الصفات الإلهية(2)
د. علي محمد الصلابي
الحلقة: الثانية عشر
شعبان 1441ه/ أبريل 2020م
الصفات الفعلية: وهي التي تتعلّق بها مشيئته وقدرتُه كلَّ وقتٍ وان، وتحتَ مشيئتِه وقدرتهِ احادُ تلك الصفات من الأفعال، وإنْ كانَ هو سبحانه لم يزلْ موصوفاً بالفعل بمعنى أنَّ نوعَ الأفعالِ قديمٌ، وأفرادها حادثةٌ، فهو سبحانه لم يزلْ فعّالاً لما يريدُ، ولم يزلْ ولا يزالُ يقولُ ويتكلّم، ويخلقُ، ويدبّر الأمور، وأفعالُه تقعُ شيئاً فشيئاً تبعاً لحكمتِهِ وإرادتهِ.
ومثلُ هـذا الاستواءُ على العرش، والمجيءُ، والإتيانُ، والنزولُ إلى السماء الدنيا، والضحكُ، والرضا، والغضب، والكراهية، والمحبة، والخلق، والرزق، والإحياء، والإماتة، وأنواعُ التدبير.وأفعالهُ سبحانه وتعالى منها اللازمُ، ومنها المتعدي.فالاستواءُ والمجيءُ والنزولُ ونحو ذلك أفعالٌ لازمةٌ لا تتعدّى إلى مفعولٍ، بل هي قائمةٌ بالفاعلِ. والخلقُ، والرزقُ، والإماتةُ، والإحياء، والإعطاء، والمنع، ونحو ذلك، تتعدّى إلى مفعولٍ.
وقد جمع الله بينهما في قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَانُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا *} [الفرقان :59] فذكر الفعلينِ المتعدّي واللازم وكلاهما حاصلٌ بمشيئته وقدرته، وهو متّصفٌ بهما سبحانه، كما يجب التنبيه أيضاً إلى أنَّ من صفاته سبحانه وتعالى ما يأتي صفةَ ذاتٍ، وصفةَ فعلٍ،وذلك مثل صفة الكلام، والخلق، والرحمة.
وقد دلّتِ الآيات والأحاديث على اتّصاف اللهِ بالصفات الذاتية والفعلية، قال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ *} [الرحمن :27] وقال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدم فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ *} [الاعراف :11] وقوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدم خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ *} [ ال عمران: 59] وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ *} [محمد :28] وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ *} [ ال عمران: 31] وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أُتِي رسول الله صلى الله عليه وسلم بِلَحْمٍ، فرفعَ إليه الذراعَ، وكانتْ تُعْجِبُه، فنهسَ منها نهسةً، ثم قال: «أنا سيّدُ الناسِ يومَ القيامةِ.. إلى أن قال: فيأتونَ آدم عليه السلام، فيقولونَ له: أنتَ أبو البشرِ، خلقَكَ اللهُ بيدِهِ، ونفخَ فيكَ مِنْ روحِهِ، وأمَرَ الملائكةَ فسجدوا لكَ، اشفعْ لنا إلى ربِّكَ، ألا ترى إلى ما نحنُ فيه؟! ألا ترى إلى ما قدْ بلغنا؟! فيقولُ آدم: إنَّ ربِّي غضبَ اليوم غضباً لم يَغْضَبْ قبلَه مثله، ولن يغضَب بعدَه مثلَه...».
وعلينا إثباتُ جميع ما وردَ بالكتاب والسنة من الصفاتِ بلا تحريفٍ، ولا تعطيلٍ، وبلا تشبيهٍ، ولا تمثيلٍ.
• بعض الصفات الفعلية:
أ ـ إثباتُ استواءِ الله على عرشـه: قال تعالـى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بَأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ *} [الاعراف :54] وقال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا *الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَانُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا *} [الفرقان :58 ـ 59] .
ويجب إثباتُ استواءِ الله على عرشه من غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ، وهو استواءٌ حقيقيٌّ، معناه العلو والاستقرار على وجهٍ يليقُ بالله تعالى.
ولما سُئِل مالكُ بنُ أنس عن قوله: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه :5] قال: «الاستواءُ غيرُ مجهولٍ، والكيفُ غيرُ معقولٍ، والإيمانُ به واجبٌ، والسؤالُ عنه بدعةٌ، وما أراكَ إلاّ ضالاً» وأمرَ أن يُخْرَجَ السائلُ من المجلس.وأكثرُ مَنْ صرّح بأنّ الله مستوٍ بذاته على عرشه أئمةُ المالكية، فصرّح أبو محمد بن أبي زيد القيرواني في ثلاثةِ مواضع من كتبه وأشهرها «الرسالة» وفي كتاب «جامع النوادر» وفي كتاب «الاداب»، وصرّح بذلك القاضي أبو بكر الباقلاني، وكان مالكياً، وصرّح به أبو عبد الله القرطبي المفسّر في كتاب «الأسماء الحسنى» وكذلك أبو عمر بن عبد البر، والطلمنكي، وغيرهما من الأندلسيين، وغير ذلك من السادّة المالكية.
إنّ كتابَ الله عزّ وجلّ من أوله إلى آخره، وسنةَ رسولهِ صلى الله عليه وسلم وكلام عامة الصحابة والتابعين، وكلام سائر الأئمة، مملوءٌ بما هو نصٌّ أو ظاهِرٌ في أنَّ الله سبحانه وتعالى فوقَ كلِّ شيءٍ، وأنّه فوقَ العرشِ، وفوقَ السماواتِ مستوٍ على عرشه.
ب ـ صفة المجيء: قال تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا *} [الفجر :22] قال تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ} [البقرة :210] .
ويجبُ إثباتُ المجيء من غيرِ تحريفِ ولا تعطيلٍ، ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ، وهو مجيءٌ حقيقةً، يليقُ بالله تعالى.
ج ـ صفة الرضا: قال تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة :119] .
د ـ صفة المحبة: قال تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة :54] .
هـ صفة الغضب: قال تعالى: {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} [النساء :93] .
و ـ صفة السخط: قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ} [محمد :28] .
ز ـ صفة الكراهة: قال تعالى: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ} [التوبة :46] .
فصفةُ الرضا، والمحبةِ، والغضبِ، والسخطِ، والكراهةِ: صفاتٌ ثابتةٌ لله عزّ وجلّ، من غير تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ولا تكييف ولا تمثيلٍ، فهي على ما يليقُ به عزّ وجلّ، وكذلك صفةُ الغيرةِ، والفرحِ، والضحكِ، فقد جاء ذكرُها في أحاديثَ نبويةٍ صحيحةٍ.
يمكنكم تحميل كتاب سلسلة أركان الإيمان (1)
كتاب الإيمان بالله
من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book174.pdf