الجمعة

1446-04-15

|

2024-10-18

الظلم ظلمات

مختارات من كتاب العدالة من المنظور الإسلامي

بقلم: د. علي محمد الصلابي

الحلقة (26)

 

يحدث بالظلم ضياع الحقوق، وقتل النفوس أو إيذاؤها، وإهانة الإنسان وقهره، وانتهاك الحُرمات، أو ما يعرف في العصر الحديث بانتهاك حقوق الإنسان، ويدخل في انتهاكها استضعاف الناس، وحرمانهم، واضطهادهم بحجة قوية أو ضعيفة أو دون حجة أصلاً.

والظلم منبوذ في النفوس فطرة، ولكن النفوس المريضة تجد فيه لذة الآنتصار والتشفي، فالسلوك العدواني ينشأ مكتسباً في الإنسان وليس جبلة في خلقه، فقد يعود إلى أساليب تربوية مخطئة، أو حوادث معينة في حياته أدت إلى تشوه نفسي في شخصيته، على خلاف ما ذهب إليه المتنبي حين قال:

والظلم من شيم النفوس فإن تجد​​ذا عفة فلعلة لا يظلم

وإذا كان ما ذهب إليه الشاعر شائعاً في بعض الأوساط التي عاش فيها صحبة الحكام، حيث التنافس بين الحاشية على أشده؛ فإن ذلك ليس طابع الحياة العام، ولعله قد لمس الحقيقة حين استثنى العلة التي تحول دون قبول الظلم، وهو الإيمان بالله والاستجابة لرسالته المنافية للعدوان والتشفي، أما النفوس السليمة فتستعيذ بالله من الظلم لقبحه ومعارضته لشيمها وأخلاقها.

قال تعالى على لسان يوسف عليه السلام: َ {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ }.

وقد يحدث نتيجة الظلم ظلمٌ مضاد أقوى في ردة فعله من الظلم الأول، وربما أدى إلى دمار الظالم، ومن يتصل به مصداقاً لقوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَآصَّةً}

وقد تحدث مضاعفات للمظلوم غير متوقعة حين يصاب بمرض نفسي، أو جسدي خطير، فقد ثبت أن عدداً من الأمراض النفسية والعقلية عائد إلى ضغوط ناتجة عن ظلم شديد من طرف أقوى.

ومن الاثار القاسية نتيجة الظلم ما يسببه من الحروب والثارات الجماعية والفردية والعدوان بمختلف أشكاله المادية والمعنوية، وما ينتج عن كل ذلك من إراقة للدماء، وهتك للأعراض، وإكراه للنفوس، وسلب للأموال، واغتصاب للأرض والعرض، وفي أدنى ذلك ما يثير غضب الله، وغضب الضمائر الحية في الناس، قال تعالى: {وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ}. وإن أسوأ ما يقع من ذلك على النفس البشرية من فقدان الأمن، والشعور بالخوف والقلق، وهو ما يسبب مشاعر الإحباط، وضعف الأمل والإذلال والإقصاء، وما يترتب عليه من قلة الغطاء المادي والمعنوي، وضالة الإبداع الذي يتطلب الاستقرار النفسي والأمن التام من جميع أنواع الخوف؛ ولذا فقد امتن الله على قريش بالأمن باعتباره أحد أهم الحاجات الضرورية للإنسان، فقال سبحانه: َ {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ *الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوف}.

ويتضح من قراءة بعض آيات القرآن الكريم أن خطر الظلم ليس مقتصراً على المظلومين، بل هو على الظالمين أكثر قسوة، وأعظم خطراً؛ لأنه يقودهم إلى جهنم حتى لكأنها لم تخلق لغيرهم نظراً لسعة الظلم، وشدة خطره، قال تعالى: َ {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}.

بل نفهم من بعض آيات القرآن أن الصفة الجامعة لكل أهل النار هي الظلم، ومن ذلك قوله تعالى: َ {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُّمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ }.

 

مراجع الحلقة:

- العدالة من منظور إسلامي، علي محمد الصلابي، دار المعرفة، بيروت، ص 77-79.

- الإسلام وصراع العدالة والظلم ، عبد الحميد عبد الله، ص 36.

 

لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:

كتاب الأنبياء الملوك في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي:

https://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/50


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022