الثلاثاء

1446-11-01

|

2025-4-29

تسخير الريح وإذابة النحاس لسليمان (عليه السلام)

مختارات من كتاب الأنبياء الملوك (عليهم السلام)

بقلم: د. علي محمد الصلابي ...

الحلقة (77)

 

قال تعالى: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِير﴾:

أ- ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ﴾:

أخبرنا الله أن هذه الريح الرخاء العاصفة كان غدوّها شهراً، وكان رواحها شهراً.

- والغدوُّ هو أول النهار. تقول: غدا، يغدو، غدواً: بكّر وخرج في أوّل النهار.

- والرواح: هو السير في النهار، قبيل المغرب، والغدو والرواح أمران متقابلان، الأول في أول النهار، والثاني في آخر النهار.

ومعنى قوله عن الريح: ﴿غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ﴾؛ أن الله جعل الريح سريعة عاصفة بما معها من غيث ورخاء؛ حيث كانت تقطع مسيرة شهر في غدوها وقدومها ومجيئها وقت الصباح، وتقطع شهراً آخر في رواحها وذهابها وقت العشي في آخر النهار.

أي أن الريح كانت تقطع مسيرة شهرين في اليوم الواحد، وهذا مظهر من مظاهر الرخاء والخصب الذي كانت تأتي به هذه الريح وتتحرك بأمر سليمان.

ب- ﴿وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ﴾:

أخبر سبحانه وتعالى من بين النعم التي أفاضها على سليمان (عليه السلام) إسالة عين القطر، وقد أعطى الله عز وجل لوالده (عليه السلام) نعمة شبيهة؛ وهي إلانة الحديد؛ ليعمل منه الدروع السابغات وتكاد كتب اللغة تجمع على أن القِطر: هو النحاس الذائب أو ضرب منه.

ومعنى ﴿وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ﴾؛ أذبنا له النحاس حتى كان يجري كأنه عين ماء متدفقة من الأرض . وهذا النحاس كان يخرج من الأرض خروج الماء من الينبوع. وقد قال القاضي البيضاوي: أساله من معدنه، فنبع منه نبوع الماء من الينبوع؛ ولذلك سمّاه عيناً.

وهذه النعمة الباهرة آية على علوّ شأن سليمان، وارتفاع قدره عند ربه جل وعلا.

إن سياق الآيات الكريمة يبيّن أن إسالة النحاس لسليمان (عليه السلام) كان معجزة خارقة كإلانته الحديد لداوود، وقد يكون ذلك بأن فجّر الله عيناً بركانية من النحاس المذاب من الأرض، أو بأن ألهمه الله إذابة النحاس حتى يسيل، ويصبح قابلاً للصبّ والطرق وهذا فضل من الله كبير.

وقد استخدَم سليمانُ (عليه السلام) معدن النحاس في العمارة والبناء، وشيَّد العديدَ من المباني والقلاع والمساجد، والقصاع والقدور، وقد استفاد من معدات الحديد كذلك ومعادن أخرى في الصناعات الحربية والمدنية لتقوية دولته ونمو صناعتها وازدهار حضارتها والقيام بواجب العمارة في الأرض، وفق مفهوم الخلافة فيها.

ولا شك أن النحاس اعتبر عنصراً مهمّاً من عناصر الحضارة في عهد سليمان (عليه السلام).

وقد ثبت وجود أعمال قديمة لاستخراج النحاس في شمال وادي عربة، وقد كانت خامات النحاس تجلب في أماكن استخراجها إلى منطقة (تل المقص) بالقرب من مطار العقبة الحالي، ويبعد حوالي أربعة كيلو شمال ميناء العقبة، حيث كانت تصنع لاستخراج النحاس منها، وتقديره خاماً ومصنّعاً إلى البلاد المجاورة عبر موانئ خليج العبة (آيلة) وعصيون جابر.

مراجع الحلقة:

- الأنبياء الملوك، علي محمد محمد الصلابي، الطبعة الأولى، دار ابن كثير، 2023، ص 350-358.

- القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، صلاح الخالدي، دار القلم، دمشق - الدار الشامية، بيروت، ط1، 1419ه - 1998م، (3/499).

- سليمان (عليه السلام) في القرآن، همام حسين يوسف سلوم، ص102.

- أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي)، عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي، تحقيق: محمد عبد الرحمن المرعشلي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1418ه، (4/394).

- في ظلال القرآن، سيد قطب، (5/2898).

- من آيات الإعجاز الإنبائي والتاريخي، د. زغلول النجار، دار المعرفة، بيروت، لبنان، ط1، 2013م، (2/731).

لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:

كتاب الأنبياء الملوك في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي:


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022