أهم صفات سليمان (عليه السلام) القيادية
(القدرة على بناء العلاقات)
مختارات من كتاب الأنبياء الملوك (عليهم السلام)
بقلم: د. علي محمد الصلابي
الحلقة (86)
نلاحظ من خلال دراستنا قدرة سليمان (عليه السلام) على بناء علاقات متميزة داخلية وخارجية، والأدلة على ذلك:
أ- التبسم مع الجنود:
﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا﴾، عندما سمع النملة تحذر قومها وتثني على سليمان بسبب عدله؛ أعجب بفصاحتها ونصحها وحسن تعبيرها، وهذا حال الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- والأدب الكامل والتعجب في موضعه. وهذا ما يدل على علاقة متميزة بين سليمان وأضعف المخلوقات -فيما يظهر- في مملكته قائمة على الاحترام والتقدير المتبادل.
ب- الخدمة للجنود:
فسليمان (عليه السلام) طلب من ربه سبحانه وتعالى التوفيق والسداد في شكره وفي الاشتغال بسائر أنواع الخدمات من الأعمال الصالحة، ومنها خدمة خلق الله وإقامة العدل بينهم، وتقديم سائر أنواع الخدمات الإنسانية، ابتغاء مرضات الله عز وجل، وتحقيق الأهداف والسعادة في الدارين: ﴿وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ [النمل: 19].
جـ- المرونة مع الجنود:
ولذلك التمس للهدهد عذراً، وكلفه بمهمة عظيمة عندما تأكد من معلوماته، وعفا عنه، لأنه جاء لسليمان (عليه السلام) بحجة وبرهان على سبب غيابه: ﴿أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ [النمل: 21].
د- اللطف والأدب في المعاملة حتى مع الأعداء:
ولذلك وصفت ملكة سبأ خطاب سليمان إليها بأنه كتاب كريم، ففحواه كريم من ملك كريم أحسن العلاقة مع الآخرين في آدابه وعزته في دينه، فكانت واضحة مختصرة أدّت الهدف والمضمون، فكانت بداية للعلاقات الحسنة التي أسهمت في نهاية المطاف إلى دخول ملكة سبأ في الإسلام.
7- الكرم وحسن الاستقبال:
﴿قِيلَ لَهَا ادْخُلِي﴾ [النمل: 44]؛ فلما علمت سيرته، وأظهر لها سليمان (عليه السلام) جلاء وحسن العلاقات الخارجية، وأظهر قوة التأثير الحضاري والتأييد الإلهي، وأكرمها نبي الله سليمان، واعترفت بتفوّق دولة سليمان على دولتها، فكانت النتيجة الحسنة من حسن بناء العلاقة؛ وهو دخولها في الإسلام بقناعة راسخة وهداية ربانية لها.
8- التواضع:
وهو في قمّة المجد والتمكين كان سليمان (عليه السلام) دائم التواضع حتى قيل: إنه كان يمشي منكسر الرأس خشوعاً لله. وأثناء استعراضه لجنوده من الجن والإنس والطير مرّ على وادي النمل، وفي نظرة التواضع إلى الأرض أبصر نملة، فأشخص النظر صوبها، وأصاخ السمع إليها، وبما علم من منطق الطير والحيوانات حاول تفهم أمرها، لقد علم أنها تتخوف من بطش أقدام جنوده وهم في ركبه، ونصحت النمل أن يفسحوا الطريق أمامه حتى لا تقع مظلمة غير مقصودة من أحد منهم: ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [النمل: 18]. قال القرطبي -رحمه الله- التفاتة مؤمن: أي عدل سليمان وفضله وفضل جنده لا يحطمون نملة فما فوقها إلا بألا يشعروا.
إن هذه النملة لم تكن إلا واحدة من رعايا سليمان في مملكته التي ضمت إلى جانب الإنس والجن أنواعاً وألواناً من الحيوانات والطير والهوام.
لقد سمع كلامها وتفهم شكواها، فتبسم من قولها ورقّ قلبه الكبير رفقاً لجِرْمها الصغير، فرحمها وأخواتها، وشكر ربه إذ علّمه منطق هذه المخلوقات، حتى يتمكن من إنصاتها، وإيصال العدل إليها، وسُر بأن عدالته وجنوده قد عرفها كل مخلوق، حتى هذه النملة التي اعتذرت عنهم مقدّماً، بأنهم إن أصابوا نملة بأقدامهم بأن ذلك من غير قصد منهم ولا شعور: ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ [النمل: 19].
من تواضعه (عليه السلام)، قبوله للحق والإنصات إلى من يقول. قال الهدهد لسليمان: ﴿أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾ [النمل: 22].
وفي الآية دليل على أنّ الصغير يقول للكبير، والمتعلم للعالم، عندي ما ليس عندك إذا تحقق ذلك وتيقنه. هذا درس عملي للقادة العظماء والعلماء الأجلاء، والسادة الفضلاء أن يتواضعوا للحق ويقبلوه، فسلطان الحق أعظم من سلطانهم وقوة الإذعان للحقّ أقوى من قوتهم القيادية والعلمية.
مراجع الحلقة:
- الأنبياء الملوك، علي محمد محمد الصلابي، الطبعة الأولى، دار ابن كثير، 2023، ص 408-411.
- السمات القيادية المستنبطة من قصة سليمان (عليه السلام)، عبد محمد باربيد، ص 744-745-746.
- تفسير القرطبي (13/170).
- الحكم والتَّحاكم في خطاب الوحي، لعبد العزيز مصطفى كامل، دار طيبة، ط1، 1415ه - 1995م، (2/589).
لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:
كتاب الأنبياء الملوك في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي: