التمكين والشهود الحضاري الإسلامي (44)
" مواصفاتُ رَجُلِ الدِّبلوماسيَّة الإسلاميَّة "
بقلم: د. علي محمد الصَّلابي
قـام اللِّـواء الرُّكن محمـود شيت خطَّاب بجمع الرَّسائـل التي أرسلها النبي ﷺ إلى الملوك والأمراء، وتحدَّث عن الرُّسل في كتابه الفريد «سفراء النَّبيِّ (ﷺ)» استنبط من خلالها شروطَ ومواصفاتِ رَجُلِ الدِّبلوماسيَّة الإسلاميَّة، ومن أهم تلك الشُّروط، والمواصفات:
1 - الإسلام، والدَّعوة إليه:
قال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: 108].
وإذا كان المسلمون كلُّهم دعاةً إلى الله تعالى؛ فرسل النَّبيِّ (ﷺ) إلى الملوك والأمراء في زمانه هم صفوة الدُّعاة (خطاب، 1996، ص 2/258).
2 - الفصاحة والوضوح:
الفصاحة، وجزالة اللَّفظ، والدقَّة في توصيل المعاني إلى السَّامعين شرطٌ أساسيٌّ في الرَّجل الَّذي يتصدَّى للمهمَّة الدِّبلوماسيَّة، وقد طلب موسى تدعيمه بموقف الفصاحة من هارون أخيه: ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ﴾ [طه: 29 - 31] وقد اختار الرَّسول (ﷺ) كلَّ سفرائه، ومبعوثيه من العرب الَّذين تربَّوا في الجزيرة العربيَّة ومع البدو أحياناً، فقد كانوا أصحاب نقاوةٍ، لم تتكدَّر باختلاط الأعاجم بعد، فقد كانوا على قدرٍ كبيرٍ من الفصاحة، والوضوح.
3 - حسن الخلق:
أخلاق السَّفير النَّبويِّ هي أخلاق الإسلام الَّتي بيَّنها الله - سبحانه وتعالى - في القرآن الكريم، وفصَّلها رسول الله (ﷺ) في سنَّته، وأهمُّها في السَّفير: الصِّدقُ، والتَّواضع (خطاب، 1996، ص 2/278).
4 - العلم:
لا نريد هنا أن نبيِّن منزلة العلم؛ لأنَّ الكلام على هذه المسألة طويلٌ، ولكنَّنا نؤكِّد هنا: أنَّ العلم بالشَّيء هو وسيلة نقل الفكرة، والمبدأ، لذا عندما تنظر إلى جعفر بن أبي طالبٍ رضي الله عنه وهو يحاور النَّجاشيَّ، ثم يقرأ عليه سورة: تتيقَّن من دقَّة الاختيار ﴿كهيعص ﴾، ونصاعة خطاب العالِم، ودقَّة اختياره للألفاظ، والعبارات (الفهداوي، 1998، ص 114).
5 - الصَّبر:
قال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الأحقاف: 35] والحقيقة: أن الصبر هو عدَّة الدَّاعية، وزاده المستمر، ولو تصفَّحت سيرة الرَّسول (ﷺ) وسيرة صحابته الأجلاَّء؛ لوجدتها حافلةً بالصَّبر على الدَّعوة، وموقفُ الطَّائف شاهدٌ على ذلك.
6 - الشَّجاعة:
وقد تحدَّث التَّاريخ الإسلاميُّ عن شجاعة السُّفراء، والَّذين أرسلهم الرَّسول (ﷺ) إلى الملوك، وأنَّهم كانوا لا يخافون لومة لائم.
7 - الحكمة:
وقد كان سفراء الرَّسول (ﷺ) يتَّصفون بالحكمة، فهذا عمرو بن العاص كان مُسدَّداً في أقواله، وأفعاله، قيل لعمرو: ما العاقل؟ قال: (الإصابة بالظَّنِّ، ومعرفة ما يكون بما قد كان) ليس العاقل الذي يعرف الخير من الشَّرِّ، إنَّما العاقل الذي يعرف خير الشَّرَّيْنِ (الفهداوي، 1998، ص 2/302).
8 - سعة الحيلة:
يجب أن يكون السَّفير مدركاً لأبعاد المناورة السِّياسيَّة، متأنِّياً كتوماً. وسعةُ الحيلة الَّتي ترتكز أوَّلاً، وقبل كلِّ شيءٍ على الذَّكاء من أهم سمات السَّفير، وقد كان سفراء الرَّسول (ﷺ) يتَّصفون بالذَّكاء، والدَّهاء، وتوقُّع الأحداث، والحساب لكلِّ ما يمكن أن يحدث، وهذه مقوِّمات سعة الحيلة.
9 - المظهر:
تميَّز سفراء النَّبيِّ (ﷺ) بالمظهر الحسن مع نقاء المخبر، وقد حرص النَّبيُّ (ﷺ) على اختيار سفرائه من بين أصحابه الَّذين تتوافر فيهم صفاتٌ شكليَّة جميلةٌ إلى جانب سماتهم العقليَّة، والنفسيَّة سالفة الذِّكر (الباب، 1970، ص 60).
هذه أهم الصِّفات الَّتي استخلصها اللِّواء الرُّكن محمود شيت خطاب من خلال دراسته القيِّمة لسفراء النَّبيِّ (ﷺ) والَّتي ينبغي للسَّفير المسلم أن يتحلَّى بها، وتكون للدَّولة الإسلاميَّة مقياساً في اختيار مَنْ ترشِّحه لهذا المنصب الخطير.
المراجع:
1. الباب، حسن فتح، (1970)، مقوِّمات السُّفراء في الإسلام، المجلس الأعلى للشُّؤون الإسلاميَّة - القاهرة، 1970 م.
2. الفهداوي، خالد، (1998)، الفقه السِّياسي للوثائق النَّبويَّة، دار عمَّار، الطَّبعة الأولى 1419 هـ 1998 م.
3. الصلابي، علي محمد، (2021)، السيرة النبوية، ج 2، ط11، دار ابن كثير، 2021، ص 351-353.
4. خطاب، محمود شيت، (1996)، سفراء الرَّسول (ﷺ)، مؤسسة الرَّيان، دار الأندلس الخضراء، الطَّبعة الأولى، 1417هـ 1996م.