كتاب سليمان (عليه السلام) إلى قوم سبأ
مختارات من كتاب الأنبياء الملوك (عليهم السلام)
بقلم: د. علي محمد الصلابي
الحلقة (63)
بعد أن تأكد سليمان من معلومات الهدهد كتب كتاباً إلى قوم سبأ ضمَّنه دعوتهم للدخول في الإسلام، وطلب من الهدهد أن يحمله إليهم، قال تعالى: ﴿اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾.
وتكليف سليمان (عليه السلام) للهدهد واضح والخطوات المطلوبة منه، فقد أمره بأربعة أوامر.
الأول: ﴿اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذا﴾ أمره بحمل كتابه الموجَّه إلى سبأ، والتوجه إلى فلسطين إلى اليمن. وحمل الهدهد الكتاب وسار إلى اليمن وقطع المسافة الطويلة بوقت قصير، وكان هذا بأمر من الله، وآية من آياته، ومعجزة من معجزاته.
الثاني: ﴿فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ﴾: ولم يقل: (إليها)؛ لأن الهدهد قال له: ﴿وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ﴾، فأمره أن يلقيه إلى الذين هذا دينهم، اهتماماً منه بأمر الدين، واشتغالاً عن غيره، وبنى الخطاب في الكتاب على لفظ الجمع لذلك.
الثالث: ﴿ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ﴾: أمره بعد أن يلقي الكتاب أن يبتعد عنهم قليلاً، بحيث يرى أثر الكتاب على الملكة ومستشاريها. و﴿تَوَلَّ﴾ فعل أمر مبني على حذف حرف العلة، ماضيه: (تولّى).
الرابع: ﴿فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾: أمره أن يحسن مراقبته الأمر وتسلسل الأحداث، وأن يعرف أثر الكتاب فيهم، وأن يقف على جوابهم وردّهم عليه.
وهذه الأوامر الأربعة للهدهد توحي بالمهمة الدعوية الموكلة إليه.
إن الهدهد مأمور بالتصرف في هذه المهمة بمنتهى الموضوعية، وكأنه إنسان عاقل واع حكيم.
حمل الهدهد كتاب سليمان، ووصل قصر ملكة سبأ، وألقى الكتاب إليها، وصار يراقب التطورات، رأتِ الملِكةُ الكتابَ، وفتحته وقرأته، إنه موجّه من سليمان (عليه السلام) إليها، وإلى قومها، يدعوهم فيه إلى التخلي عن الكفر، والدخول في الإسلام.
وكان كتاب سليمان (عليه السلام) وجيزاً؛ لأن ذلك أنسب بمخاطبة من لا يحسن لغة المخاطب، فيقتصر له على المقصود لإمكان ترجمته وحصول فهمه.
قال القرطبي رحمه الله: في هذه الآية دليل على إرسال الكتب إلى المشركين وتبليغهم الدعوة، ودعائهم إلى الإسلام وقد كتب النبي ﷺ إلى كسرى وقيصر وإلى كل جبار.
وقد استخدم رسول الله ﷺ الكتابة في أمور عدة: منها الكتابة إلى أحد عشر ملكاً وأميراً وحاكماً يدعوهم فيها إلى الإسلام، واستمر الأمر في دولة الإسلام بالمدينة وزمن الخلفاء الراشدين، ومن ثم في أيام الخلافة الإسلامية، وتعرف بالوثائق والكتابة. وإن المراسلات بين الملوك والرؤساء والدول قائمة اليوم على قدم وساق، ويتعامل بها الجميع امتداداً لشرع الله تعالى ودينه، خاصة بعد انتشار الكتابة والتوسع بها، وتطور وسائلها في الأجهزة المعاصرة في الفاكس والحاسوب والجوال، ووسائل الاتصال الاجتماعي وغيرها.
مراجع الحلقة:
- الأنبياء الملوك، علي محمد محمد الصلابي، الطبعة الأولى، دار ابن كثير، 2023، ص 279-281.
- القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، صلاح الخالدي، دار القلم، دمشق - الدار الشامية، بيروت، ط1، 1419ه - 1998م، (3/536-148).
- شرعة الله للأنبياء، محمد مصطفى الزحيلي، دار ابن كثير، دمشق، ط1، 2018م، ص505 -506.
- تفسير القرطبي (16/148).
لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:
كتاب الأنبياء الملوك في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي: