جدّ بني إسرائيل .. يعقوب عليه السلام في القرآن الكريم
بقلم: د. علي محمد الصلابي
ينتسب بنو إسرائيل إلى إسرائيل نبي الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وقد ذكر القرآن الكريم ليعقوب عليه السلام. وقد ذكر القرآن ليعقوب عليه السلام اسمين: يعقوب، وإسرائيل.
أما يعقوب فهو اسم أعجمي، وهو ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة، وكونه أعجمياً يدعونا ألا نبحث له عن معنى في العربية ولا نلتفت إلى الإسرائيليات في تعليل تسميته بيعقوب (1).
1- مواضع ورود اسم يعقوب عليه السلام في القرآن الكريم:
ورد ذكر (يعقوب) خمس عشرة مرة في القرآن، فقد ورد في السور المكية الآتية:
- في سورة مريم: ذكر مرتين، مرة في الإخبار عن إبراهيم عليه السلام، ومرة في دعاء زكريا عليه السلام طالباً من ربه الولد.
- وفي سورة هود: ورد مرة في الإخبار عن بشارة سارة بإسحاق، ثم يعقوب.
- وفي سورة الأنبياء: حيث ذكر مرة في الإخبار عن بشارة إبراهيم بإسحاق ثم يعقوب.
- وفي سورة العنكبوت: ورد مرة في الإخبار عن جعل الله النبوة في ذرية إبراهيم وحفيده يعقوب.
- وفي سورة (ص) ذكر مرة في جمع الكرام الثلاثة: إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام.
وأما السور المدنية التي ذكر فيها، فهي:
- سورة البقرة: وذكر فيها أربع مرات، وذلك في معرض الحديث عن إسلامه ووصيته لأولاده وهو على فراش الموت بالإسلام، ودعوة ذريته إلى الدخول في الإسلام والإيمان بالكتب المنزلة، وبجميع الرسل المبعوثين، ويلزم من هذا اتباع اليهود لرسول الله محمد ﷺ، ودخولهم في دينه.
- سورة آل عمران: حيث ذكر فيها مرة واحدة في معرض دعوة أهل الكتاب إلى الإيمان بكل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
2- مواضع ذكر اسمه الثاني (إسرائيل) وقد ذكر في القرآن الكريم مرتين:
الأولى: في سورة آل عمران، عند الحديث عمّا حرمه يعقوب على نفسه وما حرمه الله على بني إسرائيل.
الثانية: في سورة مريم، عند الحديث عن شجرة النبوة المتفرعة عن إبراهيم وعن يعقوب عليهما السلام (2).
والذي حرمه إسرائيل هن نفسه جاء في قوله: ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾[آل عمران: 93]. وقد أنزل الله هذه الآية في مجادلة الرسول ﷺ لأهل الكتاب وبالذات اليهود بشأن يعقوب عليه السلام وما حرمه عن نفسه تقرباً إلى الله عز وجل.
وتكذب هذه الآية وما بعدها اليهود في مزاعمهم وأكاذيبهم حول يعقوب، فقد دون أحبار اليهود في سفر التكوين في العهد القديم الأخبار، ونسجوا الأكاذيب حول يعقوب عليه السلام، زعموا فيها أن يعقوب قد صارع الرب ليلاً وأنه قد صرعه عدداً من المرات، وأن الرب المصروع المغلوب باركه وبارك نبيه وجعل الأرض المقدسة لهم إلى قيام الساعة (3). وهذه من الأكاذيب والافتراءات في حق الله عز وجل، وفي حق نبي الله يعقوب عليه السلام.
إن الآية الكريمة: ﴿ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾[آل عمران: 93]، تنص على الاسم الثاني ليعقوب عليه السلام، فيعقوب هو إسرائيل عليه السلام، وأولاده وذريته هم (بنو إسرائيل) وكان إسرائيل موجوداً قبل إنزال التوراة؛ لأن الله أنزل التوراة على نبيه موسى عليه السلام، وإسرائيل وجد قبل موسى عليه السلام بعشرات السنين، وبما أن إسرائيل عليه السلام نبي، فإن ما التزم به قد أصبح شرعاً ملزماً له، وقد ألزم الله به ذريته وأبناءه وجعله تشريعاً لهم.
ويخبرنا رسول الله ﷺ في الحديث الصحيح أن أحب الطعام لإسرائيل u كان لحوم الإبل، فلما مرض يوماً مرضاً شديداً بعرق النسا واشتد به سقمه وطال مرضه، نذر نذراً لله، لئن شفاه الله وعافاه، ليتقربن إلى الله بترك أحب الطعام إليه، والامتناع عن أكله (4).
وبما أن أحب الطعام إليه هو لحوم الإبل، فقد وفّى بنذره، بعدما شفاه الله، وامتنع عن تناول لحوم الإبل شكراً لله الذي عافاه من مرضه. وهذا تناسق لطيف مع الآية السابقة من سورة آل عمران التي تدعونا إلى التصدق بأحب شيء إلينا، لننال البر والأجر عند الله (5).
قال تعالى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 92]:
فإذا كان المسلم الصالح لا ينال البر حتى ينفق في سبيل الله أحب شيء إليه، تقربا إلى الله، وبما أن أحب شيء إلى نبي الله إسرائيل (عليه السلام) وهو لحوم الإبل فقد امتنع عنها وتقرب بذلك الامتناع إلى الله، وجعله في سبيل الله لينال البر عند الله، ويحظى بالدرجات الرفيعة.
وقد ألزم الله بعد ذلك أبناء إسرائيل بما امتنع عنه أبوهم عليه السلام، وصار هذا تشريعاً من تشريعاتهم، وحرم عليهم بذلك أكل لحوم الإبل (6).
المصادر والمراجع:
1. القصص القرآني.. عرض وقائع وتحليل أحداث، صلاح الخالدي، (2/50).
2. القصص القرآني صلاح الخالدي، (2/51).
3. موسى عليه السلام كليم الله، د. علي محمد الصلابي، دار ابن كثير، الطبعة الأولى، 2022، ص 35.
4. القصص القرآني.. عرض وقائع وتحليل أحداث، صلاح الخالدي، (2/158).
5. موسى عليه السلام كليم الله، د. علي محمد الصلابي، ص 36.
6. القصص القرآني.. عرض وقائع وتحليل أحداث، صلاح الخالدي، (2/59).