خواطر إيمانية
الشيخ محمد متولي الشعراوي (رحمه الله)
الخاطرة الخامسة
إن العطاء الالهي للإنسان يعطيه النعمة بمجرد أن يخلق في رحم أمه، فيجد رحماً مستعداً لاستقباله وغذاء يكفيه طول مدة الحمل، فإذا خرج إلى الدنيا، يضع الله في صدر أمه لبناً ينزل وقت أن يجوع ويمتنع وقت أن يشبع، وينتهي تماماً عندما تتوقف فترة الرضاعة، ويجد أباً وأماً يوفران له مقومات حياته، حتى يستطيع أن يعول نفسه، وكل هذا يحدث قبل أن يصل الإنسان إلى مرحلة التكليف، وقبل أن يستطيع أن ينطق: {الحمد للَّهِ}، وهكذا نرى أن النعمة تسبق الْمُنْعَمَ عليه دائما، والله سبحانه وتعالى خلق لنا في هذا الكون أشياء، تعطي الإنسان بغير قدرة منه ودون خضوع له، والإنسان عاجز عن أن يقدم لنفسه هذه النعم التي يقدمها الحق تبارك وتعالى له بلا جهد.
فالشمس تعطي الدفء والحياة للأرض بلا مقابل، وبلا فعل من البشر، والمطر ينزل من السماء دون أن يكون لك جهد فيه، أو قدرة على إنزاله، والهواء موجود حولك في كل مكان، تتنفس منه دون جهد منك ولا قدرة، والأرض تعطيك الثمر بمجرد أن تبذر فيها الحب وتسقيه، فالزرع ينبت بقدرة الله، والليل والنهار يتعاقبان، حتى تستطيع أن تنام لترتاح، وأن تسعى لحياتك، لا أنت أتيت بضوء النهار، ولا أنت الذي صنعت ظلمة الليل، ولكنك تأخذ الراحة في الليل والعمل وفي النهار بقدرة الله، دون أن تفعل شيئا.
كل هذه الأشياء لم يخلقها الإنسان، ولكنه خلق ليجدها في الكون تعطيه بلا مقابل ولا جهد منه، ألا تستحق أن نقول الحمد لله على نعمة تسخير الكون لخدمة الإنسان؟ إنها تقتضي وجوب الحمد، وآيات الله سبحانه وتعالى في كونه تستوجب الحمد، فالحياة التي وهبها الله لنا، والآيات التي أودعها في كونه لتدلنا على أن لهذا الكون خالقاً عظيماً.
المصدر:
تفسير الشيخ محمد متولي الشعراوي.