الأحد

1446-06-21

|

2024-12-22

الخوف من الله تعالى .. أمانٌ في الدنيا ونجاةٌ في الآخرة

د. علي محمد الصلابي

(الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) (خاص بالمنتدى)

إن محركات القلوب إلى الله عز وجل ثلاثة: المحبة والخوف والرجاء، وأقواها المحبة، وهي مقصودة لذاتها لأنها مقصودة في الدنيا والآخرة، بخلاف الخوف فإنه يزول في الآخرة، قال الله تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: 112]، وللخوف أهمية خاصة في شريعة الإسلام لأنه يدفع المسلمين إلى الأعمال الصالحة ويبعدهم عن الوقوع في الفواحش والمعاصي، والخوف من الله تعالى سمة المؤمنين وآية المتقين وديدن العارفين. والخوف من الله تعالى في الدنيا طريق للأمن في الآخرة، وسبب للسعادة في الدارين، فهو سبيل المؤمنين العارفين بالله الذين يريدون الآخرة ويعملون لها.

وإن ازدياد تعلق الناس بالماديات وكثرة الشهوات وانحراف كثير منهم عن منهج رب الأرض والسماوات، وبسبب قسوة القلوب الناتجة عن تنوع أسباب اللهو وتراكم الذنوب على الذنوب، وقلة الخوف من علام الغيوب، تركامت الأسباب التي تؤدي إلى هلاك المجتمعات ونزول مقت الله وغضبه، ولا سبيل إلى الأمان في الدنيا والآخرة إلا باتباع أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه، قال تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [يونس: 62](الخوف من الله، عبد الرحمن كمال، ص13)

فالخوف من الله يحفظ الإنسان من الوقوع في الزلل، فخوف الله تعالى في الدنيا طريق للأمن في الآخرة، قال تعالى: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ [سورة الرحمن: 46].

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمامٌ عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابا في الله فاجتمعا على ذلك وافترقا عليه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه[رواه الترمذي، رقم: 2391].

وقال أبو حفص (رحمه الله): والخوف سراجٌ في القلب، به يبصر ما فيه من الخير والشر، وكل أحد إذا خفته هربت منه إلا الله عز وجل، فإنك إذا خفته هربت إليه، فالخائف هاربٌ من ربه إلى ربه (مدارج السالكين، اب القيم، ج1 ص61)

والخوف من الله سبحانه وتعالى واجب من أهم الواجبات الشرعية، ومن أعظمها؛ لما يترتب عليه من الآثار المهمة، قال تعالى: ﴿وإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ [البقرة: 40]، فهذا أمرٌ بوجوب مخافة الله عزّ وجل، قال ابن القيم (رحمه الله): منزلة الخوف هي من أجل منازل الطريق، وأنفعها للقلب، وهي فرض على كل أحد (مدارج السالكين، ابن القيم، ج1 ص511).

ومن خاف اليوم أمن غداً، ومن أمن اليوم خاف غداً. قال ابن رجب (رحمه الله): والله خلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه ويخشوه، ونصب الأدلة الدالة على عظمته وكبريائه ليهابوه ويخافوه خوف الإجلال، ووصف لهم شدة عذابه ودار عقابه التي أعدها لمن عصاه ليتقوه بصالح الأعمال (التخويف من النار، ابن رجب، ص5).

إن من أعظم الأسباب المعينة على خوف الله تعالى تذكر جلاله وعظمته، وأنه سبحانه عزيز جبار متكبر قاهر لا يعجزه شيء في السموات والأرض، وأنه ما منع السماوات أن تسقط على الأرض إلا إمساك الله لها، ولو شاء لأهلك من في السماوات والأرض في طرفة عين. فإنه من تفكّر في ذلك خاف الله لا محالة؛ لأن التفكر يوقعه على صفات الله جل جلاله، ومن شهد قلبه عظمة الله وكبرياءه علم شأن تحذيره جل وعلا عندما قال: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ [آل عمران : ۲۸] (محمد صالح المنجد، أعمال القلوب الخوف، ص42).

وقال ابن القيم (رحمه الله): فليس شيءٌ أنفع للعبد في معاشه ومعاده وأقرب إلى نجاته من تدبر القرآن وإطالة التأمل، وجمع الفكر على معاني آيات الكتاب العزيز، فلا تزال معانيه تنهض العبد إلى ربه بالوعد الجميل، وتحذره وتخوفه بوعيده من العذاب الوبيل، وتحثه على التضمر والتخفف للقاء اليوم الثقيل (مدارج السالكين، ابن القيم، مرجع سابق، ج1 ص452  453).

ويقول ابن الجوزي (رحمه الله):  والله لو أن مؤمناً عاقلاً  قرأ سورة الحديد، وآخر سورة الحشر، وآية الكرسي، وسورة الإخلاص، بتفكر وتدبر لتصدّع من خشية الله قلبه، وتحيّر من عظمة الله لبُّه (التذكرة في الوعظ، ابن الجوزي، ص73 -74).

وإن الخوف والخشية من الله عز وجل تجعل صاحبها أكثر استعداداً من غيره للتذكر إذا وعظ وذُكّر، وللاعتبار بما يرى من آيات الله في الكون والحياة وما تجري به سنته في أحداث التاريخ، وللحذر من عذاب الله في الدنيا والآخرة، والاهتداء إلى الحق إذا هُدي إليه، وآيات القرآن الكريم توضح هذه الحقائق، حتى أنها لتصور لنا ما يعتري الخائفين من الله إذا سمعوا آيات الهدى تتلى عليهم، قال تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾  [الزمر : 23].

ويقول الله عز وجل: ﴿طه* مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى* إِلَّاتَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى﴾ [طه: 1  2]، فالذي يخشى يتذكر حين يذكر، ويتقي ربه بأداء فرائضه واجتناب محارمه، خشية عقاب الله ووعيده، وهذه ألوانٌ من الهداية يؤتيها الله سبحانه من يخشاه (الإيمان بالقدر، دمز علي الصلابي، ص120).

فالخوف إذا باشر قلب العبد فاض أثره على الجوارح وظهر، وانتهى عما نهى الله عنه واعتصم بما أمر، وهو واجب ومن لوازم الإيمان، وقد علق الله عز وجل اكتمال إيمان العبد بمقدار خوفه وخشيته منه سبحانه وتعالى، ولا يكتمل إيمان العبد إلا بهما، وهما من لوازم العبودية، حتى في حالة كون العبد طائعاً لله، وليتحقق الخوف، ولكي يكون الخوف من الله متزناً ينبغي أن يكون مقروناً بالمحبة والرجاء حتى لا ييأس العبد أو يتكل.

المراجع:

1- الإيمان بالقدر، د. علي محمد محمد الصلابي، دار الأصالة  إسطنبول، ط1، 1445هـ  2023م.

2- التذكرة في الوعظ، ابن الجوزي، دار المعرفة  بيروت، ط1، 1406هــ.

3- مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، للإمام ابن قيم الجوزية، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار الكتاب العربي  بيروت، ط2، 1393هـ.

4- (الخوف من الله عز وجل، عبد الرحمن أسامة كمال (رسالة ماجستير  1436ه)، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

5- التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار، ابن رجب الحنبلي، المحقق: بشير محمد عيون ١٤٣١هـ، دار البيان  دمشق، ط1، 1409هـ  1988م.

6- أعمال القلوب الخوف، صالح المنجد، مجموع زاد للنشر  السعودية، ط1، 1430هـ  2009م.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022