دعوة سليمان عليه السلام لقوم سبأ إلى الإسلام ..
مختارات من كتاب الأنبياء الملوك ...
بقلم د. علي محمد الصلابي ...
الحلقة (65)
﴿أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾:
و﴿أَلَّا﴾ أصلها (أن لا) وأن في (أن لا تعلو عليّ) هي (أن) التفسيرية، وما بعدها تفسير للمطلوب، وبيان لهدف سليمان من كتابه.
- (لا) حرف نهي وجزم.
- ﴿تَعْلُوا﴾؛ مضارع مجزوم بحرف النهي، وعلامة جزمه حذف النون، لأنه من الأفعال الخمسة. و﴿تَعْلُوا﴾؛ بمعنى: تتكبروا. تقول: علا، يعلو، بمعنى: ارتفع، وهو وارد في القرآن بمعنى التكبر، وهو (علو) نفسي في نفس المتكبر.
العلو هنا بمعنى الغطرسة والزَّهو الذي يعتاده الملوك خاصة، وهي مِثْله، ملكة لها عَرْش عظيم، وأُوتيتْ من كل شيء وكونه يخاطبها بهذه اللهجة المختصرة البعيدة عن النقاش والجدال، هذا أمر يحتاج منها إلى نظر وإلى أَنَاةٍ.
ولذلك؛ بعد أن أخبرتْ مستشاريها بأمر الكتاب، وما ورد فيه طلبتْ منهم الرأي والمشورة. كما سيأتي بيانه فيما بعد إن شاء الله.
ينهى سليمان (عليه السلام) قوم سبأ عن التكبر عليه أو رفض دعوته، ثم يأمرهم بالدخول في دينه، وهو الإسلام، وهذه الدعوة صريحة في قوله: ﴿وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ واللطيف في دعوة سليمان (عليه السلام) أن يدعوهم إلى الإسلام.
ولا يستغربنّ أحد هذه الدعوة؛ فقد يشكل الأمر ويلتبس على بعضهم؛ لأن سليمان (عليه السلام)، إسرائيلي يحكم بني إسرائيل بالتوراة والزبور، وقد عاش ومات قبل الإسلام الذي جاء به محمد ﷺ فكيف تصرح الآية بأنه يدعوهم إلى الإسلام؟
إن الإسلام هو دين كل نبي من الأنبياء، وخلاصة دعوة كل رسول، فكل نبي جاء بالإسلام، الإسلام بمعناه العام. وإن الإسلام له ثلاثة معانٍ في القرآن:
الأول: الإسلام بالمعنى العام، وهو دين كل المخلوقات الحية وغير الحية، فكل ما في الوجود (مسلم) أي مستسلم خاضع منقاد إلى الله.
وعلى هذا المعنى قوله تعالى: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ [آل عمران: 83].
ومعنى ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾: كل مخلوق في السموات والأرض أسلم واستسلم وخضع وانقاد على الله.
الثاني: الإسلام بالمعنى التاريخي، وهو دين كل نبي ورسول، فكل نبي مسلم وجاء الإسلام، ودعا الناس إلى الإسلام، وأتباعه يسمون (مسلمين).
وهو عنوان كل دين ورسالة؛ لأن هدف كل رسول خضوع الناس لله، وخلاصة كل دين هي استسلام الناس لله، وهذا هو روح الإسلام، وعلى هذا، قوله: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)﴾ [البقرة: 130 - 131].
الثالث: الإسلام بمعناه الخاص: وهو دين الإسلام وشريعته الذي جاء به محمد ﷺ خاتم الأنبياء والمرسلين، والذي انتهت إليه رسالات كل الرسل، والذي نسخ الله به الأديان السابقة وطالب الناس جميعاً أن يعتنقوه، وأخبر أنه هو الدين الوحيد المقبول عند الله.
وعلى هذا قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3]. بعد هذا التخلص الموجز لمعنى (الإسلام) في السياق القرآني، نعرف أن سليمان (عليه السلام)، جاء بالإسلام بمعناه التاريخي العام، وأنّ دينه هو الإسلام، وأن دعوته هي دعوة الإسلام، وأن هدفه هو استسلام الناس وخضوعهم وانقيادهم لله؛ ولهذا طلب منهم في كتابه الموجز إلى قوم سبأ الدخول في الإسلام، وقال لهم: ﴿وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾. واللطيف أن سليمان (عليه السلام) جمع في كتابه بين النهي والأمر، حيث نهاهم عن الاستكبار والاستعلاء والعناد: ﴿أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ﴾، ثم أمرهم بالدخول في الإسلام: ﴿وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾.
مراجع الحلقة:
- الأنبياء الملوك، علي محمد محمد الصلابي، الطبعة الأولى، دار ابن كثير، 2023، ص 284-287.
- القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، صلاح الخالدي، دار القلم، دمشق - الدار الشامية، بيروت، ط1، 1419ه - 1998م، (3/538-539-540).
- تفسير الشعراوي (17/10777).
لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:
كتاب الأنبياء الملوك في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي:
https://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/689