الجمعة

1446-04-15

|

2024-10-18

معنى الظلم وأنواعه

مختارات من كتاب العدالة من المنظور الإسلامي

بقلم: د. علي محمد الصلابي ...

الحلقة (24)

 

ـ الظلم في اللغة العربية: مجاوزة الحد، ووضع الشيء في غير موضعه، والظليمة: ما أخذ ظلماً بغير وجه حق، وكذلك الظلامة والمظلمة، وظلم فلاناً حقه: غصبه، أو نقصه إياه.

ـ الظلم في المنظور الإسلامي: الظلم هو نقيض العدل، فهو وضع الشيء في غير موضعه المناسب شرعاً، وهو عدوان على الآخر بسبب أو من دونه؛ ولذلك كان الظلم صفة ذميمة ترفضها كل بصيرة واعية، بحيث لا يختلف عاقلان على قبح وقوعه عليهما، وقد يختلفان إذا وقع على غيرهما بحسب حظهما من الآنصاف، وحب العدل.

ولا تكاد تجد صفة كرّر الله ذمها في القرآن الكريم، وأوعد المتصفين بها أقسى العقوبات، وأشدها إيلاماً أكثر من صفة الظلم والعدوان، ولعل الأصل في العدوان كونه من الغرائز الحيوانية التي يحمي بها الحيوان نفسه من الآخر ليرهبه، ويخافه، ويحقق بها بعض حاجاته الأولية كيفما اتفق، ولكنها تعقدت عند الإنسان لكثرة حاجاته الأولية والثانوية، وظنه أن هذه الطبيعة العدوانية تحقق له الكثير من تلك الحاجات، ولما كان الإنسان أكثر المخلوقات حيلة بما اكتسب من صفات العقل والنطق والخيال وحرية الإرادة وغيرها من النعم التي ائتمنه الله عليها، فقد كانت صفة الظلم والعدوان فيه أقوى وأنكى من غيره، ولعل هذا ما يفسر صيغة المبالغة في قوله تعالى: ِ {إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ *} 34].

واقتضت الحكمة الإلهية أن يعقل الإنسان بالدين جماح نفسه، وأن يتحمل أمانة العدل والآنصاف بالتمييز

والرشد والإرادة والعزيمة، قال تعالى:{إنا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً *} [ الأحزاب 72].

فهذه الصفات هي مصدر تكليفه ومناط حسابه وعقابه بعد بعث الرسل، وتوصيل رسالتهم َ {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً *}[ الإسراء 15]. وعليه فقد حظيت صفة الظلم باهتمام خاص في كتاب الله، وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وعرفنا من خلالهما مظاهرها وأنواعها وعقابها، وظهرت بشاعتها التي صورها القرآن الكريم والسنة المطهرة حتى كادت أن تكون مقاومتها مفتاح الرسالة الإسلامية، واستحقت بها هذه العقيدة الخاتمة أن تكون «عقيدة ضد الظلم» بل إن الصراع ضد الظلم هو علة بعث الرسالة؛ ولذلك كانت إزالة الظلم أسس التربية الدينية القويمة. وهو عنوان أخلاق الآنبياء التي بُعث النبي صلى الله عليه وسلم متمماً لها حتى قال: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق». وكان التذكير بمصير الظالمين عنواناً بارزاً في أدبيات الثقافة العربية الإسلامية؛ التي تعد مقاومة الظلم من الفرائض، وليس من مجرد الفضائل.

قال الإمام الشافعي: بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد.

وخصص عبد الرحمن بن خلدون فقرة في مقدمته الشهيرة بعنوان: «في أن الظلم مؤذن بخراب العمران» والظلم أنواع متعددة، ومتفاوتة الضرر والعقوبة، فمنها ظلم الإنسان لربه، وظلمه لأخيه الإنسان، وظلمه للحيوان، وظلمه للطبيعة، وظلمه لنفسه، ومن الظلم ما هو بدني كالقتل، وما هو مالي كالسرقة والغصب والاحتيال والربا والاستغلال والإسراف والبخل والتقتير والاحتكار وبخس الناس أشياءهم والغش والخديعة والتطفيف والوزن بمكيالين، قال تعالى: َ {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ *الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ *وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ *}[ المطففين 1 ـ 3].

ومن الظلم ما هو معنوي كالغيبة والنميمة والإهانة والكذب، وأشده البهتان والافتراء على الله والنفاق، ومنه اللمز والهمز والحسد والإرهاب والترويع والطغيان والشتم والغواية وانتهاك العرض والخيانة.

وللتعبير عن أشدّ أنواع الظلم تكررّت في القرآن الكريم صيغة أفعل التفضيل في سياق استفهامي هو قوله تعالى: َ {وَمَنْ أَظْلَمُ}

وهذه الآنواع الشديدة ستة منها خمسة وُضِعت في سياق أفعل التفضيل المذكور، وهي: الافتراء بالله وتكذيب رسله، ثم كتمان الشهادة ومنع مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه، والسعي في خرابها، والإعراض عن آيات الله بعد التذكير بها، على أن الظلم الأشد يبقى هو الشرك بالله سبحانه.

 

مراجع الحلقة:

- العدالة من منظور إسلامي، علي محمد الصلابي، دار المعرفة، بيروت، ص 72-74.

- الإسلام وصراع العدالة والظلم ، عبد الحميد عبد الله، ص 28.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022