السبت

1446-10-28

|

2025-4-26

لقاء الرَّاهب بَحِيْرا بالرَّسول (صلى الله عليه وسلم) وهو غلامٌ

مختارات من موسوعة السيرة النبوية والخلفاء الراشدين ..

بقلم د. علي محمد الصلابي

الحلقة (17)

 

خرج أبو طالبٍ إلى الشَّام، وخرج معه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في أشياخٍ من قريشٍ، فلـمَّا أشرفوا على الرَّاهب، هبطوا، فحَلُّوا رحالهم، فخرج إليهم الرَّاهب، وكانوا قبل ذلك يسيرون، فلا يخرج إليهم، ولا يلتفت.

فبينما هم يحلُّون رحالهم؛ جعل الرَّاهب يتخلَّلهم، حتَّى جاء، فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: هذا سيِّد العالمين، هذا رسول ربِّ العالمين، يبعثه الله رحمةً للعالمين. فقال له أشياخٌ من قريش: ما علمك؟ فقال: إنَّكم حين أشرفتم من العقبة، لم يبق شجرٌ، ولا حجرٌ إلا خرّ ساجداً، ولا يسجدان إلا لنبيٍّ، وإنِّي أعرفه بخاتم النُّبوَّة أسفل من غضروف كتفه مثل التُّفاحة.

ثمَّ رجع، فصنع لهم طعاماً، فلـمَّا أتاهم به، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في رعية الإبل، قال: أرسلوا إليه، فأقبل، وعليه غمامةٌ تظلُّه، فلـمَّا دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فيء الشَّجرة، فلـمَّا جلس مال فيءُ الشَّجرة عليه، فقال: انظروا إلى فيء الشَّجرة مال عليه.

قال: فبينما هو قائمٌ عليهم، وهو يناشدهم ألا يذهبوا به إلى الرُّوم؛ فإن الرُّوم إذا عرفوه بالصِّفة سيقتلونه، فالتفت فإذا سبعةٌ قد أقبلوا من الرُّوم، فاستقبلهم، فقال: ما جاء بكم؟ قالوا: جاءنا أنَّ هذا النَّبيَّ خارجٌ في هذا الشَّهر، فلم يبقَ طريقٌ إلا بُعث إليه بأناسٍ، وإنا قد أخبرنا خبره، بعثنا إلى طريقك هذا، فقال: هل خلفكم أحدٌ هو خيرٌ منكم؟

قالوا: إنَّما اخترنا خيره لك لطريقك هذا. قال: أفرأيتم أمراً أراد الله أن يقضيه، هل يستطيع أحدٌ من النَّاس ردَّه؟ قالوا: لا. قال: فبايعوه، وأقاموا معه.

قال: أنشدكم الله أيُّـكم وليُّـه؟ قالوا: أبو طالب. فلم يزل يناشده حتَّى ردَّه أبو طالب. [البيهقي في الدلائل (2/24 - 25) والترمذي (3620) والحاكم (2/615) وأبو نعيم في دلائله (109)] .

وممَّا يستفاد من قصَّة بحيرا عدَّة أمورٍ؛ منها:

1 - أنَّ الصَّادقين من رهبان أهل الكتاب، يعلمون: أنَّ محمَّداً صلى الله عليه وسلم هو الرَّسول للبشريَّة، وعرفوا ذلك لِمَا وجدوه من أماراتٍ وأوصافٍ عنه في كتبهم.

2 - إثبات سجود الشَّجر والحجر للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وتظليل الغمام له، وميل فيء الشَّجرة عليه.

3 - أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم استفاد من سفره، وتجواله مع عمِّه، وبخاصَّةٍ من أشياخ قريش؛ حيث اطَّلع على تجارِب الآخرين، وخبرتهم، واستفاد من آرائهم، فهم أصحاب خبرةٍ، ودرايةٍ، وتجربةٍ لم يمرَّ بها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في سِنِّه تلك.

4 - حذَّر بَحِيرا من النَّصارى، وبيَّن أنَّهم إذا علموا بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فإنَّهم سيقتلونه، وناشد عمَّه، وأشياخ مكَّة ألا يذهبوا به إلى الرُّوم؛ فإنَّ الروم إذا عرفوه بالصِّفة سيقتلونه. لقد كان الرُّومان على علمٍ بأنَّ مجيء هذا الرَّسول سيقضي على نفوذهم الاستعماريِّ في المنطقة، ومن ثَمَّ فهو العدوُّ الَّذي سيقضي على مصالح دولة روما، ويعيد هذه المصالح إلى أربابها، وهذا ما يخشاه الرُّومان.

 

مراجع الحلقة:

- علي محمد محمد الصلابي، السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث، الطبعة الأولى، دار ابن كثير، 2004، ص 72-74.

 

لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:

كتاب السيرة النبوية في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي:

https://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/690


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022