استشهاد عثمان رضي الله عنه
الحلقة السادسة والخمسون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
جمادى الأولى 1441 ه/ يناير 2020 م
وفضلاً عن تحرُّك جيوش الأمصار منها لنجدة الخليفة ، فقد كانت أيَّام الحج تنقضي سريعاً ، وتوشك جماعاتٌ من هؤلاء أن تزحف إلى المدينة لنجدة الخليفة ، وبخاصَّةٍ مع وجود عبد الله بن عبَّاس ، وعائشة ، وغيرهما من المدافعين عن عثمان ، وقدمت الأخبار إلى المتمرِّدين بأنَّ أهل الموسم يريدون نصرة عثمان ، فلمَّا أتاهم ذلك مع ما بلغهم من نفور أهل الأمصار إليهم أعلقهم الشيطان ، وقالوا : لا يُخرجنا ممَّا وقعنا فيه إلا قتل هذا الرَّجل فيشتغل بذلك النَّاس عنَّا.
1ـ اخر أيَّام الحصار وفيه الرُّؤيا :
وفي آخر أيَّام الحصار ـ وهو اليوم الّذي قتل فيه ـ نام رضي الله عنه ، فأصبح يحدِّث النَّاس : ليقتلني القوم، ثمَّ قال : رأيت النَّبيّ (ص) في المنام ، ومعه أبو بكر ، وعمر ، فقال النَّبيّ (ص) : يا عثمان ! أفطر عندنا . فأصبح صائماً ، وقتل من يومه.
2ـ صفة قتله :
هاجم المتمرِّدون الدَّار ، فتصدَّى لهم الحسن بن عليٍّ ، وعبد الله بن الزُّبير ، ومحمَّد بن طلحة ، ومروان بن الحكم ، وسعيد بن العاص ، ومن كان من أبناء الصَّحابة أقام معهم ، فنشب القتال فناداهم عثمان : الله ! الله ! أنتم في حلٍّ من نصرتي، فأبوا ، ودخل غلمانُ عثمان لينصروه ، فأمرهم ألا يفعلوا ، بل إنَّه أعلن : أنَّه مَنْ كف يده منهم ؛ فهو حرٌّ ، وقال عثمان في وضوحٍ ، وإصرارٍ ، وحسم ـ وهو الخليفة الّذي تجب طاعته : أعزم على كلِّ من رأى : أنَّ عليه سمعاً ، وطاعةً إلا كفَّ يده ، وسلاحه، ولا تبرير لذلك إلا بأنَّ عثمان كان واثقاً من استشهاده بشهادة النَّبيّ (ص) له بذلك ؛ ولذلك أراد ألا تراق بسببه الدِّماء ، وتقوم بسببه فتنةٌ بين المسلمين.
وكان المغيرة بن الأخنس بن شريق فيمن حجَّ ، ثمَّ تعجل في نفرٍ حجُّوا معه ، فأدرك عثمان قبل أن يقتل ، ودخل الدَّار يحمي عنه ، وقال : ما عذرنا عند الله إن تركناك ، ونحن نستطيع ألا ندعهم حتَّى نموت ؟ فأقدم المتمرِّدون على حرب الباب والسَّقيفة ، فثار أهل الدَّار وعثمان يصلِّي حتى منعوهم ، وقاتل المغيرة بن الأخنس، والحسن بن عليٍّ ، ومحمد بن طلحة ، وسعيد بن العاص ، ومروان بن الحكم ، وأبو هريرة ، فأبلوا أحسن البلاء ، وعثمان يرسل إليهم في الانصراف دون قتالٍ ، ثمَّ ينتقل إلى صلاته ، فاستفتح قوله تعالى : {طه *مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى *إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى *} [طه : 1ـ3 ] .
وكان سريع القراءة فما أزعجه ما سمع، ومضى في قراءته ما يخطأى، وما يتعتع، حتَّى إذا أتى إلى نهايتها قبل أن يصلوا إليه ثمَّ عاد ، فجلس ، وقرأ : {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ *} [آل عمران: 137].
وأصيب يومئذٍ أربعة من شبَّان قريشٍ ، وهم : الحسن بن عليٍّ ، وعبد الله بن الزُّبير ، ومحمَّد بن حاطب ، ومروان بن الحكم، وقتل المغيرة بن الأخنس ، ونيار بن عبد الله الأسلميُّ ، وزياد الفهريُّ ، واستطاع عثمان أن يقنع المدافعين عنه ، وألزمهم بالخروج من الدَّار ، وخُلِّي بينه وبين المحاصرين ، فلم يبق في الدَّار إلا عثمان ، واله ، وليس بينه وبين المحاصرين مدافعٌ ، ولا حام من النَّاس ، وفتح رضي الله عنه باب الدَّار .
وبعد أن خرج مَنْ في الدَّار ممَّن كان يريد الدِّفاع عنه ، نشر رضي الله عنه المصحف بين يديه ، وأخذ يقرأ منه وكان إذ ذاك صائماً ، فإذا برجلٍ من المحاصرين ـ لم تسمِّه الرِّوايات ـ يدخل عليه ، فلمَّا راه عثمان رضي الله عنه قال له : بيني وبينك كتاب الله ، فخرج الرَّجل ، وتركه . وما إن ولَّى حتى دخل اخر، وهو رجلٌ من بني سدوس ، يقال له : الموت الأسود ، فخنقه قبل أن يضربه بالسَّيف ، فقال : والله ما رأيت شيئاً ألين من خنقه ، لقد خنقته حتَّى رأيت نفسه مثل الجانِّ ، تردَّد في جسده ، ثم أهوى إليه بالسَّيف ، فاتَّقاه عثمان رضي الله عنه بيده فقطعها ، فقال عثمان : أما والله إنَّها لأول كفٍّ خطَّت المفصَّل، وذلك أنَّه كان من كتبة الوحي ، وهو أوَّل من كتب المصحف من إملاء رسول الله (ص) ، فقتل رضي الله عنه والمصحف بين يديه، وعلى أثر قطع اليد انتضح الدَّم على المصحف الّذي كان بين يديه يقرأ منه ، وسقط على قوله تعالى : {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ *} [البقرة : 137 ] .
وفي روايةٍ : إنَّ أوَّل من ضربه رجلٌ يسمَّى رومان اليمانيَّ ، ضربه بصولجان، ولما دخلوا عليه ليقتلوه أنشد قائلاً :
أَرَى الْمَوتَ لاَ يُبْقِي عزِيْزاً وَلَمْ يَدَعْ لِعَادٍ مَلاذاً في الْبِلادِ وَمُرْتَقَى
وقال أيضاً :
يَبِيْتُ أَهْلُ الحِصْنِ وَالْحِصْنُ مُغْلَقٌ وَيَأْتِي الجِبَالَ فِي شَمَارِيْخِهَا العُلَى
ولمَّا أحاطوا به ، قالت امرأته نائلة بنت الفرافصة : إن تقتلوه ، أو تدعوه ، فقد كان يحيي اللَّيل بركعةٍ ، يجمع فيها القران وقد دافعت نائلة عن زوجها عثمان، وانكبت عليه ، واتَّقت السَّيف بيدها ، فتعمَّدها سودان بن حمران ، ونضح أصابعها، فقطع أصابع يدها ، وولَّت ، فغمز أوراكها .
ولمَّا رأى أحد غلمان عثمان رضي الله عنه الأمر ؛ راعه قتل عثمان رضي الله عنه ، وكان يسمَّى ( نجيح ) فهجم نجيحٌ على سودان بن حمران ، فقتله ، ولمَّا رأى قتيرة بن فلان السَّكونيُّ نجيحاً قد قتل سودان ، هجم على نجيحٍ فقتله ، وهجم غلام اخر لعثمان رضي الله عنه اسمه ( صبيح ) على قتيرة بن فلانٍ فقتله ، فصار في البيت أربعة قتلى ، شهيدان ، ومجرمان ، وأمَّا الشهيدان : فعثمان رضي الله عنه ، وغلامه نجيح ، وأمَّا المجرمان ، فسودان ، وقتيرة السَّكونيَّان ، ولما تمَّ قتل عثمان رضي الله عنه نادى منادي القوم السَّبئيِّين قائلاً : إنَّه لم يحلَّ لنا دم الرَّجل ويحرم علينا ماله ، ألا إنَّ ماله حلال لنا ، فانهبوا ما في البيت ، فعاث رعاع السَّبئيِّين في البيت فساداً ، ونهبوا كلَّ ما في البيت ، حتَّى نهبوا ما على النِّساء ، وهجم أحد السَّبئيِّين ، ويُدعى كلثوم التَّجيبي على امرأة عثمان رضي الله عنه نائلة رضي الله عنها ونهب الملاءة الّتي عليها ، ثمَّ غمز ورْكَها ، وقال لها : ويح أمّك من عجيزة ما أتمَّك ! فراه غلام عثمان رضي الله عنه ( صبيح ) وسمعه ، وهو يتكلَّم في حقِّ نائلة هذا الكلام الفاحش، فعلاه بالسَّيف فقتله . وهجم أحد السَّبئيِّين على الغلام فقتله .
وبعدما أتمَّ السَّبئيُّون نهب دار عثمان ، تنادوا ، وقالوا : أدركوا بيت المال ، وإيَّاكم أن يسبقكم أحدٌ إليه ، وخذوا ما فيه ، وسمع حرَّاس بيت المال أصواتهم ، ولم يكن فيه إلا غرارتان من طعام فقالوا : انجوا بأنفسكم فإن القوم يريدون الدُّنيا ، واقتحم السَّبئيُّون بيت المال ، وانتهبوا ما فيه .
حقَّق الخوارج السَّبئيُّون مرادهم ، وقتلوا أمير المؤمنين ، وتوقَّف كثير من أتباعهم من الرُّعاع والغوغاء بعد قتل عثمان ؛ ليفكِّروا ، وما كانوا يظنُّون : أنَّ الأمر سينتهي بهم إلى قتله ، لقد استغفلهم شياطينهم السَّبئيُّون ، واستغلُّوهم في الشَّغب على عثمان ، أمَّا أن يقتلوه فهذا ما استفظعوه ، واستشنعوه ، وأُسقط في أيدي هؤلاء الغوغاء ، وحصل لهم كما حصل لبني إسرائيل ، لما عبدوا العجل ، ندم بعضهم ، كما قال الله تعالى : {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ * وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ *} [الأعراف: 148 ـ 149 ] .
وحزن الصَّالحون في المدينة لمقتل خليفتهم ، وصاروا يسترجعون ، ويبكون ، لكن ماذا يفعلون ؟ وجيوش الخوارج السَّبئيِّين تحتلُّ المدينة ، وتعيث فيها فساداً ، وتمنع أهلها من فعل أيِّ شيءٍ ؟ وكان الحاكم الفعليُّ للمدينة هو أمير خوارج مصر ( الغافقيُّ بن حرب العكيُّ ) وكان معهم شيطانهم المخطط ( عبد الله بن سبأ ) وهو فرحٌ مسرورٌ لما وصل إليه من أهدافٍ ، ومارب يهوديَّة شيطانيَّةٍ ، وعلَّق كبار الصَّحابة على مقتل عثمان.
أ ـ الزُّبير بن العوَّام رضي الله عنه لمَّا علم بمقتل عثمان ؛ قال : رحم الله عثمان! إنَّا لله ، وإنَّا إليه راجعون ! فقيل له : إن القوم نادمون . فقال : دبَّروا ، ودبَّروا ، ولكن كما قال الله تعالى : {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ *} [سبأ : 54 ] .
ب ـ طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه لمَّا علم بمقتل عثمان ؛ قال : رحم الله عثمان ! إنَّا لله ، وإنَّا إليه راجعون ! فقيل له : إن القوم نادمون . قال : تبّاً لهم ! وقرأ قوله تعالى : {مَا يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ *فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ *} [يس : 49ـ50 ] .
جـ عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه لمَّا علم بمقتل عثمان؛ قال: رحم الله عثمان! إنَّا لله, وإنَّا إليه راجعون! فقيل له: إن القوم نادمون. فقرأ قوله تعالى: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ *فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ *} [الحشر: 16 ـ 17].
د ـ سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه : ولمَّا علم سعد بن أبي وقَّاص بذلك ، قال: رحم الله عثمان ! ثمَّ تلا قوله تعالى : {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرَينِ أَعْمَالاً *الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا *أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا *} [الكهف : 103 ـ 106 ] .
ثمَّ قال سعد : اللَّهمَّ أندمهم ، واخزهم ، واخذلهم ، ثمَّ خذهم! واستجاب الله دعوة سعد ـ وكان مستجاب الدعوة ـ فقد أخذ كل من شارك في قتل عثمان ، مثل عبد الله بن سبأ ، والغافقيِّ ، والأشتر ، وحكيم بن جبلة ، وكنانة التَّجيبي ، حيثُ قتلوا فيما بعد.
تاريخ قتله، وسنُّه عند استشهاده، وجنازته، والصَّلاة عليه، ودفنه:
1ـ تاريخ قتله :
إنَّ في تحديد السَّنة الّتي قتل فيها عثمان رضي الله عنه شبه إجماع من المؤرِّخين، فلم يقع خلافٌ في أنَّه كان في السَّنة الخامسة بعد الثَّلاثين من الهجرة ، إلا ما رُوي عن مصعب بن عبد الله من أنَّه كان من السَّنة السَّادسة والثَّلاثين وهو قولٌ شاذٌّ مخالفٌ للإجماع ، فمن قال بالقول الأوَّل جمعٌ غفيرٌ ، منهم : عبد الله بن عمرو بن عثمان ، وعامر بن شرحبيل الشَّعبيُّ ، ونافع مولى ابن عمر ، ومخرمة بن سليمان ، وغيرهم كثير، ولم يختلف المؤرِّخون في الشَّهر الّذي قتل فيه ، وأنَّه ذو الحِجَّة ، إلا أنَّه اختُلف في تحديد ما بعد ذلك من اليوم والسَّاعة ، والّذي ترجَّح لديَّ من أقوال العلماء الكثيرة : أنَّه استشهد في ( 18/12/35 هـ ).
وأمَّا عن تحديد اليوم الّذي قتل فيه من أيَّام الأسبوع ففيه ثلاثة أقوال ؛ والّذي ترجَّح لديَّ من هذه الأقوال قول الجمهور ، وهو يوم الجمعة ؛ لأنَّه قول الجمهور ، ولم يخالفه قولٌ أقوى منه، وكان وقت قتله صبيحة يوم الجمعة ، وهو ما ذهب إليه الجمهور ، ولم يخالف بأقوى منه.
2ـ سنُّه عند استشهاده :
اضطربت الرِّوايات في سنِّه عند استشهاده ، والخلاف في ذلك قديمٌ ، حتَّى إنَّ الطَّبريَّ ـ رحمه الله ـ يقول : اختلف السَّلف قبلنا في قدر مدَّة حياته، والّذي أميل إليه أنَّه توفي وسنُّه : اثنتان ، وثمانون ( 82 سنة ) وهو قول الجمهور ويترجَّح هذا القول لعدَّة أسبابٍ ، منها :
أ ـ أنَّ نتيجة مقارنة سنة ولادته مع سنة استشهاده تؤيِّد هذا القول ؛ فإنَّه ولد في السَّنة السَّادسة بعد عام الفيل ، واستشهد في السَّنة الخامسة والثَّلاثين بعد الهجرة ، فَطَرْحُ تاريخ مولده من تاريخ استشهاده يتبيَّن لنا سنُّه عند استشهاده .
ب ـ إنَّه قول الجمهور ، ولم يخالفه قول أقوى منه.
3ـ جنازته والصَّلاة عليه ، ودفنه :
قام نفر من الصَّحابة في يوم قتله بغسله ، وكفَّنوه وحملوه على باب ، ومنهم حكيم بن حزام ، وحويطب بن عبد العزَّى ، وأبو الجهم بن حذيفة ، ونِيار بن مكرم الأسلميُّ، وجبير بن مطعم ، والزُّبير بن العوام ، وعليُّ بن أبي طالب ، وجماعةٌ من أصحابه ، ونسائه ، منهنَّ امرأتاه نائلة ، وأم البنين بنت عتبة بن حصين ، وصبيان ، وصلَّى عليه جبير بن مطعم ، وقيل : الزُّبير بن العوام ، وقيل : حكيم بن حزام ، وقيل : مروان بن الحكم ، وقيل : المسور بن مخرمة، والّذي ترجَّح عندي : أنَّ الّذي صلى عليه الزُّبير بن العوَّام لرواية الإمام أحمد في مسنده ، فقد بيَّنت تلك الرِّواية أنَّ الزبير بن العوَّام رضي الله عنه ، صلَّى على عثمان ، ودفنه ، وكان أوصى إليه.
وقد دُفن رضي الله عنه ليلاً وقد أكَّد ذلك ما رواه ابن سعدٍ ، والذَّهبيُّ حيث ذكرا أنَّه دفن بين المغرب ، والعشاء، رضوان الله عليه ، وأمَّا ما رواه الطَّبرانيُّ من طريق عبد الملك بن الماجشون ، قال : سمعت مالكاً يقول : قتل عثمان رضي الله عنه فأقام مطروحاً على كناسة بني فلان ثلاثاً، فالرِّواية السَّابقة ضعيفٌ سندها ، وباطلٌ متنها ، فأمَّا السَّند ففيه علَّتان :
أ ـ ضعف عبد الملك بن الماجشون الّذي كان يروي المناكير عن الإمام مالكٍ .
ب ـ أن هذه الرِّواية مرسلةٌ حيث إنَّ الإمام مالكاً لم يدرك مقتل عثمان رضي الله عنه لأنه لم يولد إلا سنة 93 هـ.
وأمَّا متن هذه الرِّواية ؛ فباطلٌ ، وفيه يقول ابن حزم : مَنْ قال : إنَّه رضي الله عنه أقام مطروحاً على مزبلةٍ ثلاثة أيَّامٍ فكذبٌ بحتٌ ، وإفكٌ موضوعٌ ، وتوليد مَنْ لا حياء في وجهه ... ولقد أمر رسول الله (ص) برمي أجساد قتلى الكفَّار من قريشٍ يوم بدر في القليب ، وألقى التَّراب عليهم ، وهم شرُّ خلق الله تعالى ، وأمر عليه السَّلام أن يحفر أخاديد لقتلى يهود قريظة ، وهم شرُّ مَنْ وارته الأرض ، فمواراة المؤمن والكافر فرضٌ على المسلمين ، فكيف يجوز لذي حياءٍ في وجهه أن ينسب إلى عليٍّ وهو الإمام، وَمَنْ بالمدينة من الصَّحابة ؛ أنَّهم تركوا رجلاً ميِّتاً بين أظهرهم على مزبلةٍ ثلاثة أيامٍ ، لا يوارونه.
إنَّه لا يدخل في عقل أيِّ إنسانٍ سليمٍ من داء الرَّفض : أنَّهم يتركون إمامهم ملقى دون دفنٍ ثلاثة أيَّام مهما كانت قوة أولئك الفجرة الّذين جاؤوا لحصاره وقتله، فالصَّحابة كما وصفهم ربُّهم لا يخافون في الله لومة لائم، وإنَّما تلك الرِّوايات الّتي شوهت كتب التَّاريخ من دسِّ الرَّوافض.
يمكن النظر في كتاب تيسير الكريم المنَّان في سيرة أمير المؤمنين
عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه، شخصيته وعصره
على الموقع الرسمي للدكتور علي محمّد الصّلابيّ
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/BookC171.pdf