حماية الرسول (صلى الله عليه وسلم) لتوحيد العبادة
د. علي محمد الصلابي
الحلقة: الثالثة و العشرون
شعبان 1441ه/ أبريل 2020م
بين رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا التوحيد أتمَّ بيانٍ، ودعا إليه أعظمَ دعوةٍ، وجُلُّ القرآن الكريم نزلَ ليقرِّرَ هذا النوعَ من التوحيد، ويدعو إليه، وجاهد رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في ذلك أعظمَ جهادٍ، وقام على حمايتهِ وصيانةِ حماه حتّى أتاهُ اليقين، بل إنّه وهو في الرمقِ الأخيرِ، وهو يعالِجُ نزعَ الروحِ يبيّنُ لأمته أهميةَ هذا التوحيد.
كما ربَّى أصحابه رضي الله عنهم على ذلك، ليكونوا جنوداً وحماةً لهذا التوحيد، ويسلّموا هذه الأمانة إلى مَنْ بعدهم صافيةً نقيةً، وقد كانوا كذلك رضي الله عنهم وأرضاهم.
وفيما يلي بعضُ الأمثلةِ على حماية رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا النوع من التوحيد، وبيانه، والنهي عن كل ما يضاده من شرك، أو بدعة، أو يكون وسيلة وذريعة إلى ذلك، وإن لم يكن في نفسِه شراً.
1 ـ النهي عن الغلو والإطراء:
حذَّر الرسولُ صلى الله عليه وسلم أُمّتَهُ من الغلوِّ، ونهاهم عن ذلك، وحذَّرهم منه، ومن إطرائه، أو تجاوز الحد في مدحه والثناء عليه، حمايةً لجانب التوحيد، فقال صلى الله عليه وسلم: «إيّاكُمْ والغلوُّ، فإنّه أهلكَ مَنْ كانَ قبلَكُم الغلوُّ»، وسدَّ الذرائعَ الموصلة إليه، فنهى عن الإطراءِ، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تطروني كما أطرتِ النصارى ابنَ مريم، فإنما أنا عبدُه، فقولوا: عبدُ اللهِ ورسولُه».
2 ـ زيارةُ القبورِ والنهيُ عن اتخاذِها مساجدَ:
بيّن رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الغايةَ من زيارةِ القبورِ، والحكمةَ التي مِنْ أجلها شُرِعتْ زيارتُها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فزوروا القبورَ، فإنَّها تذكّر الموتَ».ووضّحَ أيضاً أنَّ من الحكمةِ في زيارة القبور الدعاءَ للميّتِ، والاستغفارَ له، والترحُّمَ عليه.
وبين رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كيفيةَ الزيارةِ الشرعيةِ للقبورِ بقوله وعمله، وعلّمها أصحابه، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أنّ جبريلَ عليه السلام أتَى رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال: إنّ ربَّكَ يأمُرُكَ أن تأتيَ أهلَ البقيعِ، فتستغفرَ لهم، قالتْ: قلتُ: كيف أقولُ لهم يا رسول الله؟ قال قولي: «السلامُ على أهلِ الديارِ من المؤمنينَ والمسلمينَ، ويرحمُ اللهُ المستقدِمينَ مِنَا والمستأخِرينَ، وإنّ شاءَ اللهُ بكم لاحقون».
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن زيارة القبور أولَ الأمرِ، سدّاً للذريعة، ثم أذنَ فيها، حين تمكّن التوحيدُ في القلوب، وبيّنَ الزيارةَ المشروعة، وأمرَ بها، ونهى عن كلِّ ما يخالفها، وحذّر منها أشدَّ التحذير.وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم قوله: «اللهمَّ لا تجعلْ قبرِي وثناً يُعْبَدُ».وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذِّرُ وينهَى أمته عن اتخاذِ قبرِه مسجداً؛ أو القبورِ مساجدَ، فعن أمِّ سلمة رضي الله عنها وأمِّ حبيبة رضي الله عنها ذكرتا لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كنيسةً رأتها بأرضِ الحبشة، وما فيها من الصور، فقال: «أولئكَ قومٌ إذا ماتَ فيهم الرجلُ الصالحُ، أو العبدُ الصالحُ، بنوا على قبرِهِ مسجداً، وصوّروا فيه تلكَ الصورَ، أولئكَ شِرارٌ الخَلْقِ عندَ الله».
وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ في مرضِ موته: «لعنةُ اللهِ على اليهودِ والنصارى اتخذوا قبورَ أنبيائهم مساجدَ» يحذِّر ما صنعوا، ولولا ذلك لأبرِزَ قبرُه.وقد نهى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن يُبنى على القبورِ أو يُقّعَدَ عليها، أو يُصَلَّى عليها.
3 ـ الرُّقى والتمائم:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الرُّقى والتمائمَ والتِوَلةَ شركٌ». والمقصودُ بالرقى غيرُ المشروعِ منها، وهي التي تسمّى العزائم، التي يعتقدون فيها دفعَ الافاتِ، والحفظَ من المكروهاتِ، وأمّا ما كان منها مِنَ المشروعِ والمأثورِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يدخلُ في ذلك، لما جاء في الحديث عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: كنّا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله! كيف ترى في ذلك؟ فقال: «اعرضوا عليَّ رقاكم، لا بأسَ بالرُّقى ما لم يكن فيه شرك».
والرُّقى المشروعة هي التي توفّرت فيها شروط ثلاثةٌ:
1 ـ أن تكون بكلام الله، أو بأسمائه وصفاته.
2 ـ أن تكونَ باللّسان العربي ، وبمعانٍ معروفة.
3 ـ أن يعتقد أنَّ الرقية لا تؤثِّرُ بذاتها، بل بتقديرِ اللهِ عزّ وجلَّ.
أما التمائم: فهي جمعُ تميمةٍ، وهي: ما يعلَّقُ عادةً على الصبيان مِنْ خرزٍ أو عظامٍ أو جلدٍ، أو نحو ذلك، لاعتقادِ دفعِ العين عنهم، وقد نهى عنها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لما فيها من شركٍ، أو ذريعةٍ إليه.
وأما التِوَلَةُ: بكسر التاء، وفتح الواو، فهي ما يوضع بزعم أنّه يحبِّب المرأةَ إلى زوجها، كما فسّر ذلك ابنُ مسعود رضي الله عنه قالوا: يا أبا عبد الرحمن هذه الرُّقى والتمائم قد عرفناها، فما التِوَلة؟ قال: شيءٌ تضعه النساءُ يتحبَّبْنَ إلى أزواجهنَّ.
وكانت المرأة تجلِبُ به محبةَ زوجها، وهو ضربٌ من السحر.
وهذه الأحاديثُ وغيرُها تنهَى عن هذه الأمور، التي فيها توكلٌ على غيرِ الله تعالى، واعتقادُ جلبِ نفعٍ، أو دفعٍ ضُرٍّ، من دونه عزّ وجلّ، والله تعالى يقول: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ *} [يونس :107] .
فقد حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمايةِ التوحيد من مثل هذه الأمور، التي قد يتساهل فيها المرءُ مع خطورتها، فمنْ تعلّق وأنزل حوائجَه به، والتجأ إليه، وفوَّض أمره إليه، كفاه، وقرَّب إليه كلَّ بعيد، ويسّر له كلَّ عسير، ومن تعلّقَ بغيره، أو سكنَ إلى رأيه وعقله ودوائه وتمائمه ونحو ذلك: وكله لله إلى ذلك، وخَذَلَهُ، وهذا معروفٌ بالنصوص والتجارب، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق :3].
4 ـ الاستسقاءُ بالأنواء:
ومعناه نسبةُ السقيا ونزولِ المطرِ إلى الأنواءِ، والأنواءُ: جمعُ نوءٍ، وهي منازِلُ القمرِ.وقد حرص الرسولُ صلى الله عليه وسلم أن يبيّنَ لأمته ما كانَ عليه أهلُ الجاهلية من شركٍ وضلالٍ، وأمرهم بالحذرِ من ذلك، والبعدِ عنه، وأهمُّ ذلك وأعظمُه ما كان متعلِّقاَ بأمورِ الاعتقاد، ومن ذلك ما كان شائعاً في الجاهليةِ من نسبة نزول المطر إلى النجوم ومطالعها ومغاربها، وبيّنَ عليه الصلاة والسلام ما في ذلك من الشركِ المنافي للتوحيد، كما جاء في حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أربعٌ في أمتي مِنْ أمرِ الجاهليةِ لا يتركونهنّ: الفخرُ في الأحسابِ، والطعنُ في الأنسابِ، والاستسقاءُ بالنجومِ، والنياحةُ».
وعن زيد بن خالد رضي الله عنه قال: صلّى بنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صلاةَ الصبحِ بالحديبيّة على إثرِ سماءٍ كانتْ من الليلِ، فلمّا انصرفَ، أقبلَ على الناسِ، فقال «هل تدرونَ ماذا قالَ ربُّكم»؟
قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: «أصبحَ مِنْ عبادِي مؤمنٌ بي وكافِرٌ، فأمّا مَنْ قالَ: مُطِرْنا بفضلِ اللهِ ورحمتِهِ فذلك مؤمنٌ بي، كافرٌ بالكواكبِ، وأمّا مَنْ قال: مُطِرْنا بنَوْءِ كذا وكذا، فذلكَ كافرٌ بي مؤمنٌ بالكواكب».
وهذا الحديثُ القدسيُّ العظيمُ يخبر به رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن ربِّه عزَّ وجل أنَّ مِنَ الناسِ من ينسِبُ نعمَهُ سبحانه وتعالى إلى غيرِهِ، ويضيفُ أفعالَه إلى سواه، وهو تعالى المنعِمُ وحدَه، الذي يجبُ أن تنسبَ إليه وحدَه جميعُ النعم، جلّ شأنه، فهو المتفرِّدُ بالرزق، المستحقُّ أن تُنْسَبَ إليه النعمُ، ويفرَدَ بالشكرِ عليها وحدَه، لا شريك له. وهذا البيان من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حمايةٌ منه لجانب التوحيدِ، حرصاً على أمته من الشركِ.
لقد نزل القرآن الكريم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيّنَ أنَّ الله سبحانه هو الذي ينزل الأمطار في آيات محكماتٍ قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ *وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ *فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *} [الروم :48 ـ 50] قال تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَآبَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ *هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ *} [لقمان :10 ـ 11] .
وقد نزل القرآن الكريم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيّنُ الحكمةَ من خلق النجوم قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام :97] وقال تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ *} [الملك :5] فهذه ثلاثُ حكمٍ جعلها الله سبحانه وتعالى في خلق النجوم، فهي زينةٌ للسماء، ورجومٌ تُرْجَمُ بها الشياطينُ عند استراقهم السمع، ووسيلةٌ للاهتداء في ظلمات البر والبحر.
5 ـ السحر:
وهي رقًى وعزائمُ وعُقَدٌ يفعلها السحرةُ، تؤثّر في القلوبِ والأبدانِ بمرضٍ، أو قتلٍ، أو تفريقٍ بينَ المرءِ وزوجه، وغيرِ ذلك، كما أخبر الله عن ذلك في كتابه الكريم، فقال: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة :102]، ويقع ضرره بمشيئة الله عز وجل {وَمَا هُمْ بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة :102] .
والسحر حقيقة، وقد أمر الله بالاستعاذة من أهلِه إذ يقول عز وجل في سورة الفلق: ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِنْ شَرِّ النَفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ *} و(النفاثات): هنَّ السواحر.
وبيّنَ سبحانه أنَّ السحرَ كفرٌ بالله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} [البقرة :102] قال أبو بكر بن العربي: وما كفرَ سليمان قطُّ، ولا سحرَ، ولكنّ الشياطين كفروا بسحرِهم، وأنّهم يعلّمونه الناس، ومعتقِدُ السحرِ كافرٌ، وفاعله كافِرُ، ومعلِّمه كافر، ويعلّمون الناسَ ما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت، وما كانَ الملكانِ يعلمان أحداً حتى يقولا: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ} [البقرة :102] .
وقد ذَمُّ الله عز وجل السحرَ وأهلَه في كتابه الكريم، وبيّنَ بطلانَ عملِهم، وأنَّهم لا خلاقَ لهم في الآخرة، وجاء ذلك في آيات كثيرة من كتابه، منها قوله عز وجل: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اُشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخرة مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ *} [البقرة :102] وقوله تعالى: {فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ *} [يونس :81] وقوله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى *} [طه :69] .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقاتِ» قالوا: يا رسول الله وما هُنّ؟ قال: «الشركُ باللهِ، والسِّحْرُ، وقتلُ النَّفْسِ التي حرّم الله إلا بالحق، وأكلُ مالِ اليتيمِ، وأكلُ الربا، والتولِّي يومَ الزحف، وقذفُ المحصناتِ المؤمناتِ الغافلات».
6 ـ الكهانة:
تضافرتِ الآيات والأحاديثُ الصحيحة بالنهي عن إتيانِ الكُهّان وتصديقهم فيما يقولون، وتحريمِ ما يُعْطَوْن من حلوان. قال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ *تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ *يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ *} [الشعراء :221 ـ 223] .وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أتى عرَّافاً، فسأله عَنْ شيءٍ، لم تُقبلْ له صلاةٌ أربعينَ ليلةً».وعن أبي مسعود قال: نهى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن ثمنِ الكَلْبِ، ومَهْرِ البَغِيِّ، وحُلوانِ الكاهنِ.
7 ـ الشفاعة:
بيّن الرسولُ صلى الله عليه وسلم للناس الصراطَ المستقيمَ الذي يصلُهم بربّهم دون شفعاء ولا وسائط، وهو طريقُ التوحيدِ الخالصِ للهِ عزّ وجلّ، وإفرادهِ سبحانه بالعبادةِ دون ما سواه.
أمّا الشفاعةُ المثبتةُ التي أثبتها القرآن الكريم وبينها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فلها شرطان:
الأول ـ الإذنُ مِنَ اللهِ تعالى للشافع، قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة :255] .
والثاني ـ الرضا عن المشفوعِ له، قال تعالى: {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} [الانبياء :28] ..
وهذه الشفاعةُ خَصَّ الله تعالى بها أهلَ توحيدهِ وعبادتهِ تفضُّلاً منه وكرماً، فهذه خاصّةٌ بهم، لأنّهم لم يتّخذوا من دونِ الله ولياً ولا شفيعاً، وقد رضي الله قولَهم وعملَهم، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله! مَنْ أسعدُ النّاسِ بشفاعتك يوم القيامة؟ قال عليه الصلاةُ والسلامُ: «أسعدُ الناسِ بشفاعتي يوم القيامةِ مَنْ قالَ لا إلَه إلا الله خالِصاً مِنْ قلبِهِ أو نفسه».
وأول الشافعين رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أمامُ الموحّدين، وخاتمُ المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، والذي اختصّه الله تعالى وأكرمه بشفاعات عظيمة في ذلك اليوم، تفضُّلاً وتكريماً منه سبحانه لرسوله محمّد صلى الله عليه وسلم، ورحمةً بأمته صلى الله عليه وسلم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكلِّ نبيٍّ دعوةٌ مستجابةٌ، فتعجَّلَ كلُّ نبيٍّ دعوتَه، وإنِّي اختبأتُ دعوتي شفاعةً لأمتي يومَ القيامةِ، فهي نائلةٌ إنْ شاءَ الله مَنْ ماتَ من أمتي لا يشرِكُ باللهِ شيئاً».
فله صلى الله عليه وسلم الشفاعةُ العظمى يومَ القيامةِ، والتي يتخلّى عنها أولو العزم من الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهي ـ كما بيّنَ ـ لأهلِ التوحيدِ من أمته، وهو الذي يشفع في دخول المؤمنينَ الجنة، وفي إخراجِ عصاة الموحّدين من النارِ.
والشفاعةُ إنّما تكون وتنفع أهلَ التوحيد، أمّا غيرهم فهم كما قال عز وجل {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ *} [المدثر :48]
وقال تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلاَ يَعْقِلُونَ *} [الزمر :43] وقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ *} [يونس :18] .
يمكنكم تحميل كتاب سلسلة أركان الإيمان (1)
كتاب الإيمان بالله
من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book174.pdf