من أبرز سمات وملامح العدل (الوسطية)
مختارات من كتاب العدالة من المنظور الإسلامي
بقلم: د. علي محمد الصلابي
الحلقة 88
للعدل ملامح وسمات تحف به، وتميزه عن غيره بمجموع تلك الملامح لا بأفرادها، ومن أهم سمات وملامح العدل الوسطية، فقد وردت مادة وسط في القرآن الكريم في عدة مواضع، وذلك بتصاريفها المتعددة، حيث وردت بلفظ «وسطاً» و«الوسطى» و«أوسط» و«أوسطهم».
أ ـ كلمة «وسطاً»:
وردت في قوله تعالى: َ {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}[ القرة 143]. وروى الطبري بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: َ قال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} قال: "عدولاً". وقال محمد رشيد عن مجموعة من العلماء: إن الوسط هو العدل والخيار، وذلك أن الزيادة على المطلوب في الأمر إفراط، والنقص عنه تقصير وتفريط، وكل من الإفراط والتفريط ميل عن الجادة القويمة، فهو شر ومذموم، فالخيار هو الوسط بين طرفي الأمر، أي: المتوسط بينهما. وقال عبد الرحمن السعدي في تفسيره َ أي: عدلاً {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} وما عدا الوسط فأطراف داخلة تحت الخطر.
ولهذا الأمة من الدين أكمله، ومن الأخلاق أجلها، ومن الأعمال أفضلها، ووهبهم من العلم والحلم والعدل والإحسان ما لم يهبه لأمة سواهم، فلذلك كانوا ُ كاملين معتدلين ليكونوا {أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى} سبب عدلهم وحكمهم بالقسط يحكمون على الناس من سائر {النَّاسِ}، ولا يحكم عليهم غيرهم.
ب ـ كلمة {أَوْسَطِ}:
وردت هذه الكلمة في ايتين: الأولى في قوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}[ المائدة 89]. والثانية في سورة القلم في قوله تعالى: َ {قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ} [ القلم 28]. قال الطبري: يعني تعالى ذكره بقوله: ِ أعدله. قال عطاء بن أبي رباح التابعي الجليل والفقيه الكبير: أوسطه: أعدله وقال الطبري: وقوله َ يعني: {أَوْسَطُهُمْ}، وقال ابن عباس رضي الله عنه: أوسطهم: أعدلهم. وقال قتادة: أعدلهم قولاً.
إن الوسطية هي مؤهل الأمة الإسلامية من العدالة والخيرية للقيام بالشهادة على العالمين، وإقامة الحجة عليهم، ومكانة الشهادة على الناس، والاضطلاع بدور عالمي مشهود مرتبط بمدى استجابتها لعناصر القوة، ومنها التمسك بالعدالة كقيمة محورية في الحياة، وفي بناء المجتمع، ولا تكون أمة وسطاً أو خير الأمم إلا بشروط أخلاقية، وحضارية، وثقافية، وسياسية، إذ لا يمكن لأمة واهية متخلفة ضعيفة تئن تحت الاستبداد السياسي والاجتماعي، والتهاون فيما يخص حقوق الإنسان وكرامته، أمة مسكينة فقدت المبادرة في المجال الحضاري والعدالة غائبة في أوطانها وبين أبنائها ومكوناتها أن تكون شاهدة على الناس، أو أن تكون مؤهلة لذلك.إن الأمة الشاهدة الصالحة تهدي بالحق وتعدل به، وكتابه تعالى نزل بالحق والعدل،ءَ هي والعدل بالحق يقتضي إقامة نظام على أساس من {أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}، والديمقراطية، والحرية، والمساواة، وحقوق الإنسان، والكرامة الإنسانية.
مراجع الحلقة:
- العدالة من منظور إسلامي، علي محمد الصلابي، دار المعرفة، بيروت، ص 25-27.
- العدالة مفهومها ومنطلقاتها، د. أبو بكر علي ، ص 135.
- تفسير الطبري، ص (2/7).
لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:
كتاب الأنبياء الملوك في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي: