من كتاب الوسطية في القرآن الكريم
(وسطية القرآن في القضاء والقدر)
الحلقة: الثانية والأربعون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ربيع الآخر 1442 ه/ نوفمبر 2020
هذه مباحث في باب القضاء والقدر، ذلك الباب العظيم، الذي لاشك في أنه من أعظم أبواب العقيدة، وأهمها، فهو أحد أركان الإيمان الستة التي وردت في حديث جبريل، عليه السلام، ولا يؤمن إنسان على الحقيقة؛ حتى يؤمن به، فالإيمان به تمام التوحيد، كما قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: (القدر نظام التوحيد، فمن وحد الله وامن بالقدر؛ تمَّ توحيده، ومن وحد الله، وكذب بالقدر؛ نقض توحيده).
(والقدر هو قدرة الله، كما قال الإمام أحمد، رحمه الله).
فالذي يكذِّب به مكذب لقدرة الله، عز وجل. ومما يدل على أهميته ما يترتب على الإيمان به من عظيم الثمرات على الأفراد، والمجتمعات في الدنيا وفي الاخرة، ومما يدل على أهميته: أنَّ كتب العقيدة اهتمت به أيَّما اهتمام، وأطالت في ذكره، والحديث عنه، كالإبانة لابن بطة، والشريعة للاجري، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي، والحجة في بيان المحجة للأصبهاني، وغيرها.
ففهم هذا الباب على الوجه الصحيح، والإلمام به ـ ولو على سبيل الإجمال ـ من الأهمية بمكان، وقد جاء هذا الباب في القرآن الكريم واضحاً، وشرحه النبي صلى الله عليه وسلم أتمَّ الشرح، وتلقاه الصحابة عنه، فكانوا ـ رضوان الله عليهم ـ أعظم الناس فهماً لحقيقة الإيمان بالقدر، فأثر ذلك فيهم أيما تأثير، فكانوا أشجع الناس، وأكرمهم، وأتقاهم، ثم دبَّ في هذه الأمة داء الأمم، وقد ركبت سَنَن من كان قبلها، فدخلت الفلسفات اليونانية، والهندية، وعقائد اليهود المحرِّفة، والنصارى الزائغة إلى بلاد المسلمين، وظهرت بدعة القدرية في البصرة ودمشق، فوقع أول شرك في الأمة، وهو نفي القدر، فتصدى علماء السنة لتلك البدعة، وبينوا عوارها، ودحضوا باطلها، وأظهروا الحق، ونشروه.
ومما لاشك فيه: أنَّ باب القدر أعوص أبواب العقيدة ـ فلقد حار النظار، والعقلاء قديماً وحديثاً في شأنه، وفي فهم حقيقته، فلم يصلوا إلى اليقين والصواب ؛ ذلك لأنهم التمسوا الهدى في غير مظانه، فحاروا، وحيَّروا، وتعبوا، وأتعبوا. وقد وفق الله سبحانه وتعالى أهل السنة والجماعة لفهم هذا الباب، وذلك لاتباع ما جاء في الكتاب والسنة واثار السلف الصالح؛ إذ لا يمكن لأحد أن يفهم هذا الباب على وجه التفصيل فهماً صحيحاً ـ إلا كما فهمه أهل السنة والجماعة ـ سلف هذه الأمة الصالح، وإذا نظرت إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم انتظم العقد في هذا الباب، وظهرت ملامح الوسطيَّة فيه، وسلمت من الإفـراط، والتفريط، والغلو، والجفاء، والبعد عن الصراط المستقيم. وتجد القرآن الكريم والسنة المطهرة ترشدنا إلى أبواب يستطيع العقل البشري أن يجول فيها في هذا الباب. وتنهانا عن أمور يستحيل العقل أن يصل إليها.
فالأمور التي يستطيع العقل البشري أن يجول فيها، ويفهمها من منطق النصوص هي: كالبحث في مراتب القدر، وأقسام التقدير، وخلق أفعال العباد إلى غير ذلك من مباحث القدر.
والأمور التي نهانا الشرع عن الخوض فيها هي مثل: الخوض في القدر بالباطل وبلا علم ولا دليل، والاعتماد في معرفة القدر على العقل البشري القاصر بعيداً عن هدي الكتاب والسنة؛ لأن العقل البشري لا يستقل بمعرفة ذلك على وجه التفصيل، وكذلك البحث عن الجانب الخفي في القدر الذي هو سرُّ الله في خلقه، وكذلك التنازع في القدر الذي يؤدي إلى اختلاف الناس فيه، وافتراقهم، فهذا ممَّا نهينا عنه. وبذلك يتضح للباحث منهج الوسطيَّة في هذا الباب إذا ألَمَّ بأطراف الموضوع معتمداً على كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
يمكنكم تحميل كتاب :الوسطية في القرآن الكريم
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/29.pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com