الأربعاء

1446-07-08

|

2025-1-8

النبي (صلى الله عليه وسلم) وقربه من الله (2)

الحلقة التاسعة والثمانون من كتاب

مع المصطفى صلى الله عليه وسلم

بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)

جُمَادَى الآخِرَة 1443 هــ / يناير 2022

- قَسَم عظيم:

وهذا الجمع في القسم بين الضحى والليل إذا سجى فيه قسم بالكون، وقسم بالحياة، وقسم بالليل والنهار بشكل عام التي هي مستودع الخير والشر، وهذا يشابه قسم الله سبحانه وتعالى بالعصر التي هي مستودع أعمال الإنسان، ولكن هنا معنى لطيف: وهو أن الله تعالى أقسم بالليل إذا سجى إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم يجد سلوته في دعاء الله تعالى وعبادته والتضرع إليه في قيام الليل، أما الضحى فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلِّي فيه صلاة الضحى كما هو معروف، وهناك معنى آخر لطيف أيضًا: وهو أن الإنسان إذا فاته قيام الليل يمكن أن يعوض عن ذلك بصلاة الضحى، ولهذا جاء في «صحيح مسلم»: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غلبه نوم من الليل أو مَرِض صلَّى من النهار ثنتي عشرة ركعة. وقد كان يصلِّي مثنى مثنى ويسلم من كل ركعتين، وكان صلى الله عليه وسلم إذا فاته الوتر يقضيه من النهار، فقد جاء عند أبي داود وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ نَامَ عَنْ وِتْرِهِ أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلِّهِ إِذَا ذَكَرَهُ».

المقصود أن القسم الرباني بوقت الضحى ووقت الليل إذا سجى، ومعنى سجى- أي: غطى الكون بظلامه- يبين أهمية هذه الأوقات وفضلها، ثم قال تعالى: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ [الضحى: 3]. فالمرأة تقول: إن شيطانك يا محمد قد تركك. بينما الوحي يقول: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ [الضحى: 3]. يعني: ما تركك وما هجرك وما قلاك.

وقوله: ﴿قَلَى﴾. إشارة إلى عظمة هذا المعنى، فهو أبلغ وأعم مما لو قال: وما قلاك. ومعنى ﴿قَلَى﴾: أنه ما قلى النبي صلى الله عليه وسلم، وما قلى أصحابه، وما قلى دعوته ودينه، وما قلى عمله.

- أعطاه الدنيا والآخرة:

قال تعالى: ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾ [الضحى: 4]. أي: أعطاك الله تعالى في الأولى، وبطبيعة الحال فإن بشارة الله سبحانه وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم أنه ما ودعه ولا تركه معناها بالمفهوم الواضح أن ربه سبحانه سوف يحبه، والحب من الله سبحانه وتعالى مفتاح كل خير لعبده، فإنه إذا أحب عبدًا فلا خوف عليه ولا بوار ولا خسار، لا في الدنيا ولا في الآخرة، فإن ثمرة محبة الله تعالى للعبد أن يعيش في صفاء، ونقاء، وأنس، وسعادة، ومهما تضق عليه الأمور، فالسعادة لا تؤخذ من طيب الطعام والشراب، والملبس والمنام، وإن كانت هذه الأشياء أدوات معينة على السعادة، لكن السعادة محلها القلب، فإذا تفجرت ينابيع السعادة في القلب استطاع الإنسان أن يستفيد من كل هذه الأشياء، لتضيف سعادة إلى سعادته، وحتى لو فقدها أو حرم منها فهو سوف يستشعر السعادة حتى مع الأشياء البسيطة المتوافرة عنده، والله سبحانه وتعالى يؤكد هذا المعنى ويقويه بقوله: ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾ [الضحى: 4]. يعني: إذا كان الله تعالى أعطاك في الأولى ما تعلمه أنت من ألوان السرور، وقرة العين، والسعادة التي نستطيع أن نقول فيها بكل يقين: إنه لم يمر على وجه الأرض منذ خلقت الأرض أحد أكثر سعادة وأنسًا ورضًا وسرورًا من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك بما أعطاه الله تعالى في قلبه، ومع ذلك فإن الله تعالى يقول له: ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾ [الضحى: 4]. يعني: ما أعد الله تعالى لك في الآخرة هو أوسع وأكثر، فالأولى جاءك فيها خير، لكن الآخرة خير من هذا الخير، وأفضل من هذا الفضل، وأعظم من هذا العطاء، حتى قال سبحانه: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ [الضحى: 5]. يعني: في الآخرة.

لاحظ هنا قوله: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ أي: ترضى عن ربك سبحانه في إعطائه لك وهو راض صلى الله عليه وسلم، حتى حينما أوذي من أهل الطائف كان صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه المشهور الذي ذكره أهل السير: «إنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلا أُبَالِي، وَلَكِنَّ عَافِيَتَكَ هِيَ أَوْسَعُ لِي». ومع ذلك انظر كيف يخاطبه سبحانه ويقول له: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ يعطيك عطاءً بعد عطاء، ومن أعظم العطاء الذي يعطيك في الدنيا والآخرة هو كمال الرضا عن ربك جل وعلا.

رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم

http://alsallabi.com/books/view/506

كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي

http://alsallabi.com/books/7


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022