الإثنين

1446-10-30

|

2025-4-28

خصائص الأنبياء

الحلقة: الرابعة والعشرون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

ذو القعدة 1441 ه/ يوليو 2020

الأنبياءُ عليهم الصلاة والسلام هم صفوةُ البشر وسادتهم ، وهم من بني ادم ، لهم خصائص البشر وصفاتهم ، لا يخرجون عن صفاتهم البشرية ، ولكنّ الله عزّ وجلّ اصطفاهم ، وأنعم عليهم باختيارهم رسلاً إلى الناس ، وخصّهم لذلك ببعض الخصائص والصفات ، التي لا يشترِكُ معهم بقيةُ البشر فيها ، وهذه الخصائص لا تخرِجُهم عن بشريتهم وعبوديتهم لله عز وجل ، قال تعالى على لسان بعض رسله في مجادلتهم لأقوامهم: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأَتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ *} [ابراهيم : 11].
ومن أهم خصائص الأنبياء:
1 ـ اصطفاؤهم بالوحي والرسالة:
قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ *} [الحج : 75]. وقال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف : 110].
2 ـ تنام أعينهم ، ولا تنام قلوبهم:
عن أنس رضي الله عنه في حديث الإسراء: «والنبيُّ نائمةٌ عيناه ، ولا ينام قلبُه ، وكذلك الأنبياء تنامُ أعينهم ، ولا تنام قلوبهم».
وقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنا معاشرَ الأنبياءِ ، تنامُ أعيُننا ، ولا تنامُ قلوبُنا».
3 ـ تخييرهم عند الموت:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما مِنْ نبيٍّ يمرَضُ إلاّ خُيِّرَ بين الدُّنيا والاخرة».
وسُمع النبي صلى الله عليه وسلم في شكواه التي قُبِضَ فيها يقول: «مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين».
4 ـ يقبر النبيُّ حيثُ يموت:
صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم قوله: «لم يُقْبَرْ نبيٌّ إلاّ حيثُ يموتُ» ، ولهذا فإنّ الصحابةَ رضي الله عنهم دفنوا الرسول صلى الله عليه وسلم في حُجرةِ عائشة رضي الله عنها حيثُ قُبِضَ.
5 ـ لا تأكل الأرض أجسادَهم:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله حرّمَ على الأرضِ أن تأكلَ أجسادَ الأنبياء».
6 ـ أحياءٌ في قبورهم:
صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «الأنبياء أحياءٌ في قبورهم يصلّون».
كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مررتُ على موسى ليلةَ أُسرِيَ بي عند الكثيبِ الأحمرِ، وهو قائمٌ يصلّي في قبره».
أمّا عن كيفية هذه الحياة ، فهذا أمرٌ غيبي ، لا مجال للعقل فيه ، فما دام أنه صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجبُ الإيمانُ من غيرِ تكييفٍ ، ولكنْ مع إيماننا بأنَّها حياةٌ برزخيةٌ ليست كحياتهم التي عاشوها في الدنيا ، فلا يجوزُ سؤالهم في قبورهم ، ولا طلب المدّدِ منهم ، فإنّهم لا ينفعون ولا يضرون ، قال تعالى: {وَلاَ تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنْفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ *} [يونس: 106].
7 ـ لا يورثون بعد موتهم:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّا معشرَ الأنبياءِ لا نُوْرَثُ ، وما تركتُ بعدَ مؤنةِ عاملي ونفقةِ نسائي صدقة».
والروايات التي عند البخاري ومسلم ليس فيها «إنا معشر الأنبياء» وإنما هي بلفظ «لا نُوْرَثُ ما تركنا صدقةٌ».
8 ـ إعداد الله لهم وتهيئتهم لرسالته:
لقد أكرم الله عزّ وجل أنبياءَه ورسله ، وخصّهم بمزيد عنايةٍ وتوفيقٍ وأخلاقٍ عاليةٍ ، لم تكتمل لغيرهم من البشر ، وذلك لتهيئتهم لقيادة الأمم ، وسياسة الشعوب ، فخصّهم الله بأخلاقٍ ساميةٍ ، وادابٍ عاليةٍ ، وحكمةٍ بالغةٍ ، وعزائمَ ، وعقيدةٍ صحيحة.
ولنأخذ مثالاً على ذلك عناية الله عز وجل بنبيه موسى عليه السلام ، وتهيئته للرسالة قبل إرساله ، وتأييده له بعدها ، حيث يقول عز وجل: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي *} [طه : 39].
فحياةُ موسى عليه السلام كلُّها عظاتٌ ، واياتٌ بينات على سنته تعالى في إعداد أنبيائه قبل الرسالة فمنها:
* أنّ الله سبحانه جعل نجاته ممّا أصاب غيره من أبناء قومه فيما يراه الناسُ دماراً ، وإلقاءً بالنفس إلى التهلكة: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ *}[القصص: 7 ـ 8].
* أن الله سبحانه كتبَ لموسى حياةً سعيدةً في بيتِ مَنْ يُخشى عليه منهم ، فعاش بين أظهرهم عيشةَ الملوك ، قال تعالى: {وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ *} [القصص : 9].
* أنّ الله حرّمَ عليه تحريماً كونياً أن يَرْضَعَ من امرأةٍ سوى أمه ، فكان ذلك فيما يرى الناسُ بلاءً أحاط به ، وهو في نفس الأمر لطفٌ من الله ورحمة بموسى ليرجِعَه إلى أمه ، وهم لا يشعرون ، فاجتمعت له السلامةُ والنجاةُ ، وعطفُ الأمهات ، وعزُّ الملوك {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ * فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ *}[القصص: 12 ـ 13].
وهنـاك سلسلة أخرى من حياة موسى قبل الرسالة تضمّنت الكثيرَ مما حباه الله به من العلم والحكمة ، والمروءة والنجدة ، ونصر المظلوم ، والأخذ على يد الظالم ، والعطف على الضعيف ، وقوة الإيمـان بالله ، والصدق في الالتجـاء إلـيـه ، والتوكل عليـه ، والـتواضع مع عزّة الـنفس ، وغير ذلك مكـارم الأخلاق التي يُعدّ الله بها مَنْ يختارُه للرسالة ، وقيادة الأمم ، وتلخيص ذلك فيما يلي:
* حفظ الله على موسى صفاءَ روحهِ ، وسلامةَ فطرته ، فمع أنه عاش في أوساط ظلم وطغيان ، لم يتأثّر بما يتأثّر به مَنْ قضى الأيام الأولى من حياته في بيئةٍ استشرى فيها الفسادُ ، وطبعت بطابع الجبروت والاستبداد ، ولم يصبه ما يصاب به أبناء الوجهاء ، ومن يتقلب في النعمة ورغد العيش غالباً: من الجهل والاستهتار ، أو الرخاوة والخلاعة والمجون ، بل صانه الله عن كلِّ ما يشينه ، واتاه العلم النافع ، والحكمة البالغة ، وسداد الرأي ، كما حفظ عليه نعمته من قبلُ في بدنه {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ *} [القصص : 14].
* جبل الله نبيه موسى عليه السلام على الحزم ، والأخذ بالقوة في نصرة المظلوم ، فيتجلَّى ذلك من الخصومة التي كانت بين رجل من بني إسرائيل واخر مصري ، وإنصافه للمظلوم.
كما طبعه الله على الرفق بالضعيف ، والعطف عليه ، ومدّ يدِ المعونة إليه ، يتبيّن ذلك فيما كان منه من النجدة حينما وردَ ماءَ مدين ، فوجد عليه أُمّةً من الناس يسقون ، ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال: ما خطبكما؟ قالتا: لا نسقي حتى يصدرَ الرِّعاء وأبونا شيخ شيخ كبير ، فسقى لهما ، فجمع له بين شدة البطش بالظالمين ، وكمال الرفق بالمستضعفين.
* كان من اثار عناية الله بموسى عليه السلام ورعايته له أن قوّى فيه الوعيَ الدينيَّ ، واستحكمت فيه الصلةُ بينه وبين ربِّه ، فأحبَّ ما يحبه الله من العدل والإنصاف ، وكره ما يبغضه الله من الظلم والعدوان ، لذلك فزع إلى ربه ، واعترف بظلمه لنفسه حينما قضى المصري نحبَه من وكزته ، وأسرع في الأوبة إليه مِنْ ذنبه ، فغفر الله له ، فأخذ على نفسه عهداً ألا يكون ظهيراً للمجرمين ، شكراً لله على نعمته ، ووفاء له بما غفر من ذنبه {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ *قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ *} [القصص : 16 ـ 17].
* فاض قلبُه إيماناً بالله ، وعظمت ثقته به ، وتوكله عليه ، فقصد إليه وحده في غربته وحيرته رجاءَ أن يهديه سواء السبيل {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ *} [القصص : 22].
ولما اشتدّت به الحاجةُ ، وأخذ منه الجوعُ مأخذه توجّه إلى ربه ، وسأله من فضله ، وأبت عليه عزّةُ نفسه أن يشكوَ حاجته لغير ربه ، أو يُعرِّض لمن سقى لهما بطلب الأجر {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ *} [القصص : 24].
وقد استجاب الله دعاءه ، وهيأ له بيئةً صالحةً يحيا فيها حياةً طيبةً ، فقد عرض عليه الرجل الصالح ـ لما عرف عنه من القوة والأمانة ـ أن يزوّجَه إحدى ابنتيه ، على أن يرعى له الغنم ثمانيَ حجج ، فإنْ أتمَّ عشراً كان ذلك مكرمة منه ، فالتزم موسى بذلك ، ولم يمنعه ما كان فيه أولاً من رغد العيش وحياة الملوك أن يكون أجيراً يأكلُ ويتزوَّجُ من كسب يده ، وأشهد ربَّه على ذلك {قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ *} [القصص: 28] وقد ثبت أنّه أتمَّ أبعدَ الأجلين ، فدل على أنه طُبِعَ على حبِّ الخير ، وفعلِ المعروف.

يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب:
الإيمان بالرسل والرسالات
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book94(1).pdf

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022