مقتل عثمان بن عفَّان رضي الله عنه
الحلقة التاسعة والأربعون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
7 جمادى الأولى 1441 ه/ 2 يناير 2020 م
ثالثاً : أهل الفتنة يفسدون في مجلس سعيد بن العاص :
في يوم من أيام سنة ثلاث وثلاثين جلس سعيد بن العاص في مجلسه العام ، وحوله عامَّة النَّاس ، وكانوا يتحدَّثون ، ويتناقشون فيما بينهم ، فتسلَّلَ هؤلاء الخوارج من السَّبئيِّين إلى المجلس ، وعملوا على إفساده ، وعلى إشعال نار الفتنة .
جرى كلامٌ وحوار في المجلس بين سعيد بن العاص ، وبين أحد الحضور ، وهو ( خُنيس بن حُبيش الأسديُّ ) ، واختلفا على أمر ، وكان سبعةٌ من الخوارج ، أصحاب الفتنة جالسين ؛ منهم : جندب الأزديُّ ، الّذي قتل ابنه السَّارق بسبب تورطه في قضية قتلٍ ، ومنهم : الأشتر النَّخعيُّ ، وابن الكوَّاء ، وصعصعة بن صوحان ، فاستغلَّ أصحاب الفتنة المناسبة ، وقاموا بضرب خُنَيس الأسديِّ في المجلس ، ولمَّا قام أبوه يساعده ، وينقذه ، ضربوه ، وحاول سعيد منعهم من الضَّرب ، فلم يمتنعوا ، وأُغمي على الرَّجل وابنه من شدَّة الضَّرب ، وجاء بنو أسد للأخذ بثأر أبنائهم ، وكادت الحرب تقع بين الفريقين ، ولكنَّ سعيداً تمكَّن من إصلاح الأمر، ولمَّا علم عثمان بالحادثة ؛ طلب من سعيد بن العاص أن يعالج الموضوع بحكمةٍ ، وأن يضيِّق على الفتنة ما استطاع . ذهب الخوارج المفتونون إلى بيوتهم ، وصاروا ينشرون الإشاعات ، ويُذيعون الافتراءات والأكاذيب ضدَّ سعيدٍ ، وضدَّ عثمان ، وضدَّ أهل الكوفة ، ووجوهها ، فاستاء أهل الكوفة منهم ، وطلبوا من سعيد أن يعاقبهم ، فقال لهم سعيد : إنَّ عثمان قد نهاني عن ذلك ، فإذا أردتم ذلك ؛ فأخبروه ، وكتب أشراف أهل الكوفة ، وصلحاؤهم إلى عثمان بشأن هؤلاء النَّفر ، وطلبوا منه إخراجهم من الكوفة ، ونفيهم عنها ، فهم مفسدون مخرِّبون فيها ، فأمر عثمان واليه سعيد بن العاص بإخراجهم من الكوفة ، وكانوا بضعة عشر رجلاً ، وأرسلهم سعيد إلى معاوية في الشَّام بأمر عثمان ، وكتب عثمان إلى معاوية بشأن هؤلاء ، فقال له : إنَّ أهل الكوفة قد أخرجوا إليك نفراً خلقوا للفتنة ، فَرُعْهُم ، وأَخِفْهم ، وأدِّبهم ، وأقم عليهم ، فإن انست منهم رشداً ، فاقبل منهم. ومن الّذين تمَّ نفيهم إلى الشام ، الأشتر النَّخعيُّ ، وجندب الأزديُّ، وصعصعة بن صوحان ، وكميل بن زياد ، وعمير بن ضابأى ، وابن الكوَّاء.
رابعاً : أهل الفتنة منفيُّون عند معاوية :
لمَّا قدموا على معاوية رحَّب بهم، وأنزلهم كنيسةً تسمَّى مريـم، وأجرى عليهم بأمر عثمان ما كان يُجرى عليهم بالعراق ، وجعل لا يزال يتغدَّى ، ويتعشَّى معهم . فقال لهم يوماً : إنَّكم قوم من العرب لكم أسنان، وألسنةٌ، وقد أدركتم بالإسلام شرفاً، وغلبتم الأمم، وحويتم مراتبهم، ومواريثهم، وقد بلغني أنَّكم نقمتم قريشاً، وإنَّ قريشاً لو لم تكن؛ لعدتم أذلةً كما كنتم.
كان عثمان رضي الله عنه يدرك : أنَّ معاوية للمعضلة ، فله من فصاحته ، وبلاغته ، وله من حلمه ، وصبره ، وله من ذكائه ، ودهائه ما يواجه به الفتن ، ومن أجل ذلك ما إن تقع المعضلة حتَّى يرسلها لابن أبي سفيان كي يحلَّها ، وفعلاً بذل معاوية رضي الله عنه ما بوسعه من أجل إقناع هؤلاء النَّفر : أكرمهم أوَّلاً ، وخالطهم، وجالسهم ، وعرف سرائرهم من خلال هذه المجالسة قبل أن يحكم عليهم بما نُقِلَ عنهم، وبعد أن أزال الوحشة عنهم ، وأزال الكلفة بينه وبينهم ، لاحظ أنَّ النَّعرة القبليَّة هي الّتي تحرِّكهم ، وأنَّ شهوة الحكم والسُّلطة هي الّتي تثيرهم ، فكان لا بدَّ أن يلج عليهم من زاويتين اثنتين :
الأولى : أثر الإسلام في عزَّة العرب .
الثانية : دور قريش في نشر الإسلام ، وتحمُّل أعبائه .
فإن كان للإسلام أثرٌ في تكوينهم ، فلا بدَّ أن يرعَوُوا لهذا الحديث ، بعد هذا وضع أمامهم صورةً لوضع العرب ، وقد انقلبوا بالإسلام أمَّةً واحدةً تخضع لإمامٍ واحدٍ ، وودعوا حياة الفوضى ، وسفك الدِّماء ، والقبليَّة المنتنة.
ويتابع معاوية حديثه معهم ، فيقول : إنَّ أئمَّتكم لكم إلى اليوم جُنَّة فلا تشذوا عن جنَّتكم ، وإن أئمَّتكم اليوم يصبرون لكم على الجور ، ويحتملون منكم المؤونة ، والله لتنتهنَّ أو ليبتلينَّكم الله بمن يسومكم ، ثمَّ لا يحمدكم على الصَّبر ، ثم تكونون شركاءهم فيما جررتم على الرَّعيَّة في حياتكم ، وبعد موتكم ، فقال رجل من القوم : أمَّا ما ذكرت من قريش ، فإنها لم تكن أكثر العرب ، ولا أمنعها في الجاهلية ، فتخوفنا ، وأما ما ذكرت من الجُنَّة ، فإن الجُنَّة إذا اخترقت خلص إلينا . فقال معاوية: عرفتكم الان ، علمت : أنَّ الّذي أغراكم على هذا قلَّة العقول ، وأنت خطيب القوم ، ولا أرى لك عقلاً. أُعْظِم عليك أمر الإسلام ، وأذكِّرك به ، وتذكِّرني الجاهليَّة ؟ وقد وعظتك وتزعم لما يُجنُّك : أنَّه يخترق ، ولا ينسب ما يخترق إلى الجُنَّة ، أخزى الله أقواماً أعظموا أمركم، ورفعوا إلى خليفتكم.
وعرف معاوية أنَّ الإشارة العابرة لن تقنعهم ، لا بدَّ من شرحٍ مسهبٍ لواقع قريش أوَّلاً ، فقال : افقهوا ـ ولا أظنكم تفقهون ـ أنَّ قريشاً لم تعزَّ في جاهليةٍ ولا في إسلام إلا بالله ـ عزَّ وجلَّ ـ ؛ لم تكن أكثر العرب ، ولا أشدَّهم ، ولكنَّهم كانوا أكرمهم أحساباً ، وأمحضهم أنساباً ، وأعظمهم أخطاراً ، وأكملهم مروءةً ، ولم يمتنعوا في الجاهليَّة والناس يأكل بعضهم بعضاً ، إلا بالله الّذي لا يُستَذَل مَنْ أعزَّ ، ولا يوضع مَنْ رفع ، هل تعرفون عرباً ، أو عجماً ، أو سوداً ، أو حمراً إلا قد أصابه الدَّهر في بلده ، وحرمته بدولةٍ ، إلا ما كان من قريشٍ ، فإنَّه لم يردهم أحد بكيدٍ إلا جعل الله خدَّه الأسفل، حتَّى أراد الله أن ينقذ من أكرم ، واتَّبع دينه من هوان الدُّنيا ، وسوء مردِّ الاخرة ، فارتضى لذلك خير خلقه ، ثمَّ ارتضى له أصحاباً ، فكان خيارهم قريشاً ، ثمَّ بنى هذا الملك عليهم ، وجعل هذه الخلافة فيهم ، ولا يصلح ذلك إلا عليهم ، فكان الله يحوطهم وهم على دينه ، وقد حاطهم الله في الجاهليَّة من الملوك الّذين كانوا يدينونكم . أفٍّ لك، ولأصحابك ! ولو أن متكلِّماً غيرك تكلَّم ، ولكنَّك ابتدأت ، فأمَّا أنت يا صعصعةُ فإنَّ قريتك شرُّ قرىً عربيةٍ ، أنتنها نبتاً ، وأعمقها وادياً ، وأعرفها بالشَّرِّ ، وألأمها جيراناً، لم يسكنها شريفٌ قطُّ ، ولا وضيعٌ إلا سُبَّ بها ، وكانت عليه هُجنةً ، ثمَّ كانوا أقبح العرب ألقاباً ، وألأمه أصهاراً نزَّاع الأمم، وأنتم جيران الخطِّ ، وفعلة فارس ، حتَّى أصابتكم دعوة النَّبيّ (ص) ، ونكبتك دعوته ، وأنت نزيع شَطير في عمان ، لم تسكن البحرين ، فتشركهم في دعوة النَّبيّ (ص) ، فأنت شرٌّ قومك ، حتَّى إذا أبرزك الإسلام ، وخلطك بالنَّاس ، وحملك على الأمم الّتي كانت عليك ؛ أقبلت تبغي دين الله عوجاً ، وتنزع إلى اللامة والذِّلَّة ، ولا يضع ذلك قريشاً ، ولن يضرَّهم ، ولن يمنعهم من تأدية ما عليهم ، إنَّ الشَّيطان عنكم غير غافلٍ ، قد عرفكم بالشَّرِّ من بين أمَّتكم ، فأغرى بكم النَّاس ، وهو صارعكم ، لقد علم : أنَّه لا يستطيع أن يردَّ بكم قضاء الله ، ولا أمراً أراده الله، ولا تدركون بالشَّرِّ أمراً إلا فتح الله عليكم شرّاً منه ، وأخزى ، ثمَّ قام وتركهم ، فتذامروا ، فتقاصرت إليهم أنفسهم.
وبذلك بذل معاوية كلَّ طاقاته الفكريَّة ، والثَّقافيَّة والسِّياسيَّة لإقناعهم :
ـ عرض لهم أولاً أمر قريش في الجاهليَّة ، والإسلام .
ـ تناول قبائل هؤلاء النَّفر ، ووضعها في الجاهليَّة ، حيث كانت تعاني سوء المناخ، ونتن المنبت من الناحية الطَّبيعيَّة ، ثمَّ الذلَّة ، والتبعيَّة لفارس من النَّاحية السِّياسيَّة ، إلى أن أكرمها الله بالإسلام ، فعزَّت بعد ذلٍّ ، وارتقت بعد هوانٍ .
ـ تناول معاوية رضي الله عنه صعصعة بن صوحان خطيب القوم ، وكيف تلكَّأ عن تلبية نداء الرِّسالة ، وقد دخل قومه بها ، ثمَّ عاد وانضمَّ إلى الإسلام ، ورفعه الإسلام ثانيةً بعد انحدارٍ .
ـ كشف معاوية رضي الله عنه مخطَّطات صعصعة ، وأصحابه ، وكيف يبغون الفتنة ، ويبغون دين الله عوجاً .
وإنَّ الشَّيطان هو وكر هذه الفتنة ، ومحرِّك هذا الشَّرِّ ، وبذلك ربط تاريخ الأمَّة بالله ، ثمَّ بالإسلام ، والعقيدة ، ثمَّ كشف عن زيف هؤلاء النَّفر ، وفضحهم عن اخرهم، وأبان عن مخطَّطاتهم ، وصلتها بدعوى الجاهليَّة.
ـ جلسة أخرى :
ثمَّ أتاهم القابلة فتحدَّث عندهم طويلاً ، ثم قال : أيُّها القوم ! ردُّوا عليَّ خيراً ، أو اسكتوا ، وتفكَّروا ، وانظروا فيما ينفعكم ، وينفع أهليكم ، وينفع عشائركم ، وينفع جماعة المسلمين ، فاطلبوه ؛ تعيشوا ، ونعش بكم .
قال صعصعة : لستَ بأهلٍ لذلك ، ولا كرامة لك أن تطاع في معصية الله . فقال معاوية : أوليس ما ابتدأتكم به أن أمرتكم بتقوى الله ، وطاعته ، وطاعة نبيه (ص) ، وأن تعتصموا بحبله جميعاً ، ولا تفرقوا ؟ ! قالوا : بل أمرت بالفرقة ، وخلاف ما جاء به النَّبيّ (ص) ! قال : إنِّي امركم الآن ، إن كنت فعلت فأتوب إلى الله ، وامركم بتقواه، وطاعته ، وطاعة نبيِّه (ص) ، ولزوم الجماعة ، وكراهة الفرقة ، وأن توقِّروا أئمتكم، وتدلُّوهم على كلِّ حسنٍ ما قدرتم ، وتعظوهم في لينٍ ، ولطفٍ في شيءٍ إن كان منهم . قال صعصعة : فإنا نأمرك أن تعتزل عملك فإنَّ من المسلمين من هو أحقُّ به منك . قال معاوية : من هو ؟ قالوا : من كان أبوه أحسن قِدْماً من أبيك ، وهو بنفسه أحسن قِدْماً منك في الإسلام . قال معاوية : والله إن لي في الإسلام قِدْماً ، ولغيري كان أحسن قِدْماً منِّي ، ولكنَّه ليس في زماني أحدٌ أقوى على ما أنا فيه منِّي ، ولقد رأى ذلك عمر بن الخطَّاب ، فلو كان غيري أقوى منِّي ؛ لم يكن لي عند عمر هوادةٌ ، ولا لغيري ، ولم أحدث من الحدث ما ينبغي لي أن أعتزل عملي ، ولو رأى ذلك أمير المؤمنين ، وجماعة المسلمين ؛ لكتب بخطِّ يده ، فاعتزلت عمله ، ولو قضى الله أن يفعل ذلك ؛ لرجوت أن لا يعزم له على ذلك إلا هو خير . فمهلاً فإنَّ في ذلك وأشباهه ما يتمنَّى الشيطان ، ويأمر ، ولعمري لو كانت الأمور تُقضى على رأيكم ، وأمانيِّكم ما استقامت الأمور لأهل الإسلام يوماً ولا ليلةً ، ولكنَّ الله يقضيها ، ويدبِّرها وهو بالغ أمره ، فعاوِدوا الخير ، وقولوه . قالوا : لست لذلك أهلاً . قال معاوية : أما والله إنَّ لله سطواتٍ، ونقماتٍ ، وإنِّي لخائف عليكم أن تتابعوا في مطاوعة الشَّيطان حتَّى تُحلَّكم مطاوعة الشَّيطان ، ومعصية الرَّحمن دار الهوان من نقم الله في عاجل الأمر ، والخزي الدَّائم في الاجل، فوثبوا عليه ، فأخذوا بلحيته ، ورأسه ، فقال : مه ! إن هذه ليست بأرض الكوفة ، والله لو رأى أهل الشَّام ما صنعتم بي وأنا إمامهم ما ملكت أن أنهاهم عنكم حتَّى يقتلوكم ؛ فلعمري إنَّ صنيعكم ليشبه بعضه بعضاً ! ثم قام من عندهم، فقال : والله لا أدخل عليكم مدخلاً ما بقيت.
هذه المحاولة الأخيرة الّتي بذل فيها معاوية أمير الشَّام كلَّ جهده ، واستعمل حلمه، وثقافته ، وأعصابه كي يثنيهم عن الفتنة ، إنَّه يدعوهم إلى تقوى الله ، وطاعته ، والاستمساك بالجماعة ، والابتعاد عن الفرقة ، وإذ بهم يرفعون عقيرتهم قائلين : ليس لك أن تطاع في معصية الله. وبحلمه الكبير ، وصدره الواسع عاد، فذكَّرهم بأنَّه لا يأمرهم إلا بطاعة الله ، وعلى حدِّ زعمهم ، فهو يتوب من المعصية؛ إن وقعت ، ثمَّ يعود لدعوتهم إلى الطَّاعة ، والجماعة ، والابتعاد عن تفريق كلمة الأمَّة ، ولو كان الوعظ يجدي معهم ؛ لأمكن أن تتأثَّر قلوبهم لهذه المعاملة ، وهذا اللُّطف ، وهذا الحلم، لكنَّهم اعتبروا ذلك ضعفاً ، وتهاوناً منه ، خاصَّة وهو يوجِّههم إلى أن يستعملوا الأسلوب الهادي في العظة ، واللِّين في النُّصح ، فوجدوا المجال رحباً أن يكشفوا عن مكنون قلوبهم. فقالوا : فإنَّا نأمرك أن تعتزل عملك ، فإنَّ في المسلمين من هو أحقُّ به منك ، وانتبه معاوية انتباهاً مفاجئاً إلى ما يكنُّون ، فأحبَّ أن يتعرف جانباً غامضاً عليه، لعلَّ في هذا التعرُّف ما يوصله إلى من يحرِّكهم ، ويبثُّ في ذهنهم الأراجيف المغرضة ، ولكنَّهم أخفوا ما يكنُّون ، واكتفوا بالإشارة إلى أنَّهم يحبون أن يدع العمل لمن هو أفضل منه ، ولمن أبوه أفضل من أبيه ، ثمَّ تحلَّم عليهم أكثر فأكثر ، رغم الأسلوب الفجِّ الّذي سلكوه معه ، وهم يأمرونه بأن يعتزل العمل . وهنا نجد لمعاوية جواباً مستفيضاً عن وجهة نظره في الحكم ، والإمارة ، والقيادة ، وقد لخَّص معاوية إجابته في ستِّ نقاطٍ أساسيَّة ومهمَّةٍ :
1 ـ هي أنَّ له قِدْماً ، وسابقة في الإسلام ، فهو حامي ثغر الشَّام منذ وفاة أخيه يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنهما .
2 ـ أنَّ هناك في المسلمين من هو أفضل منه ، وأكرم ، وأحسن سابقةً ، وأكثر بلاءً ، وهو يرى أنَّه أقوى من يحمي هذا الثَّغر الإسلاميَّ العظيم ـ الشَّام ـ فمنذ أن تولاه تمكن مِنْ ضبطه ، وسياسته ، وفهم نفسيَّات أهله حتَّى أحبُّوه .
3 ـ إنَّ الميزان الحساس ، والمعيار الدَّقيق الّذي يقيِّم الولاة هو عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه ، الّذي لا تأخذه في الله لومة لائم ، فلو وجد من معاوية شططاً ، أو انحرافاً ، أو ضعفاً ؛ لعزله ، ولما أبقى عليه يوماً واحداً ، فقد عمل له طيلة خلافته ، كما ولاه من قبل رسول الله (ص) على بعض عمله ، واستخدمه كاتباً بين يديه ، وولاه أبو بكرٍ الصِّدِّيق من بعده ، ولم يطعن في كفاءته أحدٌ .
4 ـ إنَّ اعتزال العمل يجب أن يستند لأسبابٍ موجبةٍ للاعتزال ، فما هي الحجَّة الّتي يقدِّمها دعاة الفتنة ؛ ليتمَّ الاعتزال على أساسها ؟
5 ـ إنَّ الّذي يقرِّر العزل عن العمل ، أو البقاء في الإمارة ليس هؤلاء الأدعياء، إنَّ ذلك من حقِّ أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه ، وهو الّذي له الحقُّ في تعيين الولاة ، وعزلهم .
6 ـ إنَّ أمير المؤمنين عثمان يوم يقرِّر عزل معاوية ، فهو واثقٌ ، أنَّ أمره خيرٌ كلُّه ، ولا غضاضة في ذلك ، فهو أميرٌ مأمورٌ ، وهو أمر خليفة المسلمين.
كان ختام الجلسة مؤسفاً أشدَّ الأسف ، مؤلماً أشدَّ الألم ، لقد حذَّرهم نقمة الله ، وغضبه ، وحذَّرهم مهاوي الشَّيطان ، ومنزلقاته ، وحذَّرهم فرقة الكلمة ، ومعصية الإمام وحذَّرهم الانقياد إلى أهوائهم ، وغرورهم ، فماذا كان منهم مقابل ذلك ؟ وثبوا عليه ، وأخذوا برأسه ولحيته ، وعندئذٍ زجرهم ، وقمعهم ، ووجَّه لهم كلاماً قاسياً مبطَّناً بالتَّهديد ، وعرف : أنَّ هؤلاء يستحيل أن ينصاعوا للحقِّ ، فلا بدَّ من إبلاغ أمرهم لأمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه وكشف هويَّاتهم ، وخطرهم ، ليرى فيهم أمير المؤمنين رأياً آخر.
يمكن النظر في كتاب تيسير الكريم المنَّان في سيرة أمير المؤمنين
عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه، شخصيته وعصره
على الموقع الرسمي للدكتور علي محمّد الصّلابيّ
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/BookC171.pdf