السبت

1446-07-11

|

2025-1-11

من أسباب لعنة الله لليهْود

مختارات من كتاب الأنبياء الملوك

بقلم: د. علي محمد الصلابي

الحلقة (117)

 

قال تعالى: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (153) وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (154) فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلً (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159)﴾ [النساء: 153 - 159].

تقدّمت الآيات الآنفة الذكر بتسجيل تلك الأسباب:

1. ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ﴾؛ ونقض الميثاق الغليظ يقود إلى لعنة.

2. ﴿وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾؛ كفروا بالحق لما جاءهم، وهذا الكفر أوقع بهم اللعنة.

3. ﴿وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾؛ اليهود قتلة، وفعلوا ذلك بغيًا وعدوانًا بدون حق، ولا يمكن أن يقتل نبيّ بحق، وهذا سبب في لعنتهم.

4. ﴿وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾؛ رفضوا قبول الحقّ الذي جاءهم به محمد، وزعموا أنّ قلوبهم عليها أغطية سميكة، فلا تفقه ولا تعقل ما يقوله عليه الصلاة والسلام.

وقد كذّبهم الله في قولهم هذا، فأخبر أنّه هو سبحانه الذي طبع وختم عليها بسبب كفرهم، ولذلك لا تهتدي مهما جاءها من الهدى: ﴿بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ﴾. وبما أن الله طبع على قلوبهم بسبب كفرهم، فإنهم لم يؤمنوا الإيمان الصحيح الكامل الذي أوجبه الله عليهم، وإنما آمنوا إيمانًا (قَلِيلاً)، وهو إيمان مزاجي (تجزيئي)، فهذا لا يقبل في الإيمان ﴿فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾، وإيمانهم التجزيئي القليل تمثل في إيمانهم ببعض كتب الله: كالتوراة، لكنهم كفروا ببعض كتب الله: كالإنجيل والقرآن.

كما تمثل ذلك الإيمان القليل المرفوض في إيمانهم ببعض رسل الله، كموسى وهارون وداوود وسليمان عليهم الصلاة والسلام، لكنهم كفروا ببعض رسل الله، كعيسى ومحمد (عليهما الصلاة والسلام). ومعلوم أنّ من كفر ببعض كتب الله؛ فهو كافر بها كلها، ومن كفر ببعض رسل الله؛ فقد كفر بها كلها، ولا ينفع في ذلك الإيمان التجزيئي القليل.

5. ﴿وَبِكُفْرِهِمْ﴾؛ لعن الله اليهود بسبب كفرهم، وليس السبب الخامس هذا (بِكُفرِهِم) تكرارًا للسبب الثاني ﴿وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾؛ لأنه لا تكرار في العرض القرآني، والسبب الثاني ذكر كفرهم مقيّدًا، وهو كفرهم بآيات الله، ومعلوم أن الكفر بآيات الله أو بعضها، كفر بالله، مخرج من دين الله.

وأما هذا السبب الخامس، فقد أطلق كفرهم ولم يقيده (وبِكُفرِهِم) لكن عندما نربطه مع ما بعده من مكرهم بعيسى (عليه السلام)، فإنه يدل على أن المراد به كفرهم برسل الله، لأنهم أرادوا قتل أحد رسله، فكفر اليهود بآيات الله تسبب بلعنهم، وكفرهم برسل الله سبب آخر خاص للعنتهم.

6. ﴿وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيمًا﴾؛ موقف اليهود المجرمين من مريم العفيفة البتول عليها السلام، سبب مستقل من أسباب لعنتهم، يضاف للأسباب الأخرى. والبهتان العظيم الذي قالوه عليها هو: فريتهم عليها واتهامها بالزنا -وهي الطاهرة العفيفة- وتصريحهم بأن ابنها عيسى (عليه السلام) ابن زنا؛ لعائن الله عليهم.

7. ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ﴾؛ هذا القول الكبير الفاجر الذي قالوه يسجل جريمتهم الشنيعة التي أقدموا عليها، وهي تصميمهم على قتل عيسى (عليه السلام)، بل قتلهم شخصًا يظنونه المسيح عيسى ابن مريم، وقد لعنهم الله بسبب هذا القول الفظيع، وقد جمعوا في هذا القول بين التفاخر فيما صمّموا عليه من قتل عيسى (عليه السلام) والتباهي به، وبين السخرية بعيسى (عليه السلام) والتهكم عليه، والسخرية في الصفات التي أطلقوها على عيسى (عليه السلام).

﴿إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ﴾؛ لقد عرّفوه بالكلمات الأربع التي أطلقوها، ومع أنها حقيقية في إطلاقها عليه، فهو المسيح، وهو عيسى، وهو ابن مريم، وهو رسول الله، لكنهم لم يطلقوها عليه من باب الإيمان بها، فلو كانوا مؤمنين بها لما صمّموا على قتله، إنما أطلقوها عليه ساخرين متهكمين.

قال الإمام ابن كثير: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ﴾ أي: هذا الذي يدّعي لنفسه هذا المنصب قتلناه، وهذا منهم من باب التهكم والاستهزاء. وهذا كقول المشركين لرسول الله ﷺ: ﴿وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾ [الحجر: 6].

مراجع الحلقة:

- الأنبياء الملوك، علي محمد محمد الصلابي، الطبعة الأولى، دار ابن كثير، 2023، ص 543-546.

- الخالدي، القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث (4/365).

لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:

كتاب الأنبياء الملوك في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي:

https://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/689

#القرآن


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022