الجمعة

1446-04-15

|

2024-10-18

مقاربة إحصائية لورود لفظ الظلم في القرآن الكريم

مختارات من كتاب العدالة من المنظور الإسلامي

بقلم: د. علي محمد الصلابي

الحلقة (25)

 

ورد لفظ الظلم صريحاً في ثلاث وتسعين ومئتي صيغة ضمن ثمان وخمسين سورة قرآنية، منها تسع وثلاثون سورة مكية، وتسع عشرة سورة مدنية، ولم ترد أي منها في الجزء الثلاثين المكوّن من قصار السور، ووردت الصيغ في ثلاث سور فقط من الجزء التاسع والعشرين هي: القلم، نوح، والإنسان، بينما تكررت بعض الصيغ بلفظها في ثمان وعشرين سورة من الطوال، ومعنى وجود ثلث مجموع الصيغ في السور المدنية أن رسالة الإسلام ضد الظلم لم تقتصر على الفترة المكية التي عانى فيها المسلمون من الظلم المباشر، ولكنها امتدت إلى الفترة المدنية التي حظيت بشيء من الاستقرار والعزة، وهو ما يعني أننا أمام مبادئ عامة لديانة ضد الظلم تحمل رسالتها تلك في عقيدتها وأحكامها حيثما كانت.

وأكثر ورود صيغ الظلم في القرآن ما كان جماعياً، فقد تكرر لفظ الظلم في فعل منسوب إلى الجماعة ثلاثاً وتسعين مرة، وورد جمعه {الظَّالِمُونَ}، {الظَّالِمِينَ *}، و في الصدارة بين ألفاظ الظلم المكررة ستاً وثمانين {ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ}، أي أن مجموع ما نسب إلى الجماعة من هذا اللفظ من النوعين تسع وسبعون ومئة مرة من أصل ثلاث وتسعين ومئتي مرة، ودلالة ذلك أن خطر الظلم يكمن في شيوعه، وقبوله اجتماعياً.

وتؤكد هذه الإحصائية ارتفاع نسبة ألفاظ الظلم في القرآن الكريم إذا ما قورنت بأي إثم آخر، فقد ورد لفظ العدوان مثلاً (67) صيغة، ولفظ الذنب (38) صيغة، ومادة الجور في ايتين، ولفظ الشقاوة في (12) صيغة، ولفظ الإفك في (30) صيغة، ولفظ الأذى في (23) صيغة، ولفظ الإثم في (46) صيغة، ولفظ الفساد في (53) صيغة، فأين هي من (293) صيغة من مادة الظلم؟

وليس الشرك الذي يتكرر في (164) اية إلا نوعاً واحداً من الظلم غير المحسوب في الصيغ المشار إليها.

إن هذه الإحصائية كافية لتوضيح السبب في اعتبار الرسالة الإسلامية عقيدة ضد الظلم، ومع ذلك فإن هذه الإحصائية ليست سوى جزء من اهتمام القرآن بمعاني الظلم في غير لفظه، وهو مجال واسع لا يمكننا تتبعه بالدقة نفسها التي تتبعنا بها ألفاظ الظلم في القرآن الكريم، فالذي «يسوم أحداً سوء العذاب» يظلمه، وكذلك الذي «يسخر منه» والذين يعتدون على الناس فـ «يذبحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم» يُخسرون الميزان، أو يبخسون الناس أشياءهم، إنما يمارسون أنواعاً من الظلم لم تدخل في هذه الإحصائية، على الرغم من وجودها في الكتاب العزيز، ويقتصر التركيز في هذه المقالات على الآنواع التي ذكر فيها لفظ الظلم، لتبين موقف الإسلام منها، ولتعرف من خلال ذلك ما أعد للظالمين من عقوبات معجلة أو مؤجلة، عسى أن يدرك الذين ظلموا سوء العاقبة، فيتوبوا قبل فوات الأوان.

والذي نخرج به من هذه الإحصائية هو اتساع مفهوم الظلم في القرآن الكريم والسنة المطهرة يجعل العقيدة الإسلامية رسالة إلهية ضد الظلم بجميع أشكاله وأنواعه، وذلك لما له من اثار خطيرة على الإنسانية، وقيمها، ومعنوياتها؛ إذ لا شيء يُخرج دمعة الرجل الشهم، ويطفئ انشراح النفس الطموحة، ويخفض من سمو الروح، ويشوه البراءة في عيون الأطفال، ويكدر صفو الطبيعة الحية والجامدة كالظلم، ولذا فإن المطالع للألفاظ المتعلقة بالظلم في القرآن الكريم والسنة المطهرة، يكتشف أن الهدف الكبير من البعثة المحمدية هي مقاومة الظلم، وتتميم مكارم الأخلاق التي ترفضه، وتقاومه.

 

مراجع الحلقة:

- العدالة من منظور إسلامي، علي محمد الصلابي، دار المعرفة، بيروت، ص 74-77.

- الإسلام وصراع العدالة والظلم ، عبد الحميد عبد الله، ص 32.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022