وبانضباط شديد، وهكذا فإن سوق الناس يوم الحشر يكون كذلك.
5ـ الفراش:
قال تعالى: " يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ" (القارعة ، آية : 4).
أي يوم يكون الناس في قبورهم واندفاعهم في الخروج منها كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم مفصلاً في المروي عنه بأعداد تشمل جميع البشر من لدن خلق آدم إلى قيام القيامة، فقد شبههم هذا التشبيه المعجز الذي يشير إلى دورة حياة الفراشة، كما أفادت آية القمر دورة حياة الجراد المشابهة لحياة البشر، فالموتى لحظة خروجهم يشبهون الفراش المبثوث الخارج من شرانقه، حيث يتحول جلد الشرنقة "الخادرة" إلى حالة نصف شفافة ثم ينشق لتخرج عذارى الفراش بالمليارات في آن معاً، فهو يشبه تماماً عملية تشقق القبور عن أصحابها وبعث الموتى، فبالله لهذا التشبيه كم كان خافياً واقعه حتى دلنا البحث العلمي عليه.
6ـ أنكر الأصوات:
قال تعالى: " وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ" (لقمان ، آية : 19).
الآية تتحدث عن رفع الصوت وأن الصوت ينبغي أن يكون معتدلاً أو مقتصداً متوسطاً، وأن يكون منخفض الطبقة لأن الصوت العالي ليس من شيم المسلم، ولهذا كان الصوت العالي مختصاً بالحيوان، وأنكر هذه الأصوات صوت الحمار.
وهذه حقيقة علمية دقيقة تؤكدها دراسات شدة أصوات الحيوانات المختلفة، حيث تصل شدة صوت الحمار إلى ما يتجاوز مائة "ديسيبل"، ويصل تردده إلى 350 هيرتز، وهو أعلى تردد لصوت حيوان من الحيوانات التي تحيا على اليابسة، ومن أعلاها شدة، وذلك لأن شدة صوت الحوت الأزرق تصل إلى ضعف شدة صوت الحمار الحمار تقريباً "188 ديسيبل" ولكن تردده أقل بكثير، ونظراً لعيشه في ماء محيط فلا يكاد الإنسان يسمع صوته إلا إذا رفع الحوت الأزرق رأسه فوق الماء، وإن كانت الحيتان يسمع بعضها بعضاً على بعد مئات الأميال في داخل كتلة ما.

المصادر والمراجع:
* القرآن الكريم
* علي محمد محمد الصلابي، المعجزة الخالدة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم براهين ساطعة وأدلة قاطعة، دار المعرفة، صفحة (276:270).
* زغلول النجار، مدخل إلى دراسة الإعجاز العلمي، صفحة 485، 489.
* هيثم هلال، روائع الإعجاز العلمي، صفحة 316، 317.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022