الجمعة

1447-05-02

|

2025-10-24

يوم القيامة مقتضى عدل الله وحكمته ورحمته

بقلم: د. علي محمد الصلّابي

 

إنَّ التأمّل في نظام الكون وما فيه من دقّة وإحكام يدلّ على أنّ الله تعالى خلقه لحكمةٍ بالغة، ولم يترك الإنسان عبثًا بلا غاية. فكما أودع الله في النفوس الإحساس بالخير والشر، فقد اقتضت حكمته وعدله أن يكون هناك يومٌ يُجازى فيه المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، وإنّ البعث والجزاء مظهران من مظاهر عدل الله المطلق؛ فالدنيا دار عملٍ واختبار، وليست دار حسابٍ وجزاء. ولو لم يكن هناك بعثٌ بعد الموت، لكان الظلمُ باقياً دون إنصاف، ولضاعت حقوق المظلومين. ومن ثمّ، فإنّ الإيمان بالبعث والجزاء هو إيمانٌ بعدل الله وكمال حكمته، فالله تعالى لم يخلقِ الناسَ عبثاً، ولن يتركهم سدًى، وهناك الكثير من آيات القرآن الكريم التي أكدت على هذا المعنى:

1 ـ قال تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾ [المؤمنون: 115 ـ 116] .

2 ـ وقال تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً﴾ [القيامة: 36] فهل يظنُّ عاقِلٌ أنْ يتركَ الإنسانُ في هـذه الدنيا لا يؤمر ولا يُنهى ويترك في قبره سدًى دونَ أن يبعث ؟ إنّ ذلك لا يليقُ بحكمة الله، فكلُّ شيء يصدر عنه سبحانه له حكمة تقتضيه[(1)] .

إننا نشاهد في حياتنا ظالمين ظلوا ظالمين حتّى لحظة الموت، ولم يأخذْ على أيديهم أحدٌ، ومظلومين ظلّوا مظلومين إلى آخرِ حياتهم، لم ينصفْهم أحدٌ، أفإنْ كانت الحياةُ هي نهايةَ المطاف، أيكونُ هـذا عدلاً وحكمةً ؟ وأينَ هي الحكمةُ في خلق حياةٍ تجري أحداثُها على غير مقتضى العدل، ثم تنتهي دونَ حسابٍ؟

لذا يأتي التأكيدُ في القرآن على أنَّ البعثَ ضرورةٌ يقتضيها عدلُ اللهِ وحكمته في مواضعَ عديدةٍ من القرآن منها[(2)] :

3 ـ قوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [الجاثية: 21] .

4 ـ وقوله تعالى: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾ [ص: 28] .

5 ـ قال تعالى: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [القلم: 35 ـ 36] .

6 ـ قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾ [ص: 27] .

إخبار العليم الخبير بوقوع القيامة :

أعظمُ الأدلّةِ على وقوع المعاد إخبارُ الحقِّ تبارك وتعالى بذلك، فَمَنْ امنَ باللهِ، وصدّقَ برسولِه (ﷺ) الذي أرسلَ، وكتابِه الذي أنزل، فلا مناصَ له من الإيمانِ بما أخبرنا به من البعث والنشور، والجزاء والحساب، والجنة والنار، وقد نوَّعَ تبارك وتعالى أساليبَ الإخبارِ، ليكونَ أوقعَ في النفوس، واكد في القلوب.

1 ـ ففي بعض المواضع يخبرنا بوقوع ذلك اليوم إخباراً مؤكداً (بأنّ) أو (بإنّ واللام) كقوله تعالى: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ [طـه: 15] وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ السَّاعَةَ لآَتِيَةٌ فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾ [الحجر: 85] .

2 ـ وفي مواضع أخرى يقسمُ الله تعالى على وقوعه ومجيئه، كقوله تعالى: ﴿اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾ [النساء: 87] ويقسمُ على تحقق ذلك بما شاء من مخلوقاته، كقوله تعالى: ﴿وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ *مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ﴾ [الطور: 1 ـ 8] .

3 ـ وفي بعض المواضع يأمرُ رسولَه (ﷺ) بالإقسام على وقوع البعث وتحققه: وذلك في معرض الردّ على المكذّبين به، المنكرين له، كقوله تعالى: ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ﴾ [التغابن: 7] .

4 ـ وفي مواضع أخرى يذمُّ المكذّبين بالمعاد: كقوله تعالى: ﴿خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ [يونس: 45] .

5 ـ وأحياناً يمدح المؤمنين بالمعاد: قال تعالى: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ * رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ [آل عمران: 7 ـ 9] .

6 ـ وأحياناً يخبر أنه وَعْدٌ صادق، وخبرٌ لازمٌ . وأجلٌ لا شكَّ فيه: قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخرة ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأِجَلٍ مَعْدُودٍ﴾ [هود: 103 ـ 104] .

7 ـ وفي بعض الأحيان يخبر عن مجيئه واقترابه: قال تعالى: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النحل: 1] [(3)].

8 ـ وفي مواضع أخرى يمدح نفسه تبارك وتعالى بإعادة الخلق بعد موتهم: ويذم الالهة التي يعبدها المشركون بعدم قدرتها على الخلق، كقوله تعالى: ﴿أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ﴾ [النمل: 64] .

9 ـ وبين في مواضع أخرى أن هـذا الخلق وذاك البعث الذي يعجزُ العباد ويذلّهم سهل يسير عليه: قال تعالى: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [لقمان: 28] وقال تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ﴾ [القيامة: 3 ـ 4] [(4)].

10. ولذلك، وانطلاقاً من كل الحقائق السابقة، فإن الله تعالى جعل يوم القيامة مظهراً من مظاهر رحمته، فقال سبحانه: ﴿قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُل لِّلَّهِ ۚ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: 12].

فالحمدلله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه على نعمة يوم القيامة الذي تتجلّى فيه صفات الله تعالى، فيتجلى فيه عدله وحكمته ورحمته، فيه يُنصف المظلوم ويُجازى المحسن ويُعاقَب المسيء، فتستقرّ الموازين وتتحقق العدالة الكاملة.

 

المصادر والمراجع:

ـ[1] أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين الشنقيطي، ( 5 / 822 ) .

ـ[2] فتح القدير الجامع بين فني الرواية و الدراية من علم التفسير، محمد بن علي الشوكاني ( 5 / 76 ) .

ـ[3] الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ( 17 / 85 ) .

ـ[4] اليوم الآخر في القرآن العظيم والسنة النبوية، عبد المحسن بن زبن المطيري، ص ( 220) .


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022