الجمعة

1446-04-15

|

2024-10-18

الحكم بالحق والعدل صفةُ هذه الأمة

مختارات من كتاب العدالة من المنظور الإسلامي

بقلم: د. علي محمد الصلابي

الحلقة (23)

 

قال تعالى: {وَمِمَنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ *} [الأعراف: 181].

وما كانت البشرية لتستحق التكريم لو لم تكن فيها دائماً ـ وفي أحلك الظروف ـ تلك الجماعة التي يسميها الله «أمة» بالمصطلح الإسلامي للأمة، وهي الجماعة التي تدين بعقيدة واحدة، وتتجمع على اصرتها، وتدين لقيادة واحدة قائمة على تلك العقيدة ـ فهذه الأمة الثابتة على الحق، العاملة به في كل حين، هي الحارسة لأمانة الله في الأرض الشاهدة بعهده على الناس التي تقوم بها حجة الله على الضالين المتنكرين لعهده في كل جيل.

وقفة أمام صفة هذه الأمة:

{يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} إن صفة هذه الأمة ـ التي لا ينقطع وجودها من الأرض أيًّا كان عددها ـ أنهم {يَهْدُونَ بِالْحَقِّ} َ فهم دعاة إلى الحق، لا يسكنون عن الدعوة به وإليه، ولا يتقوقعون على أنفسهم، ولا ينزوون بالحق الذي يعرفونه، ولكنهم يهدون به غيرهم، فلهم قيادة فيمن حولهم من الضالين عن هذا الحق، المتنكرين لذلك العهد، ولهم عمل إيجابي لا يقتصر على معرفة الحق، إنما يتجاوزه إلى الهداية به، والدعوة إليه، والقيادة باسمه.

{وَبِهِ يَعْدِلُونَ} فيتجاوزون معرفة الحق والهداية به إلى تحقيق هذا الحق في حياة، والحكم به بينهم تحقيقاً للعدل الذي لا يقوم إلا بالحكم بهذا الحق، فما جاء هذا الحق ليكون مجرد علم يعرف ويدرس، ولا مجرد وعظ يُهدى به ويعرّف، إنما جاء هذا الحق ليحكم أمر الناس كله، يحكم تصوراتهم الاعتقادية فيصححها، ويقيمها على وقفه، ويحكم شعائرهم التعبدية، فيجعلها ترجمة عنه في صلة العبد ربه، ويحكم حياتهم الواقعية، فيقيم نظامها وأوضاعها وفق منهجه ومبادئه، ويقضي فيها بشريعته وقوانينه المستمدة من هذه الشريعة، ويحكم عاداتهم وتقاليدهم وأخلاقهم وسلوكهم، فيقيمها كلها على التصورات الصحيحة المستمدة منه، ويحكم مناهج تفكيرهم وعلومهم وثقافاتهم كلها، ويضبطها بموازينه، وبهذا كله يوجد هذا الحق في حياة الناس، ويقوم العدل الذي لا يقوم إلا بهذا الحق، وهذا ما تزاوله هذه الأمة بعد التعريف بالحق، والهداية به.

 

مراجع الحلقة:

- العدالة من منظور إسلامي، علي محمد الصلابي، دار المعرفة، بيروت، ص 71-72.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022