حفظ الله تعالى لنبيِّه (صلى الله عليه وسلم) قبل البعثة
مختارات من موسوعة السيرة النبوية والخلفاء الراشدين
بقلم د. علي محمد الصلابي
الحلقة (16)
إنَّ الله تعالى صان نبيَّه صلى الله عليه وسلم عن شرك الجاهليَّة، وعبادة الأصنام. روى الإمام أحمد في مسنده عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: حدَّثني جارٌ لخديجة: أنَّه سمع النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو يقول لخديجة: «أي خديجة! والله لا أعبد اللاَّت، والعزَّى أبداً» [أحمد (4/222) و(5/362)] . قال: وهي أصنامهم الَّتي كانوا يعبدون، ثمَّ يضطجعون. وكان لا يأكل ما ذبح على النُّصب، ووافقه في ذلك زيد بن عمرو بن نفيل.
وقد حفظه الله تعالى في شبابه من نزعات الشَّباب، ودواعيه البريئة، الَّتي تنزع إليها الشُّبوبيَّة بطبعها، ولكنَّها لا تلائم وقار الهداة، وجلال المرشدين. فعن عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما هممت بقبيح ممَّا كان أهل الجاهليَّة يهمُّون به، إلا مرَّتين من الدَّهر، كلتيهما يعصمني الله منهما، قلت ليلةً لفتىً كان معي من قريش بأعلى مكَّة في أغنام لأهله يرعاها: أبصر إليَّ غنمي حتَّى أسمُر هذه اللَّيلة بمكَّة، كما يسهر الفتيان. قال: نعم. فخرجت، فجئت أدنى دار من دور مكَّة، سمعت غناءً، وضرب دفوفٍ، ومزامير، فقلت: ما هذا؟ فقالوا: فلان تزوَّج فلانة - لرجلٍ من قريشٍ تزوَّج امرأة من قريشٍ - فلهوت بذلك الغناء وبذلك الصَّوت حتى غلبتني عيني، فما أيقظني إلا حرُّ الشَّمس، فرجعت؛ فقال: ما فعلت؟ فأخبرتُه، ثمَّ قلت له ليلةً أخرى مثل ذلك، ففعل، فخرجت؛ فسمعت مثل ذلك، فقيل لي مثل ما قيل لي، فلهوت بما سمعت حتى غلبتني عيني، فما أيقظني إلا مسُّ الشَّمس، ثمَّ رجعت إلى صاحبي، فقال: فما فعلت؟ قلت: ما فعلت شيئاً.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فوالله ما هممت بعدها بسوءٍ ممَّا يعمل أهل الجاهليَّة، حتَّى أكرمني الله بنبوَّته» [أبو نعيم في الدلائل (128) والبيهقي في السنن الكبرى (2/33 - 34) والبزار (2403) ومجمع الزوائد (8/226)] .
وهذا الحديثُ يوضِّح لنا حقيقتين كلاً منهما على جانبٍ كبيرٍ من الأهميَّة:
1 - إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان متمتعاً بخصائص البشريَّة كلِّها، وكان يجد في نفسه ما يجده كلُّ شابٍّ من مختلف الميول الفطرية، الَّتي اقتضت حكمة الله أن يجبل النَّاس عليها، فكان يُحِسُّ بمعنى السَّمر واللَّهو، ويشعر بما في ذلك من متعةٍ، وتحدِّثه نفسه: لو تمتَّع بشيءٍ من ذلك، كما يتمتَّع الآخرون.
2 - إنَّ الله - عزَّ وجلَّ - قد عصمه مع ذلك من جميع مظاهر الانحراف، ومن كلِّ ما لا يتَّفق مع مقتضيات الدَّعوة الَّتي هيَّأه الله لها.
مراجع الحلقة:
- علي محمد محمد الصلابي، السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث، الطبعة الأولى، دار ابن كثير، 2004، ص 71-73.
- محمَّد سعيد رمضان البوطي، فقه السيرة، الطَّبعة الحادية عشرة، 1991 م، دار الفكر، دمشق – سورية، ص 50-51.
- محمَّد الصادق عرجون، محمَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ص (1/51).
لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:
كتاب السيرة النبوية في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي: