الأحد

1446-06-21

|

2024-12-22

منهج عثمان بن عفَّان في الحكم

الحلقة الثانية عشر

بقلم الدكتور علي الصلابي

ربيع الآخر 1441ه/ديسمبر2019م

عندما بويع عثمان رضي الله عنه بالخلافة قام في النَّاس خطيباً ، فأعلن عن منهجه السِّياسيِّ مبيِّناً : أنَّه سيتقيَّد بالكتاب ، والسُّنَّة ، وسيرة الشَّيخين ، كما أشار في خطبته إلى أنَّه سيسوس النَّاس بالحلم ، والحكمة إلا فيما استوجبوه من الحدود ، ثمَّ حذَّرهم من الرُّكون إلى الدُّنيا ، والافتتان بحطامها خوفاً من التَّنافس ، والتَّباغض، والتَّحاسد بينهم ، ممَّا يفضي بالأمَّة إلى الفرقة ، والخلاف ، وكأنَّ عثمان رضي الله عنه ينظر وراء الحجب ببصيرته النَّفَّاذة إلى ما سيحدث في هذه الأمَّة من الفتن بسبب الأهواء ، وتهالك النَّاس بعدما بويع فقال :
« أمَّا بعد: فإنِّي كلِّفت، وقد قبلت، ألا وإنِّي متَّبعٌ، ولست بمبتدعٍ، ألا وإنَّ لكم عليَّ بعد كتاب الله، وسنَّة نبيه (ﷺ) ثلاثاً: اتِّباع من كان قبلي فيما اجتمعتم عليه، وسننتم ، وسنَّ أهل الخير فيما تسنُّوا عن ملأ ، والكفَّ عنكم إلا فيما استوجبتم العقوبة ، وإن الدُّنيا خضرةٌ وقد شهيت إلى النَّاس ومال إليها كثيرٌ منهم ، فلا تركنوا إلى الدُّنيا ولا تثقوا بها، فإنَّها ليست بثقةٍ، واعلموا أنَّها غير تاركةٍ إلا من تركها».
وأمَّا قول بعض النَّاس بأن عثمان لمَّا خطب أوَّل خطبةٍ أرتج عليه ، فلم يدر مايقول ؛ حتَّى قال : أيُّها النَّاس ! إنَّ أوَّل مركبٍ صعبٌ ، وإن أعش ، فستأتيكم الخطبة على وجهها ، فهو شيءٌ يذكره صاحب العِقْد، وغيره ممَّن يذكر طرف الفوائد ، وأنَّ إسناده غير صحيح.
كُتب عثمان إلى عمَّاله ، وولاته ، وأمراء الجند ، وعامَّة النَّاس : أقرَّ عثمان رضي الله عنه عُمَّال عمر رضي الله عنه ، فلم يعزل منهم أحداً عاماً كاملاً أخذاً بوصيَّة عمر رضي الله عنه ، والنَّاظر في الكتب الّتي بعث بها إلى الولاة وعمَّال المال ، وأمراء الأجناد يقف على النَّهج ، الّذي أراد السَّير عليه ، وأخذ الأمَّة به.
1ـ أوَّل كتابٍ كتبه عثمان إلى جميع ولاته :
أمَّا بعد : فإنَّ الله أمر الأئمَّة أن يكونوا رعاةً ، ولم يتقدَّم إليهم أن يكونوا جباةً ، وإنَّ صدر هذه الأمَّة خلقوا رعاة ، ولم يخلقوا جباة ، وليوشكنَّ أئمَّتكم أن يصيروا جباةً، ولا يكونوا رعاة ، فإذا عادوا كذلك انقطع الحياء ، والأمانة ، والوفاء . ألا وإنَّ أعدل السِّيرة أن تنظروا في أمور المسلمين فيما عليهم، فتعطوهم ما لهم، وتأخذوهم بما عليهم، ثمَّ تثنُّوا بالذمَّة، فتعطوهم الّذي لهم ، وتأخذوهم بالّذي عليهم ، ثمَّ العدو الّذي تنتابون ، فاستفتحوا عليهم بالوفاء.
والملاحظ : أنَّ عثمان رضي الله عنه أكَّد في هذا الكتاب الموجَّه إلى ولاته في الأمصار واجبهم نحو الرَّعية، وعرَّفهم: أنَّ مهمَّتهم ليست هي جمع المال، وإنَّما تتمثَّل في رعاية مصالح النَّاس ، ولأجل ذلك بيَّن السِّياسة الّتي يسوسون بها الأمَّة ، وهي أخذ النَّاس بما عليهم من الواجبات ، وإعطاؤهم حقوقهم ، فإذا كانوا كذلك ؛ صلحت الأمَّة ، وإذا انقلبوا جباةً ليس همُّهم إلا جمع المال ، انقطع الحياء ، وفُقدت الأمانة ، والوفاء، لقد كان في كتاب عثمان للولاة : التركيز على قيم العدل السِّياسيِّ ، والاجتماعيِّ ، والاقتصاديِّ بإعطاء ذوي الحقوق حقوقهم، وأخذ ما عليهم، وإعلاء شأن مبدأ الرِّعاية السِّياسيَّة، لا الجباية، وتكثير الأموال.
ونبَّه على ما سيكون عند تغير الولاة من رعاةٍ إلى جباةٍ ، بأنَّ ذلك سبب في تقلُّص مكارم الأخلاق ، الّتي مثَّل لها بالحياء ، والأمانة ، والوفاء ، وذلك أنَّ بين الرَّاعي والرَّعيَّة خيطاً سامياً من العلاقات المتينة ، ويؤكِّده ، ويثبِّته اتفاق الجميع على هدفٍ واحدٍ ، وهو ابتغاء وجه الله تعالى ، فالوالي يسعى لهذا الهدف بما يقدِّمه لإمامه من طاعة ، وولاءٍ ، وأمانةٍ ، ووفاءٍ ، ويبقى خُلُق الحياء الّذي أشار إليه عثمان يُظلُّ الجميع ، فيمنعهم من ارتكاب ما يُستقبح ، أو التَّعرض لجرح المشاعر ، والإيقاع في الحرج . ثمَّ يوصي عثمان ولاته بالعدل في الرَّعية ، وذلك بأخذ ما عليهم من الحقوق، وبذل ما لهم من ذلك ، ويشير إلى نقطة مهمَّةٍ ، وهي : أنَّ الوفاء بالعهود من أهمِّ أسباب الفتح ، والنَّصر على الأعداء ، وقد بيَّن التَّاريخ أثر هذا الخلق الرَّفيع في تفوُّق المسلمين الإداريِّ والحربيِّ.
2ـ كتابه إلى قادة الجنود :
وكان أوَّل كتابٍ كتبه إلى قادة الأجناد في الفروج: أمَّا بعد : فإنَّكم حماة المسلمين، وذادتهم ، وقد وضع لكم عمر ما لم يَغب عنَّا ، بل كان على ملأ منَّا ، ولا يبلغني عن أحدٍ منكم تغييرٌ، ولا تبديلٌ، فيغيِّر الله بكم ، ويستبدل بكم غيركم ، فانظروا كيف تكونون ، فإنِّي أنظر فيما ألزمني الله النَّظر فيه ، والقيام عليه.
وفي هذا الكتاب لفت نظرٍ إلى أنَّ الأمور لن تتغيَّر بتغيُّر الخليفة ؛ لأنَّ الخلفاء ومن دونهم من الولاة يسيرون على خطٍّ واحدٍ ، وهو القيام بمهمَّة تطبيق الإسلام في واقع الحياة . وقوله : وقد وضع لكم عمر ما لم يغب عنا بل كان على ملأ منَّا . إشارةٌ إلى أنَّ حكم أولئك الخلفاء يقوم على الشُّورى، وذلك يترتَّب عليه أنَّ جميع القضايا المهمَّة تكون معلومةً بتفاصيلها عند أهل الحلِّ والعقد ، فإذا ذهب الحاكم ، وخلفه حاكمٌ اخر ، سار على المنهج نفسه ، لوضوح الهدف لدى الجميع. وقوله: (ولا تغيِّروا، فيغيِّر الله بكم) وَعْيٌ لسنن الله تعالى في هذا الكون، فمعيَّة الله ـ جلَّ وعلا ـ لأوليائه بالتَّوفيق ، والحماية ، والنَّصر مشروطةٌ بلزومهم شريعته ، واستسلامهم لأمره ، فإذا تغيَّروا في ذلك غيَّر الله ما بهم ، واستبدل بهم غيرهم في الهيمنة والتَّمكين ، وفي ذلك يقول الله تعالى : {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ *} [الرعد : 11 ] .

وذكَّرهم بأنَّه على علمٍ بواجبه ، يؤدِّيه ، ويقوم عليه ليتلاقى عمل الرَّعية ، وعمل الرَّاعي في الشُّعور بالواجب ، والقيام به ، ويشعر كلُّ فردٍ أنَّه يعمل لأمَّته ، كما يعمل لنفسه.
3ـ كتابه إلى عمَّال الخراج :
وكان أوَّل كتابٍ كتبه إلى عمَّال الخراج :
أمَّا بعد ، فإنَّ الله خلق الخلق بالحقِّ ، فلا يقبل إلا الحقَّ ، خذوا الحقَّ ، وأعطوا الحقَّ به ، والأمانةَ الأمانةَ ، قوموا عليها ، ولا تكونوا أوَّل من يُسلَبُها ، فتكونوا شركاء من بعدكم إلى ما اكتسبتم ، والوفاءَ الوفاءَ ، لا تظلموا اليتيم ، ولا المعاهد ، فإنَّ الله خصمٌ لمن ظلمهم.
خصَّ في هذا الكتاب وزراء المال الّذين يجبونه من أفراد الأمَّة ؛ لينفق في مصالحها العامَّة ، فبيَّن لهم : أنَّ الله لا يقبل إلا الحقَّ ، والحقُّ قائمٌ على الأمانة ، والوفاء ، ثمَّ ميَّز صنفين من الرَّعية ، هما ضعيفاها : اليتيم ، والمعاهد ، فحضَّ على التَّجافي عن ظلمهما ؛ لأنَّ الله هو المتولِّي حمايتهما، ويذكِّرهم بأنَّهم إذا ظلموهم ؛ فإنَّهم معرَّضون لنقمة الله تعالى ؛ لأنَّه خصمٌ لمن ظلم هؤلاء المستضعفين ، وفي هذا لفتةٌ إلى جانبٍ من جوانب عظمة الإسلام حيث يدعو إلى نصر المظلومين ، وإن كانوا من الكفَّار المعاهدين.
4ـ كتابه إلى العامَّة :
أمَّا بعد : فإنَّكم إنَّما بلغتم بالاقتداء ، والاتِّباع ، فلا تلفتنَّكم الدُّنيا عن أمركم ، فإنَّ أمر هذه الأمَّة صائر إلى الابتداع بعد اجتماع ثلاثٍ فيكم : تكامل النِّعم، وبلوغ أولادكم من السَّبايا، وقراءة الأعراب والأعاجم القرآن، فإن رسول الله (ﷺ) قال : « الكفر في العجمة ، فإذا استعجم عليهم أمرٌ ، تكلَّفوا ، وابتدعوا ».
وفي هذا الخطاب نلاحظ : أنَّ عثمان رضي الله عنه رغَّب عامَّة الأمَّة في الاتِّباع، وترك التكلُّف ، والابتداع ، وأنَّه حذَّرهم تغيُّر الحال إذا اجتمعت لهم ثلاث خلال : تكامل النِّعم ؛ الّذي يبطر النُّفوس ، ويدفعها إلى التَّرف ، ويصدُّها عن الاجتهاد ، والعمل ، ويصرفها إلى الفراغ ، والكسل ، حتى تفتر حيويَّتها ، وتخور عزائمها . وبلوغ أولادها من السَّبايا ، وقد لمست الأمَّة في تاريخها أثر هؤلاء في المجتمع الإسلاميِّ من الوجهة السِّياسيَّة ، والاجتماعيَّة ، والدِّينيَّة . وقراءة الأعراب، والأعاجم القرآن ، وإنَّما يريد عثمان بذلك ما في طبائع الأعراب من جفاءٍ ، وغلظ الأكباد ، فلا تبلغ هداية القرآن مكان الخير من أفئدتهم ؛ وكذلك يريد ما في الأعاجم من أخلاقٍ موروثةٍ ، وعقائد متأصِّلةٍ ، وعاداتٍ قديمةٍ تباعد بينهم وبين سنن القرآن في الهداية ، وقد ظهر أثر الأعراب في فرقة الخوارج الّذين كانت كثرتهم من أولئك الجفاة ، فهم كانوا أقرأ النَّاس للقرآن ، وأبعدهم عن هدايته ، ثمَّ ظهر فيمن عداهم أثر الأعاجم فيما ابتدعوه من مذاهب ، وتكلفوه من آراء كانت شرّاً على المسلمين في عقائدهم ، ومنهم أكثر الفرق الضَّالة الّتي لعبت في تاريخ الإسلام أخطر دورٍ.
المرجعيَّة العليا للدَّولة :
أعلن ذو النُّورين : أنَّ مرجعيته العليا لدولته كتاب الله ، وسنَّة رسوله (ﷺ) ، والاقتداء بالشَّيخين في هديهم ، فقد قال :... ألا وإنِّي متَّبعٌ ، ولست بمبتدعٍ ، ألا وإنَّ لكم عليَّ بعد كتاب الله ، وسنَّة نبيِّه (ﷺ) ثلاثاً : اتباع من كان قبلي فيما اجتمعتم عليه، وسننتم.
1ـ فالمصدر الأول هو كتاب الله . قال تعالى : {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا *} [ النساء : 105 ] .
فكتاب الله تعالى يشتمل على جميع الأحكام الشَّرعية الّتي تتعلَّق بشؤون الحياة، كما يتضمَّن مبادىء أساسيَّةً ، وأحكاماً قاطعةً لإصلاح كلِّ شعبةٍ من شعب الحياة ، كما بيَّن القران الكريم للمسلمين كلَّ ما يحتاجون إليه من أسسٍ تقوم عليها دولتهم .
2ـ المصدر الثَّاني : السنَّة المطهَّرة الّتي يستمدُّ منها الدُّستور الإسلاميُّ أصوله، ومن خلالها يمكن معرفة الصِّيغ التَّنفيذيَّة ، والتطبيقيَّة لأحكام القرآن.
3ـ الاقتداء بالشَّيخين :
قال رسول الله (ﷺ) : « اقتدوا باللَّذين من بعدي : أبي بكرٍ ، وعمر » .
إنَّ دولة ذي النُّورين خضعت للشَّريعة ، وأصبحت سيادة الشَّريعة الإسلاميَّة فيها فوق كلِّ تشريع وفوق كلِّ قانونِ ، وأعطت لنا صورةً مضيئةً مشرِّفةً على أنَّ الدَّولة الإسلاميَّة دولة شريعةٍ ، خاضعةً بكلِّ أجهزتها لأحكام هذه الشَّريعة ، والحاكم فيها مقيَّد بأحكامها ، لا يتقدَّم ، ولا يتأخَّر عنها، ففي دولة ذي النُّورين ، وفي مجتمع الصَّحابة ، الشَّريعة فوق الجميع ، يخضع لها الحاكم ، والمحكوم ، وطاعة الخليفة مقيَّدةٌ بطاعته لله ، قال رسول الله (ﷺ) : « لا طاعة في المعصية ، إنَّما الطَّاعة في المعروف »، وهيمنة الشَّريعة على الدَّولة من خصائص الخلافة الرَّاشدة ، فحكومة الخلافة الرَّاشدة تتميَّز عن الحكومات الأخرى بعدَّة خصائص ، منها :
* أنَّ اختصاصات الحكومة ( الخليفة ) عامَّة ؛ أي : تقوم على التَّكامل بين الشُّؤون الدُّنيويَّة ، والدِّينيَّة
* أنَّ حكومة الخلافة ملزمةٌ بتنفيذ أحكام الشَّريعة .
* أنَّ الخلافة تقوم على وحدة العالم الإسلاميِّ.

حقُّ الأمَّة في محاكمة الخليفة :
الأمـر الّذي لا شـك فيـه : أنَّ سلطـة الخليفـة ليسـت مطلقـةً ، وإنَّمـا هي مقيدةٌ بقيدين:
1 ـ ألا يخالف نصّاً صريحاً ورد في القران الكريم والسُّنَّة ، وأن يكون الإجراء الّذي يتَّخذه متَّفقاً ـ فضلاً عن ذلك ـ مع روح الشَّريعة ، ومقاصدها .
2 ـ ألا يخالف ما اتَّفقت عليه الأمَّة الإسلاميَّة ، أو يخرج على إرادتها .
وأساس ذلك : أنَّ الخليفة نائبٌ عن الأمَّة ، منها يستمدُّ سلطانه ، ويرجع إليها في تحديد هذا السُّلطان ، ومداه ، فالأمَّة تستطيع في كلِّ وقت أن توسع من هذا السُّلطان ، وأن تضيِّق منه ، أو تقيِّده بقيودٍ كلَّما رأت في ذلك مصلحةً ، أو ضماناً لحسن القيام على أمر الله ، ومصلحة الأمَّة، ويكون ذلك من خلال مجلس شورى الأمَّة ، وقد أكَّد عثمان رضي الله عنه حقَّ الأمَّة في محاسبة الخليفة في قوله : إن وجدتم في كتاب الله أن تضعوا رجلي في القيد ؛ فضعوا رجلي في القيد. وحينما أخذت طائفةٌ عليه بعض أخطاء ـ في زعمها في تصريفه لشؤون الحكم ، وإسناد وظائفه ، وتظاهرت عليه جموعٌ منهم لمحاسبته على أعماله ، فأذعن رضوان الله عليه لرغبتهم ، ولم ينكر عليهم هذا الحقَّ ، وأبدى استعداداً كريماً لإصلاح ما عسى أن يكون أخطأه التَّوفيق في إبرامه.

الشُّورى :
إنَّ من قواعد الدَّولة الإسلاميَّة حتميَّة تشاور قادة الدَّولة وحكَّامها مع المسلمين والنُّزول على رضاهم ، ورأيهم ، وإمضاء نظام الحكم بالشُّورى ، قال تعالى : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ *} [ آل عمران : 159 ] .
وقال الله تعالى : {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ *} [الشورى: 38]. وقد اتَّخذ عثمان رضي الله عنه في دولته مجلساً للشُّورى يتألَّف من كبار أصحاب رسول الله (ﷺ) من المهاجرين والأنصار، وقد طلب عثمان رضي الله عنه من العمَّال، والقادة قائلاً : أمَّا بعد : فقوموا على ما فارقتم عليه عمر ، ولا تبدِّلوا ، ومهما أشكل عليكم ؛ فردُّوه إلينا نجمع عليه الأمَّة ، ثم نردُّه عليكم، فأخذ قادته بذلك ، فكانوا إذا همُّوا بالغزو ، والتقدُّم في الفتوحات الإسلاميَّة؛ استأذنوه، واستشاروه، فيقوم هو بدوره بجمع الصَّحابة، واستشارتهم للإعداد، والإقرار، والتَّنفيذ، ووضع الخطط المناسبة لذلك، ومن ثمَّ يأذن لهم، فقد قام عبد الله بن أبي سرح ، بالكتابة إلى الخليفة عثمان رضي الله عنه طالباً منه أن يأذن له بأن يغزو أطراف إفريقيَّة، وذلك لقرب جزر الرُّوم من المسلمين ، فأجابه الخليفة عثمان إلى ذلك بعد المشورة، وندب إليه النَّاس، كما أنَّ معاوية بن أبي سفيان حين أراد فتح جزيرة قبرص، ورودس ؛ فعل الشَّيء نفسه في استشارة القيادة العليا المركزيَّة، وطلب الإذن بالسَّماح له، ولم يأته الجواب إلا بعد انعقاد مجلس الشُّورى، وبحثه في الموضوع، ومن ثمَّ السَّماح له.
وكان قادة الخليفة عثمان رضي الله عنه في إدارتهم للمعارك الحربية يتشاورون فيما بينهم.
كما شاور عثمان كبار الصَّحابة في جمع القرآن ، وفي قتل عبيد الله بن عمر للهرمزان ، وحول التَّدابير الكفيلة بقطع دابر الفتنة ، وفي مقام القضاء ، وغير ذلك من المواقف ، والأحداث الّتي سيأتي بيانها في محلِّها بإذن الله .
العدل والمساواة :
إنَّ من أهداف الحكم الإسلاميِّ الحرص على إقامة قواعد النِّظام الإسلاميِّ الّتي تساهم في إقامة المجتمع المسلم ، ومن أهمِّ هذه القواعد : العدلُ ، والمساواة ، فقد كتب ذو النُّورين إلى النَّاس في الأمصار ، أن ائتمروا بالمعروف ، وتناهوا عن المنكر ، ولا يُذِلَّ المؤمن نفسه ، فإنِّي مع الضعيف على القويِّ ما دام مظلوماً إن شاء الله. فقد كانت سياسته تقوم على العدل بأسمى صوره ، فقد أقام الحدَّ على والي الكوفة الوليد بن عقبة ( أخوه لأمِّه ) ، عندما شهد عليه الشُّهود بأنَّه شرب الخمر، وعزله عن الولاية بسبب ذلك ، وسيأتي تفصيل هذه القصَّة بإذن الله ، وقبوله بتولية أبي موسى الأشعريِّ مكانه ؛ لأنَّ أهل الكوفة لم يوافقوا على تولية سعيد بن العاص خلفاً للوليد ، وقد روي عنه أيضاً : أنَّه غضب على خادم له يوماً ، فعرك أذنه ، حتَّى أوجعه ، ولم يستطع أن ينام ليلته آنذاك إلا بعد أن دعا خادمه إلى مضجعه ، وأمره أن يقتصَّ منه ، فيعرك أذنه ، وقد أبى الخادم في بادئ الأمر ، ولكن عثمان أمره ثانيةً في حزمٍ ، فأطاعه.
الحرِّيَّات :
مبدأ الحرية من المبادئ الأساسيَّة الّتي قام عليها الحكم في عهد الخلفاء الرَّاشدين، ويقضي هذا المبدأ بتأمين وكفالة الحرِّيَّة العامَّة للنَّاس كافَّةً ضمن حدود الشَّريعة الإسلاميَّة ، وبما لا يتناقض معها ، فقد كانت دعوة الإسلام لحريَّة النَّاس ، جميع النَّاس دعوةً واسعةً ، وعريضةً قلَّما تشتمل على مثلها دعوةٌ في التَّاريخ ، وفي عهد الخلفاء الرَّاشدين كانت الحريات العامَّة المعروفة في أيَّامنا معلومةً ، ومصونةً، كحرية العقيدة الدِّينيَّة ، وحريَّة التنقُّل ، وحقِّ الأمن ، وحرمة المسكن، وحرِّيَّة الملكيَّة، وحرية الرَّأي .

يمكن النظر في كتاب تيسير الكريم المنَّان في سيرة أمير المؤمنين
عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه، شخصيته وعصره
على الموقع الرسمي للدكتور علي محمّد الصّلابيّ
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/BookC171.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022