إنه الصحابي أسعد بن زرارة الأنصاري الخزرجي النجاري (رضي الله عنه)، وهو سيد بني مالك، وأحد أعيان بني النجار، وواحد من سادات الخزرج، وأهل الرأي فيهم، شهد العقبتين وكان نقيباً على قبيلته، ولم يكن في النقباء أصغر سناً منه، أول من قدم المدينة بالإسلام، ويروى أنه أول من صلى الجمعة بها مع أربعين من أصحابه. ويكنى بأبي أمامة، ويلقب بنقيب بني النجار. كانت الخزرج حلفاء يهود يثرب، فنشأ أسعد بن زرارة (رضي الله عنه) وهو يسمع منهم عن التوحيد وقصص الرسل، وكانوا يكثرون الحديث عن نبي قد أطل زمانه واقترب ظهوره، فتأثرت شخصية أسعد بن زرارة بحكايات اليهود، فكره آلهة قومه المزعومة، وكان ينكر عليهم عبادة الأصنام، ومضى يبحث عن التوحيد وحقيقته، وأبت فطرته أن تُسلمه إلى يهودية زمانه؛ لكثرة ما اعتراها من تحريف وانحراف. (سير أعلام النبلاء، الذهبي، ج1 ص190). وفي العام الحادي عشر من بعثة النبي، في شهر ذي الحجة، كان أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ في ركب حجاج الخزرج الذين حَطَّتْ رواحلهم أرضَ الحَرَمِ، ولما كانت أوسط ليالي أيام التشريق خرج النبي ﷺ يطوف على حجاج هذا العام يدعوهم إلى الإسلام. حتى اتجه ﷺ إلى العقبة عند موضع رمي الجمرات الآن، فوجد أسعد بن زُرَارَةَ (رضي الله عنه) ونَفَرًا من أصحابه يتسامرون، فقال لهم: مِمَّنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَفَرٌ مِنَ الْخَزْرَجِ.. قَالَ: أَمِنْ مَوَالِي يَهُودَ؟ قَالُوا: نَعَمْ.. قَالَ: أَفَلَا تَجْلِسُونَ أُكَلِّمْكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى.. فجلَسوا مَعهُ، فَدَعاهمْ رَسول اللَّه ﷺ إِلَى اللَّه وَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ، وَتَلَا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ. وَفَوْرَ ما انتهى النبي ﷺ من حديثه، انْكَبَّ أَسْعَدُ (رضي الله عنه) على النبي ﷺ يقبله وهو يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتبعه أصحابه في ذلك. ثم انصرفوا عن رسول الله ﷺ، راجعين إلى بلادهم، وقد آمنوا وصدقوا. فلما قدموا المدينة إلى قومهم ذكروا لهم رسول الله ﷺ، ودعوهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم، فلم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر من رسول الله ﷺ. حتى إذا كان العام المقبل، أي في السنة الحادية عشرة للبعثة، وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلاً، فلقوه بالعقبة، فبايعوا رسول الله ﷺ، على بيعة النساء، أي أنهم لم يبايعوه على القتال، وذلك قبل أن تفرض عليهم الحرب، وهم عشرة من الخزرج، واثنان من الأوس. (بناة دولة الإسلام، محمود شاكر، ج7 ص122) وشهد أسعد بيعة العقبة الثانية، وكان أول من بايع النبي ﷺ، واختاره رسول الله ﷺ نقيبًا على قبيلته، ولم يكن في النقباء أصغر سنًّا منه. واستضاف (رضي الله عنه) مصعب بن عمير (رضي الله عنه) عندما بعثه الرسول ﷺ إلى المدينة؛ ليعلم أهلها الإسلام، وجلس مصعب وأسعد (رضي الله عنهما) في أحد بساتين بني عبد الأشهل، فالتفَّ حولهما الناس، وأخذا يدعوان الناس إلى الإسلام، قالا: فوالله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلماً ومسلمة، ورجع أسعد ومصعب إلى منزل أسعد بن زرارة (رضي الله عنه)، فأقام مصعب عنده يدعو الناس إلى الإسلام حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا فيها رجال ونساء مسلمون إلا القليل. (السيرة النبوية، لابن هشام، ج1 ص476) ولما فُرِضَتْ صلاة الجمعة أمر النبي ﷺ بإقامتها في المدينة، وجمع أسعد بن زرارة (رضي الله عنه) بعض الأنصار فخطب فيهم، وصلى بهم أولَ جُمُعَة في المدينة. فعن أم زيد بن ثابت أنها رأت أسعد بن زرارة (رضي الله عنه) قبل مقْدَمِ النبي ﷺ يصلي بالناس الصلوات الخمس، ويجمع بهم في مسجد بناه في مربد سهل وسهيل ابني رافع. قالت: فانظر إلى رسول الله ﷺ، لما قدم في ذلك المسجد وبناه، فهو مسجده اليوم أي مسجد الرسول ﷺ. (الطبقات الكبرى، ابن سعد، ج3 ص457) وفي السنة الأولى من الهجرة النبوية الشريفة، والمسجد لا يزال يبنى، أخذ المرض أسعد بن زرارة (رضي الله عنه)، وعلم النبي ﷺ بمرضه، وقد كواه رسول الله ﷺ، مرتين في حلقه من الذبحة، ثم مات (رضي الله عنه)، وصلى عليه الرسول ﷺ وصحابته، ودفن بالبقيع، فكان (رضي الله عنه) أول صحابي من الأنصار يدفن بالبقيع. وقد أوصى أسعد ببناته إلى رسول الله ﷺ، وكن ثلاثًا، فكن في رعاية رسول الله ﷺ وكفالته. (صحابة عظماء، حامد الزيني، ص60).