الأربعاء

1446-07-08

|

2025-1-8

النبي وقربه من الله (1)

الحلقة الثامنة والثمانون من كتاب

مع المصطفى صلى الله عليه وسلم

بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)

جُمَادَى الآخِرَة 1443 هــ / يناير 2022

- ما ودعك ربك وما قلى:

روى الصحابي الجليل جُندب بن سفيان رضي الله عنه فقال: اشتكى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فلم يقم ليلتين أو ثلاثًا، فجاءته امرأة، فقالت: يا محمد، إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك؛ لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث. قال: فأنزل الله عز وجل: ﴿وَالضُّحَى

وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى۝ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ۝ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى ۝ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ [الضحى: 1-5].

كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعين بقيام الليل على لأواء الحياة وتعبها، وأي شيء أعظم من مناجاة الله عز وجل! وهي تذهب ما في القلب من الألم، فإن القلوب الموصولة بالله سبحانه وتعالى قلوب لا تعرف اليأس ولا الكلل ولا الملل.

إن الحياة بكل صعوباتها ومراراتها تطيب وتجمل حينما يكون القلب موصولًا بالله سبحانه وتعالى، وأنا لا أتحدث بالضرورة عن قيام الليل، لكنني أتحدث عن ارتباط القلب بالله سبحانه وتعالى، حتى ولو كان في صلاة الفريضة، فإذا سجد الإنسان بجسده سجد معه قلبه ليناجي ربه، وما أن ينتهي من صلاته إلا وقد غسل قلبه وجدد عزمه، واستعان بالله سبحانه وتعالى على هذا الطريق الطويل الذي يسلكه؛ حتى يستمتع بالحياة ويتجاوز الصعاب.

لا غرابة أن يقول الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم في أول البعثة: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ۝ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [المزمل: 1-2]. أو يقول له: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ۝ قُمْ فَأَنْذِرْ ۝ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ۝ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ۝ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ۝ وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ۝﴾ ثم يقول: ﴿وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾ [المدثر: 1-7].

وليس معنى ذلك أننا نتحدث عن صورة خيالية، إنما نتحدث عن إعجاز تشريعي في الإسلام، فإن ثم مقامات ترقٍ تتفوق على مقامات الملائكة وهي للسابقين والصديقين، ونحن نتحدث عن مقامات سهلة ويسيرة للمؤمن: أن يكون قلبه موصولًا بالله سبحانه وتعالى عند كل أزمة، كقصة الرجل الذي قال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ، فأخبرني بشيء أتشبث به. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا بِذِكْرِ اللهِ».

ذكر الله لا يكلف الإنسان الشيء الكثير، فهو لا يحتاج إلى قيام، ولا طهارة أو وضوء، فما أيسرها على الإنسان أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.

جاءت هذه المرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم عندما فقدت صوته وعبادته، فقالت له: إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك. لأنها كانت تردد ما يروجه المشركون من أن ما يأتيه صلى الله عليه وسلم وحي من الشياطين، فسلاه الله تعالى بهذه السورة العظيمة، والمستفتحة بالقسم، والذي يقسم هو الله سبحانه وتعالى، من فوق سبع سماوات، ويأتي القسم معبرًا بقوله: ﴿وَالضُّحَى ۝ وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى﴾ [الضحى: 1-2].

رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم

http://alsallabi.com/books/view/506

كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي

http://alsallabi.com/books/7


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022