الإيمان... لغة وشرعاً وزيادة ونقصاناً:
د. علي محمد الصلابي
الحلقة: الرابعة و العشرون
شعبان 1441ه/ أبريل 2020م
الإيمان لغة: التصديق، قال تعالى حكايةً عن إخوة يوسف مع أبيهم: {قَالُوا ياأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ *} [يوسف :17] أي: بمصدِّقٍ لنا.
وشرعاً: هو نطقٌ باللسانِ، واعتقادٌ بالقلبِ، وعملٌ بالجوارحِ، ويزيدُ بالطاعةِ، وينقُصُ بالمعصيةِ.
ومن الأدّلة من الكتاب والسنة على زيادة الإيمان ونقصانه: قوله تعالى: {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً} [المدثر :31] وقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ *} [الانفال :2] وقال تعالى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا *} [مريم :76] وقال تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيمًا *} [الاحزاب :22] .
وعن جندب بن عبد الله قال: كنّا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حِزاورة، فتعلَّمنا الإيمانَ قبل أنْ نتعلّمَ القرآن، ثم تعلّمنا القرآن فازددنا به إيماناً .وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الإيمانُ بضعٌ وسبعون أو بضع وستون شعبةً، فأفضلُها قولُ: لا إلهِ إلا الله، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطريقِ، والحياءُ شعبةٌ من الإيمان».
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمنٌ، ولا يشربُ الخمرَ حين يشربُ وهو مؤمنٌ، ولا يسرقُ حين يسرقُ وهو مؤمنٌ، ولا يَنْتَهِبُ نهبةً يرفع الناسَ إليه فيها أبصارُهم حين ينتَهِبَها وهو مؤمنٌ». والقول الصحيح الذي قاله المحققون في شرح هذا الحديث: إنّ معناه لا يفعلُ هذه المعاصي وهو كامِلُ الإيمان.
والطاعات والأعمال الصالحة داخلة في الإيمان، ومن الأدلة على ذلك: قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ *} [التوبة :71] .
وقد أطلق القرآن الكريم لفظَ الإيمانِ على العمل في بعض الآيات ومن ذلك: قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنْ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ *} [البقرة :143] والإيمان هنا يراد به الصلاة، وقد ذهبَ جمهورُ المفسّرين إلى هذا، بل إنَّ الصحابة فهموا هذا، وتضافرت الروآيات عنهم في سبب نزول الاية.
ومن هذه الآيات قوله تعالى: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ *} [البقرة :177] فالآية اعتبرتْ هذه الخصالَ تصديقاً وإيماناً، وجعلتْ أعمال البِرِّ هذه من الإيمانِ، ووجهُ الدلالةِ مِنَ الايةِ ما فسّره رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حيث روى عبد الرزاق في «مصنفه» وغيره عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فتلى عليه هذه الاية {الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ *} [البقرة :177] فالآية اعتبرتْ هذه الخصالَ تصديقاً وإيماناً، وجعلتْ أعمال البِرِّ هذه من الإيمانِ، ووجهُ الدلالةِ مِنَ الايةِ ما فسّره رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حيث روى عبد الرزاق في «مصنفه» وغيره عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فتلى عليه هذه الاية { ... إلخ } والحديثُ رجالُه ثقات
الإسلام والإيمان والإحسان:
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: بينما نحنُ عندَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذاتَ يومٍ، إذْ طلعَ علينا رجلٌ، شديدُ بياضِ الثيابِ، شديدُ سوادِ الشعرِ، لا يُرَى عليه أثرُ السفرِ، ولا يعرفُه منّا أحدٌ، حتى جلسَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأسندَ ركبتيه إلى ركبتيه، ووضعَ كفّيه على فَخِذيه وقال: يا محمّدُ، أخبرني عن الإسلامِ.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإسلامُ أنْ تشهدَ أنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ، وأنَّ محمّداً رسولُ اللهِ، وتقيمَ الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصومَ رمضان، وتحجَّ البيتَ إنِ استطعتَ إليه سبيلاً»
قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسألُه ويصَدِّقُه. قال: فأخبرني عن الإيمان؟
قال: «أن تؤمن باللهِ، وملائكتِهِ، وكتبِهِ، ورسلِه، واليوم الآخر، وتؤمِنَ بالقدرِ خير وشرِه».
قال: صدقتَ، قال: فأخبرني عن الإحسان؟
قال: «أنْ تعبدَ اللهَ كأنّكَ تراه، فإنْ لم تكنْ تراه فإنّه يراك».
إلى أن قال: «يا عمر أتدري مَنِ السائل؟»
قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: «إنّه جبريلُ، أتاكُم يعلّمكم دينكم». فجعل الدِّينَ هوالإسلامَ والإيمانَ والإحسانَ.
فتبيّن أنَّ ديننا يجمعُ الثلاثةَ، لكن هو درجاتٌ ثلاثٌ: مسلمٌ، ثم مؤمنٌ، ثم مُحْسِنٌ، والمراد بالإيمان ما ذُكِرَ مع الإسلام قطعاً، كما أنّه يريدُ بالإحسان مع الإيمان والإسلام، لا أنَّ الإحسانَ يكون مجرداً عن الإيمان. وهذا كما قال الله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ *} [فاطر :32] والمقتصد والسابق كلاهما يدخلُ الجنة بلا عقوبة، بخلاف الظالم لنفسه، فإنّه مُعَرَّضٌ للوعيد، وهكذا مَنْ أتى بالإسلام الظاهر مع التصديق بالقلب، لكن لم يَقُمْ بما يجب عليه من الإيمان الباطن، فإنّه معرَّضٌ للوعيد.
فأما الإحسان وهو أعم من جهة نفسه، وأخص من جهة أهله، والإيمانُ أعم من جهة نفسه، وأخص من جهة أهله من الإسلام، فالإحسانُ يدخل فيه الإيمانُ، والإيمانُ يدخل فيه الإسلامُ، والمحسنون أخصُّ من المؤمنين، والمؤمنون أخصُّ من المسلمين..
يمكنكم تحميل كتاب سلسلة أركان الإيمان (1)
كتاب الإيمان بالله
من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book174.pdf