إضاءة في كتاب
"الإيمان بالقرآن الكريم والكتب السماوية"
بقلم: د. علي محمد الصّلاّبي
لن تسعنا المجلدات ولا الكتب للحديث عن فضل القرآن الكريم وعظمة نزوله على الناس وأثره في نفوسهم، والقرآن الكريم لا يأتيه الباطل بين يديه ولا من خلفه؛ هو الكتاب الحق الذي جعله الله سبحانه وتعالى معجزة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. وإن أول كلمة أنزلت فيه "اقرأ"؛ وهي أول كلمة أنزلت عن طريق جبريل عليه السلام في غار حراء، فأصبح الكلام معجزاً، ولو أنزل الله عز وجل هذا القرآن على غير البشر، أيّ لو أنزله على الجبل لخشع الجبل من خشية الله عز وجل، والقرآن الكريم كلام الله تَكلم به بالحقيقة على الوجه الذي يليق بجلاله وعظمته، ولم يُنزل الله من السماء أعظم ولا أجل من القرآن، وقد أخبر الله تعالى أن القرآن كما هو مُعَظَّمٌ بالأرض فهو مُعَظَّمٌ في السماء لا يمسه إلا المطهرون، ولا يحتفي به إلا الملائكة الأطهار الأبرار.
كان خليفة المسلمين الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: "لو طهرت قلوبنا ما شبعنا من كلام الله"؛ أيّ لو كانت القلوب طاهرة لظل الإنسان صباحه ومساءه يقرأ القرآن ويتدبره، فهو يشفي ما في صدره؛ فالقرآن العظيم شفاء لما في الصدور وآياته موعظة إلهية ربانية، فمن قرأ آيات القرآن زاده الله عز وجل إيماناً على أيمانه، قال تعالى: "اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذلك هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ".(سورة الزمر، الآية: 23).
أولاً: تعريف القرآن الكريم
القرآن لغة: مصدر من الفعل قرأ، بمعنى الجمع، يُقال: قرأ قُرآناً، قال الله عزَّ وجلّ: (إنَّ علينا جَمعهُ وقُرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه). أمّا القرآن الكريم في الاصطلاح فهو: (كلام الله المنزَل على مُحمد عليه الصّلاة والسّلام، المُتعبَّد بتلاوته، المَنقول بالتّواتر، المبدوء بسورة الفاتحة، المختوم بسورة النّاس).
ثانياً: عظمة القرآن الكريم
تحدث المولى عز وجل عن عظمة القرآن الكريم ومن خلال آياته الحكيمة تبين هذه العظمة في ثناء الله على كتابه العزيز في آيات كثيرة مما يدل على عظمته فقد وصفه «بالعظيم» في قوله تعالى {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ*} [الحجر: 87]. ووصفه في أم الكتاب بأنه «عليٌّ حكيم» في قوله تعالى: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ*} [الزخرف: 4]. فهذه شهادةٌ من الله تعالى بعلوِّ شأن القران وحكمته، ولا ريبَ أنَّ من عظمة القران أنه «عليٌّ» في محلّه، وشرفه، وقدره، فهو عالٍ على جميع كتب الله تعالى، بسبب كونه معجزاً باقياً على وجه الدهر.
فهذا القران العظيمُ ليس ألفاظاً وعباراتٍ يحاول الإنس والجن أن يحاكوها، كلا وربّي، إنّه كلام الله تعالى، الذي تحدّى به الخلق كلهم، فقال عزّ من قائل حكيم: {قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا*} [الإسراء: 88]. فهذا تنويهُ بشرفِ القران وعظمتِه، وهذه الاية ونحوها تُسمّى ايات التحدي، وهو تعجيزُ الخلق أن يأتوا بمثل هذا القران الكريم، أو سورة منه، فالقرآن الكريم هو أعظم الكتب السماوية، فيجب على المؤمن أن يقرآ القرآن حق تلاوة، وأن يراعي آداب قراءة القرآن الكريم، فهي عباده تقرب العبد من ربه، ويجب علينا ألا نهجر القرآن. لأنه يأتي شفيعا لعبده يوم القيامة وإن القرآن الكريم لا بديل له ولا تكشف الظلماتُ.
إلاّ به والقرآن شفاء عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) وهذا القرآن العظيم هو دستور المسلمين وشريعتهم وصراطهم المستقيم، وهو حبل الله المتين وهدايتُه الدائمة، وموعظته إلى عباده، وآيةُ صدقِ رسوله – صلى الله عليه وسلم – الباقية إلى آخر الدنيا، وهو سبيل عزِّ المسلمين في كل العصور والدهور، ولَمَّا كان القرآن كذلك، تعبَّدنا الله تعالى بتلاوته، وجعل خيرنا مَن تعلَّمه وعلمه؛ كما في صحيح البخاري وغيره.
ثالثاً: مضمون الكتاب
هذا الكتابُ يتحدّث عن ركن عظيم من أركان الإيمان وهو "الإيمان بالقرآن الكريم والكتب السماوية"، وهو من ضمن موسوعة "أركان الإيمان"، وقد قمت بتقسيمه إلى بابين؛ وفي الباب الأول: خصص للإيمان بالقرآن الكريم، وهو ينقسم إلى ثلاثة فصول:
الفصل الأول: تحدّثت فيه عن القرآن الكريم، تعريفه وعظمته وأسماؤه، ثم صفاته، ومنها: الحكيم، والعزيز، والكريم، والمجيد، والعظيم، والبشير، والنذير.
وفي الفصل الثاني: أشرت إلى خصائص القرآن الكريم، والتي من أهمها كونه كتاب إلهي، ومحفوظ ومعجز، ومبيَّن وميسَّر، وكتاب هداية، وكتاب الإنسانية كلها والزمن كله، ونزل بأرقى اللغات وأجمعِها، ومهيمنٌ على الكتب السماوية السابقة.
وفي الفصل الثالث: تكلمت عن مقاصد القرآن الكريم، والتي من أهمها، تصحيح العقائد والتصورات، وتزكية النفس البشرية، وعبادة الله وتقواه، وإقامة العدل بين الناس، والشورى، والحرية، ورفع الحرج، وتقرير كرامة الإنسان بالأخلاق والفضائل، وتقرير حقوق الإنسان، كحق الحياة والحرية والمساواة والعدالة، وحق الفرد في محاكمة عادلة، وحق الحماية من تعسف السلطة، وحق الفرد في حماية عرضه وسمعته، وحق اللجوء، وحقوق الأقليات، وحق المشاركة في الحياة العامة، وحق الدعوة والبلاغ والحقوق الاقتصادية، وحق المِلْكية، وحق العامل، وحق الفرد في كفايته من مقومات الحياة، وتأكيد حقوق الضعفاء.
ومن مقاصد القرآن الكريم: تكوين الأسرة الصالحة، وإنصاف المرأة وتحريرها من ظلم الجاهلية، وبناء الأمة الشهيدة على الناس، والسماحة والرحمة، والوفاء بالعهود والعقود.
وفي الفصل الرابع: تكلّمت عن جمع القرآن وكتابته، وقد بيّنت المراحل التي مرَّ بها المشروع الحضاري في جمع القرآن الكريم، وكتابته من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عهد عثمان بن عفان (رضي الله عنه).
أما الباب الثاني: فقد تحدّث عن الكتب السماوية، وقد تضمن خمسة فصول:
الفصل الأول: في وجوب الإيمان بالكتب السماوية .
والفصل الثاني: في الكتب التي ورد ذكرها في القرآن الكريم.
والفصل الثالث: في تحريف الكتب السابقة .
والفصل الرابع: في أهمية الإيمان بالكتب السماوية.
أما الفصل الخامس: ففي بيان أن القرآن الكريم نسخ الكتب السابقة كلها.
هذا، وقد انتهيتُ من هذا الكتاب يوم الخميس في الساعة السادسة إلا ربع مساءً بتاريخ 24 شعبان 1431هـ الموافق 5/8/2010م، والفضل للهِ من قبلُ ومن بعدُ، وأسأله سبحانه وتعالى أن يتقبّل هذا العمل، ويشرح صدورَ العباد للانتفاع به، ويبارك فيه بمنه وكرمه وجُوْده، قال تعالى: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [فاطر: 2].
كتاب الإيمان بالقرآن الكريم والكتب السماوية، متوفر على الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي على الرابط التالي: