النبي صلى الله عليه وسلم وقربه من الله (3)
الحلقة التسعون من كتاب
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
جُمَادَى الآخِرَة 1443 هــ / يناير 2022
- وعد لاحق وسرد سابق:
هنا يذكِّر الله سبحانه وتعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم بألوان من عطائه السابق فقال: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى﴾ [الضحى: 6]. فقد كان صلى الله عليه وسلم يتيم الأبوين، آواه عمه أبو طالب وجده عبد المطلب، ومع أن هؤلاء قد حفظوه صلى الله عليه وسلم ورعوه، لكن الإيواء الحق هو من عند ربه سبحانه؛ الذي سخر له الخلق، والذي حفظه في ذلك المقام.
ثم ذكّره بنعم الهداية فقال: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى﴾ [الضحى: 7]. يعني: لم تكن تعرف الطريق، وكان صلى الله عليه وسلم يبحث عن الدين ويستقصي، ومع ذلك هداه الله عز وجل إلى الدين الحق، كما قال سبحانه: ﴿مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا﴾ [الشورى: 52].
ثم قال: ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾ [الضحى: 8]. فقد كان صلى الله عليه وسلم فقيرًا، ومات أيضًا وليس عنده شيء، ولم يخلف صلى الله عليه وسلم دينارًا ولا درهمًا، ولا عقارًا ولا أملاكًا، وإنما خلف العلم الذي هو بضاعة متاحة للناس كلهم، ومع ذلك خاطبه ربه بقوله سبحانه: ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾ [الضحى: 8]. الغنى غنى القلب والنفس، وهناك معنى آخر وهو: إغناء الأمة كلها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ، فَوُضِعَتْ فِي يَدِي». يقول أبو هريرة رضي الله عنه: وقد ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تنتثلونها.
لو نظرنا اليوم بعد نزول هذه الآية بمئات السنين، بل بأكثر من ذلك؛ لوجدنا أن معظم خزائن الأرض وثروات الأرض موجودة في العالم الإسلامي، وهذا جزء من الغنى والفضل، وجزء من الوعد الرباني، وجزء من أسباب حفظ الله تعالى لهذه الأمة، بحيث إن هذه الإمكانيات الهائلة في العالم الإسلامي هي التي صنعت لهذا العالم نوعًا من الحضور والفعالية والتأثير على الرغم من التخلف التقني والاقتصادي والسياسي الذي يضرب بجرانه في العالم الإسلامي كله، ومع ذلك أذن الله سبحانه وتعالى أن تبقى هذه الأهمية لهذه الأمة.
- بالشكر تدوم النعم:
إن الله تعالى يذكر نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بهذا العطاء السابق على صعيده الشخصي وعلى صعيد الأمة كلها؛ ليبين له صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى سوف يحفظه فيما بقي، ويعطيه في الآخرة أضعاف ما أعطاه في هذه الدنيا، ولهذا قال: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: 9-11].
يعني: في مقابل هذا العطاء عليك أن تؤدي الشكر برعاية الفقراء والأيتام والمساكين فلا تقهرهم؛ لأنهم ضعفاء، بل احرص على أن يكون حرصك وأداؤك واهتمامك بأولئك الذين لا يجدون مَن يحميهم، وأن تكون شفاعتك لأولئك الفقراء والضعفاء.
قال الله: ﴿وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾ [الضحى: 10]. يعني: الذي يحتاج ويسأل لا تنهره ولا تزجره، ولا ترفع عليه صوتك، بل إن وجدت شيئًا فأعطه إن كان محتاجًا، وإن لم تجد فلا أقل من الكلام الطيب.
فَليُسعِدِ النُّطْقُ إِن لَمْ تُسعِدِ الحالُ.
رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
http://alsallabi.com/books/view/506
كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي