السبت

1446-11-19

|

2025-5-17

إضاءة في كتاب

"الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبو بكر الصديق (رضي الله عنه)"

بقلم: د. علي محمد محمد الصّلابيّ

    كان شغفي بسيرة الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ منذ الطفولة، وكنتُ شديدَ الوَلَع بالقراءة، والسَّماع لسيرته العطرة، ومضت الأيّام، ومرَّت السِّنون، وأكرمني الله تعالى بالدِّراسة في الجامعة الإسلاميّة بالمدينة المنوَّرة، وكان من ضمن الموادِّ المقرَّرة في مادَّة التاريخ الإسلاميِّ تاريخ الخلفاء الرَّاشدين، وقد طلب الأستاذ المحاضر أن ندرس كتاب «البداية والنهاية» لابن كثير و«الكامل في التاريخ » لابن الأثير في ترجمة الصِّدِّيق، ولم يكتفِ بكتاب التَّاريخ الإسلامي للشَّيخ محمود شاكر، فكانت لتلك الإرشادات أثرٌ ـ بعد توفيق الله تعالى ـ للتعرُّف على حقيقة شخصيَّة الصِّدِّيق، وعصره.

كانت بداية هذا الكتاب "الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبو بكر الصديق (رضي الله عنه)" فكرةً، أراد الله لها أن تصبح حقيقةً، فأخذ الله بيدي، وسهَّل لي الأمور، وذلَّل الصعاب، وأعانني على الوصول للمراجع والمصادر، وأصبح هذا العمل همّاً سيطر على مشاعري، وتفكيري، وأحاسيسي، فجعلته من أهدافي الكبرى فسهرتُ له الليالي، ولم أُبالِ بالعوائق، ولا الصعاب، والفضل لله تعالى الذي أعانني على ذلك. والكتاب يزيد في طبعاته الأخيرة (دار ابن كثير – دار الأصالة) عن سبعمئة صفحة، وقمت بتقسيم هذا الكتاب إلى مقدمةٍ، وأربعة فصولٍ، والفصول إلى مباحث، ومن ثم الخلاصة.

وقد سرت على أصول منهج أهل السنَّة، إذ عكفت على مجموعة كبيرة من المصادر والمراجع القديمة والحديثة، ولم اعتمد في دراسة عصر الخلفاء الرَّاشدين على الطَّبري، وابن الأثير، والذَّهبيِّ، وكُتب التاريخ المشهورة فقط، بل رجعت إلى كتب التَّفسير، والحديث، وشروحها، وكتب التَّراجم، والجرح والتَّعديل، وكتب الفقه، فوجدت فيها مادَّةً تاريخيَّةً غزيرةً، يصعب الوقوف على حقيقتها في الكتب التَّاريخيَّة المعروفة، والمتداولة، وقد بدأت بالكتابة عن أبي بكرٍ الصِّدِّيق رضي الله عنه ـ متناولاً شخصيته، وعصره، فهو سيِّد الخلفاء الرَّاشدين.

في كتابي، تتبَّعت صفاتِ الخليفة الصِّدِّيق، وفضائلَه، ومشاهده في ميادين الجهاد مع رسول الله ، وحياته في المجتمع المدنيِّ، ومواقفه العظيمة بعد وفاة رسول الله ، وكيف ثَبَّت الله به الأمَّة. وسلَّطتُ الأضواء على سقيفة بني ساعدة، وما تمَّ فيها من حوارٍ، ونقاشٍ بين المهاجرين والأنصار، ونسفت الشُّبهات والأباطيل التي ألصقت بتاريخ سقيفة بني ساعدة من قِبَلِ المستشرقين، ومن سار على نهجهم، وبيَّنت موقف الصِّدِّيق من إرسال جيش أسامة، وما في الحدث العظيم من دروس في الشُّورى والدَّعوةِ والحزم، والاقتداء برسول الله ، وردِّ الخلاف إلى الكتاب والسُّنَّة، وآداب الجهاد، وصورته المشرقة التي تمثَّلت في تعاليم الصِّدِّيق لجيش أسامة (رضي الله عنه).

وقد قمت بتوضيح أحداث الردَّة، فتحدَّثت عن أسبابها، وأصنافها، وبدايتها في أواخر العصر النَّبوي، وموقف الصِّدِّيق منها في خلافته، وخطَّته التي وضعها للقضاء عليها، وأساليبه التي استخدمها في حروبه ضدَّ المرتدين، وقد وقفت مع مؤهلات الصدِّيق التي توفَّرت في شخصيته، التي استطاع بها ـ بعد توفيق الله ـ أن يسحق حركة الرِّدَّة، وقد تحدَّثت عن عصره، وكيف تحقَّقت شروط التَّمكين، وأسبابه، وصفات جيل التَّمكين في ذلك العهد الذي قاده الصدِّيق.

وأشرت إلى سياسة الصدِّيق في مواجهة التَّدخُّل الأجنبي في دولته، وذكرت أهم نتائج أحداث الردَّة مِنْ تميُّز الإسلام عمّا عداه من تصوُّراتٍ، وأفكارٍ، وسلوكٍ، وضرورة وجود قاعدةٍ صلبة للمجتمع، وتجهيز الجزيرة قاعدةً للفتوح الإسلاميَّة، والإعداد القيادي لحركة الفتوح، والفقه الواقعي للردَّة، وسنَّة الله في إحاقة المكر السوأى بأهله، واستقرار النِّظام الإداري في الجزيرة، وتكلَّمت عن فتوحات الصدِّيق، فبيَّنت خطَّته في فتح العراق، وسرت مع خالدٍ في فتوحاته؛ حتَّى ضمَّ جنوب العراق وشماله بمعاركه العظيمة التي ظهرت فيها بطولاتٌ نادرةٌ من المثنَّى بن حارثة، والقعقاع بن عمرٍو، وخالد بن الوليد، وجيوشهم المظفرة، فكانت تلك المعارك الخطوة الأولى لمعارك الفتوح الكبرى؛ التي جاءت بعد عصر الصدِّيق، والتي أنارت تاريخ الأُمَّة في مشوارها الطويل لنشر دين الله، والجهاد في سبيله.

حاولتُ في هذا الكتاب أن أبيِّن كيف فهم الصدِّيق الإسلام، وعاش به في دنيا الناس. وكيف أثَّر في مجريات الأمور في عصره، وتحدَّثت عن جوانب شخصيته المتعدِّدة السِّياسيَّة، والعسكريَّة، والإداريَّة، وعن حياته في المجتمع الإسلاميِّ لما كان أحد رعاياه، وبعد أن أصبح خليفة رسول الله، وركزت على دور أبي بكرٍ الصدِّيق باعتباره رجل دولةٍ مميَّزٍ من الطِّراز النَّادر، وعن سياسته الدَّاخلية، والخارجية، وأساليبه الإدارية، وعن مؤسَّسة القضاء كيف كانت بدايتها في عصره؛ لكي نستطيع متابعة التطوُّرات التي حدثت لها ولغيرها من مؤسسات الدَّولة عبر العصر الرَّاشديِّ، والتَّاريخ الإسلاميِّ.

انتهيت من هذا الكتاب يوم الجمعة بعد صلاة العشاء بتاريخ الخامس من شهر المحرم لعام 1422هـ، الموافق للثلاثين من مارس من عام 2001م. والفضل لله من قبلُ ومن بعدُ، وأسأله سبحانه وتعالى أن يتقبَّل هذا العمل قبولاً حسناً، وأن يكرمنا برفقة النَّبيِّين، والصِّدِّيقين، والشُّهداء، والصالحين، قال تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *} [فاطر: 2].

 


رابط كتاب: الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبو بكر الصديق (رضي الله عنه)

 http://alsalabi.com/salabibooksOnePage/636


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022