الإثنين

1446-10-30

|

2025-4-28

عصمة النبي صلى الله عليه وسلم (3)

الحلقة: الثامنة عشر

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

ذو القعدة 1441 ه/ يونيو 2020

أ ـ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالبقاء مع المؤمنين المستضعفين:
قال تعالى: {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ *} [الانعام : 52].
ففي هذه الايةِ تحذيرٌ له صلى الله عليه وسلم على إجابة كفّار قريش في طرد المؤمنين المستضعفين، وليس فيها ما يدلّ على أنّه طردهم فعلاً ، وإنّما هو عرضٌ عرضه المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء التنبيه من الله والتحذير من فعله.
روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة نفر ، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء ، لا يجترئون علينا ، قال: وكنتُ أنا وابن مسعود ، ورجل من هُذيل ، وبلال ، ورجلان لستُ أسميهما ، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع ، فحدَّث نفسه ، فأنزل الله عز وجل قوله: {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الانعام : 52].
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: مرَّ الملأ من قريش برسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنده خبَّاب وصُهيب وبلال وعمّار ، وغيرهم من ضُعفاء المسلمين ، فقالوا: يا محمد ، أرضيتَ بهؤلاء من قومك؟ اطردهم فلعلّك إنْ طردتهم أن نتبعك ، فأنزل الله تعالى قوله: {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الانعام : 52].
وبعدما نهى الله رسوله صلى الله عليه وسلم عن الاستجابة لطلب المشركين بطرد المؤمنين أمره أن يكرمَ المؤمنين إكراماً اخر ، وذلك بأن يبادرهم بالسؤال عندما يجيئون إليه ، ويبشّرهم برضا الله عنهم ، ومغفرته لهم ، ورحمته بهم ، ليزدادوا عبادةً لله ، ونشاطاً في طاعته ، ويكثروا من التوبة والاستغفار ، قال تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ *} [الانعام : 54].
فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يرتكبْ خطأً ، لأنه لم يوافق الكفّار المشركين على طلبهم ، ولم يطرد المستضعفين من مجلسه ، وكل ما في الأمر أنّ نفسه حدَّثته بشيء ، ووقع في قلبه ما شاء الله أن يقع ، كما قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، ولعلّه مال إلى الموافقة على طلبهم لحرصه على إيمانهم ، ولكنّ الله تداركه ، فأنزل الله عليه الايات
المذكورة من سورة الأنعام ، لتنهاه عن ذلك ، وأكّدها بايات من سورة الكهف ، قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا *} [ الكهف: 28] لقد شاء الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم الأفضل والأكمل وأرشده إليه ، فالتزامه صلى الله عليه وسلم مقرِّراً الميزان الرباني الصحيح في التكريم والتفضيل ، وهو قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات : 13].
وقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله لا ينظرُ إلى صوركم وأموالِكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم».
ب ـ زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش رضي الله عنها:
قال تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الاحزاب : 37].
يحلو لبعض الناس أن يثيروا بعضَ الشبهات حولَ زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينبَ رضي الله عنها ، التي كانت عند مولاه ومتبناه زيد بن حارثة ، وأن يقيموا زوبعةً من الزوابع الهوج حول عصمته صلى الله عليه وسلم ، فقد زعموا أنّ محمداً رأى زينبَ فأحبها ، ثم كتم هذا الحبَّ ، ثم بعد ذلك أظهره ، ورَغِبَ في زينب ، فطلّقها زوجُها زيدٌ ، وتزوّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وزعموا أنّ العتاب في الاية لكتمان هذا الحب.
وكذبوا بعضَ الأكاذيب الأثيمة ، فزعموا أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ ببيت زيدٍ وهو غائبٌ ، فرأى زينبَ ، فوقع منها في قلبه شيءٌ ، فقال: سبحان مقلِّب القلوب فسمعت زينبُ التسبيحةَ ، فنقلتها إلى زيدٍ ، فوقع في قلبه أن يطلّقها ، حتى يتزوّجَ بها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى غير ما هنالك من المزاعم الباطلة ، التي تلقّفها المستشرقون ومَنْ على شاكلتهم ، وأباحوا لأنفسهم الخوضَ في الأعراض ، والتكلّم في حق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، وتصويره بصورة يترفّع عنها كثيرٌ من الناس ، وكان سندهم في ذلك بعضَ الروايات الإسرائيلية ، التي دُسَّتْ في كتب التفسير، وهي رواياتٌ باطلةٌ لم يصحَّ منها شيء ، كما قال: (أبو بكر بن العربي):
فلا حجّة لمن ذهبَ هذا المذهبَ ، وفسَّرَ الايات بما لا يليقُ بمنصب النبوة ولا بالعصمة من المتقدّمين من المفسرين ، الذين اعتمدوا على روايات ضعيفة وأسانيد واهية ، اتخذت فيما بعد لضجيجٍ أهوج ، وصيحاتٍ هسترية ، تطعنُ في السنة النبوية وأهلِها من أعدائها ، وترمي بالنقيصةِ وعدم العصمةِ أكمل الناس خُلقاً وأحمدهم سيرة.
ولا حجَّةَ لهم في التعلّق بظاهر الاية ، ولا بالاراء التي قيلت في تأويلها ، ولا سند لها ، بل هي باطلةٌ لوجوه:
الوجه الأول: أنه ليس في الاية ما يدلُّ على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صدر منه في هذه الواقعة مذمةٌ ، ولا عاتبه الله على شيءٍ منه ، ولا ذكر أنه عصى أو أخطأ ، ولا ذكرَ استغفار النبيِّ صلى الله عليه وسلم منه ، ولا أنه اعترفَ على نفسه مخطئاً ، وأنّه لو صدرت عنه زلةٌ لوجِدَ من ذلك شيء.
الوجه الثاني: أنه ذكر في القصة بصريح القران الكريم {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} [الاحزاب : 38]. ونُفي الحرج عن النبي صلى الله عليه وسلم تصريحٌ بأنه لم يصدر منه ذنب البتة ، كما أنّ نفيَ الحرج ردٌّ على مَنْ توهّم من المنافقين نقصاً في تزوجه صلى الله عليه وسلم امرأة زيدٍ مولاه ودعيّه الذي كان قد تبناه.
الوجه الثالث: أنه تعالى ذكر الحكمةَ والعلّةَ مِنْ زواجه صلى الله عليه وسلم من زينبَ رضي الله عنها بقوله: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَي لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} [الاحزاب : 37].
الوجه الرابع: قوله تعالى: {زَوَّجْنَاكَهَا} ، ولو حصل في ذلك سوءٌ لكان قدحاً في الله تعالى ، وهو ما يؤكد أنه لم يصدرْ منه صلى الله عليه وسلم ذنبٌ البتة في هذه القصة.
الوجه الخامس: أنّه لو كان ما زعموه صحيحاً، لكان قوله صلى الله عليه وسلم لزيدٍ كما حكى القران الكريم: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} [الاحزاب : 37] ، نفاقاً ، لأنّه أظهرَ بلسانه خلافَ ما يضمِرُه في نفسه ، لكنّ الله عزّ وجلّ عصم نبيّه صلى الله عليه وسلم من ذلك.
الوجه السادس: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يكن يرى زينبَ للمرة الأولى ، فهي بنتُ عمته ، ولقد شاهدها منذُ ولدت ، وحتى أصبحت شابةً ، أي شاهدها مرّاتٍ عديدة ، فلم تكن رؤيته لها مفاجأةً ، كما تصوّرُ القصة الكاذبة ، ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمِلُ أيَّ ميلٍ نحو زينب رضي الله عنها لتقدّم لزواجها ، وقد كان هذا أملُها وأملُ أخيها حين جاء صلى الله عليه وسلم يخطبها منه ، فلمّا صرح لهما أنه يخطبها لزيد ، أبيا ، فأنزل الله تعالى: {يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الاحزاب : 36] ، فقالا: رضينا بأمر الله ورسوله ، وكانت هذه الاية توطئةً وتمهيداً لما ستقرّره الاياتُ التاليةُ لها من حكم شرعي يجبُ على المؤمنين الانضياعُ له ، وامتثالُه ، والعملُ به ، وتقبله بنفس راضية ، وقلب مطمئن وتسليم كامل.
الوجه السابع: أنّ ما أخفاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأبداه الله تعالى هو: أمرُهُ بزواج زينب ، ليبطلَ حكمَ التبنّي ، هذا ما صرّحت به الايةُ لا شيءَ اخر غيره ، قال تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَي لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} [الاحزاب : 37].
فكيف يعدلون عن تصريح القران الكريم إلى رواياتٍ لا زمامَ لها ولا خِطامَ ، وليس في هذا الإخفاءِ ما يعابُ عليه صلى الله عليه وسلم أصلاً ، وإلاّ لكان ذنباً تجبُ منه التوبة؟ وليس في الاية الكريمة ما يشعِرُ بشيءٍ من ذلك ، وعليه فالإخفاء هو غايةُ العقل وعينُ الكمال ، لأنّ ذلك إنّما كان سِرّاً بينه وبين خالقه عزّ وجلّ ، لم يأمره بإذاعته قبل أوانه ، فكتمانه في الحقيقة ، قبل مجيء وقته هو الكمال الذي لا ينبغي غيره.
ويوضّحُ هذا ويبينه ما وقع منه في قصّة عائشة رضي الله عنها ، حين أتاه جبريل عليه السلام ، قبل أن يتزوّجها بأمدٍ بعيدٍ ، بصورتها على ثوب من حرير ، وقال له: هذه (امرأتك) ، وقد عرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيناً ، ولم يشك في أنّها ستكونُ من أزواجه الطاهرات ، ومع ذلك فقد ترك هذا الأمرَ سرّاً مكتوماً بينه وبين ربه ، وقال: «إنْ يكُ هذا مِنْ عندِ اللهِ يُمْضِهِ». أي إنه من الله ولابدّ ، فلأتركه إلى أن يجيءَ وقته الموعود ، فلما جاء هذا الوقت أظهره الله تعالى ، وتمَّ ما أراد عز وجل.
وهنا نصلُ إلى أصحِّ المحامل في قصّة زينب رضي الله عنها ، وهو أنّ الله تعالى قد أعلمَ نبيّه صلى الله عليه وسلم أنها ستكونُ من أزواجه ، فلمّا شكاها له زيدٌ ، وشاوره في طلاقها ، ومفارقتها ، قال له على سبيل النصيحة والموعظة الخالصة: «أمسكْ عليكَ زوجَكَ ، واتّق الله» أي واتّق اللهَ في شكواك منها ، واتهامك لها بسوءِ الخُلق ، والترفع عليك ، لأنه شكا منها ذلك.
وأخفى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه ما كان أعلمه الله به من أنّه سيتزوجها ، ممّا اللهُ مبديه ومظهره بتمام التزويج وطلاق زيد لها.
ويصحِّحُ هذا قولُ المفسرين في قوله تعالى بعد هذا: أي: لابدّ أن {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً *} ، ويوضّحُ هذا أيضاً أنّ الله تعالى لم يبدِ من أمره صلى الله عليه وسلم معها غيرَ زواجه لها، فدلَّ على أنّه هو الذي أخفاه صلى الله عليه وسلم ممّا كان أعلمه به ربه عز وجل.
وبهذا القول الذي تعطيه التلاوةُ من أنّ الذي أخفاه النبي صلى الله عليه وسلم:هو إعلامُ الله له أنّها ستكونُ لها زوجةٌ له بعد طلاقها من زيدٍ ، قال به جمهورُ السلف ، والمحققون من أهل التفسير والعلماء الراسخون كابن العربي والقرطبي، والقاضي عياض، والقسطلاني في (المواهب) والزُّرقاني في (شرحها) ، وغيرهم ممن يعنون بفهم الايات القرانية وفقهها ، وتنزيه الرسل عمّا لا يليقُ بهم من الروايات البعيدة عن منطق الحق والواقع.
إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يقدّمْ خشيةَ الناس على خشية الله ، لأنَّ الله لم يكلّفه بعمل شيءٍ فتركه ولم ينفذه لأنَّه يخشى الناسَ ، ولمّا أمره الله بالزواج بزينب نفّذ أمرَ الله ، ولو لم يفعل ذلك خوفاً من كلام الناس ـ وحاشاه أن يفعل ـ لقيل: كان يخشى الناسَ أكثر من خشيته لله ، فلامه وعاتبه ، وقال له: عليك أن تخشى الله أكثر من خشيةِ الناس ، لأنّه أحق أن تخشاه.
روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: لو كان محمّدٌ صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً مما أُنزل عليه لكتم هذه الاية:
{ وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وانعمت عليه أمسك عليك زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الاحزاب : 37].
وكان الحقّ هو أنّ هذا الزواجَ كان امتحاناً في أوله لزينب وأخيها ، حيث اُكرهتْ على قبولِ زيدٍ ، وفي النهاية كان امتحاناً قاسياً للنبي صلى الله عليه وسلم حيث يؤمر به ، ويعلم نهايته ، وزينب تحت مولاه زيد ، والحكمة كما نطق القران هو تحطيمُ مبدأٍ كان معمولاً به ، ومشهوراً عند العرب ، هو (تحريم زواج امرأة الابن من التبني) كتحريمها إذا كان الابنُ من النسب {لِكَي لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} [الاحزاب : 38].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمُ أنَّ زيداً وزينبَ لن يتفقا ، لأنَّ الله أخبره بذلك ، كما أخبره أنّه سييتزوّجها هو بعد تطليق زيدٍ لها ، وكان يُخفي هذا الخبرَ في نفسه ، مع يقينه أنّ الله سيبديه ويظهره في حينه ، وسببُ إخفائه له أنه كان يخشى ويتحرّج من كلام الناس ، وشبهات المنافقين ، حيث سيقولون: تزوَّج محمّدٌ امرأة ابنه ، وعليه صلى الله عليه وسلم أنْ لا يخشى الناسَ ، لأن الله هو الأحقُّ أن تخشـاه.
ولم يُخطأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في موقفـه ، ولم يفعلْ ما يعاتَبُ فيه أو يلامُ عليه ، ولذلك لم يفعل ما يعاتبه الله في قوله له: لأنه ليس فيه {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} يُلامُ عليه ، لأنّ الله لم يأمره أن يخبرَ الناسَ ، ويظهرَ لهم ما أخبره الله به ، من أنّه سيتزوّج زينب بعد تطليقها رضي الله عنها ، فتزوجها صلى الله عليه وسلم ، لأنّ الله هو الذي أمره بذلك فما في الاية هو إخبارٌ من الله عن موقف النبيِّ صلى الله عليه وسلم من الحادثةِ ، وكان موقفه سليماً صحيحاً والله أعلم.

يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب:
الإيمان بالرسل والرسالات
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book94(1).pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022