الثلاثاء

1446-07-07

|

2025-1-7

حياة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) في المجتمع
واهتمامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الحلقة الثلاثون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

جمادى الآخر 1441 ه/ يناير 2020 م

أولاً: دعوته للتوحيد ومحاربته للشرك:
إن حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه عامرة بالدعوة إلى توحيد الله تعالى ، وتعريف الناس معاني الإيمان ، والاعتماد والتوكل على الله والخوف منه سبحانه وتعالى ، والتعريف به من خلال أسمائه الحسنى وصفاته العلى ، ومحاربته للشرك بجميع أشكاله وأنواعه ، ومن خلال توجيهه وتعليمه وتربيته للناس على دعوة التوحيد ومحاربة الشرك أمور؛ منها:
1- قوله رضي الله عنه: «لا يرجوَنَّ عبد إلا ربَّه ، ولا يخافَنَّ إلا ذنبه»؛ فهذا من أحسن الكلام ، وأبلغه وأتمه ، فإن الرجاء يكون للخير ، والخوف يكون من الشر ، والعبد إنما يصيبه الشر بذنوبه ، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30].
فالراجي يطلب حصول الخير ودفع الشر ، ولا يأتي بالنعم إلا الله ، ولا يذهب المصائب إلا الله ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ ﴾ [يونس: 107] ، ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ﴾ [فاطر: 2].
والرجاء مقرون بالتوكل ، فإن المتوكل يطلب ما رجاه من حصول المنفعة ودفع المضرة ، والتوكل لا يجوز إلا على الله ، كما قال تعالى: ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [آل عمران: 160]. وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ ﴾ [التوبة: 59] ، وقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173]؛ فهؤلاء قالوا: حسبنا الله ، أي: كافينا الله في دفع البلاء ، وأولئك أُمروا أن يقولوا: حسبنا في جلب النعماء ، فهو - سبحانه - كاف عبده في إزالة الشر وفي إنالة الخير ، أليس الله بكاف عبده ، ومن توكل على غير الله ورجاه خذل من جهته وحرم ، ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ ﴾ [العنكبوت: 41]. ﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ﴾ [مريم: 81 ، 82] ، ﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾ [الحج: 31] ، ﴿ لاَ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولاً ﴾ [الإسراء: 22].
وقال الخليل: ﴿ فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 17] ، فمن عمل لغير الله رجاء أن ينتفع بما عمل له ، كانت صفقته خاسرة ، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [النور: 39] ، وقال تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيْحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ﴾ [إبراهيم: 18] ، وقال تعالى: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان: 23]، وقال تعالى: ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ﴾ [القصص: 88] ، كما قيل في تفسيرها: كل عمل باطل إلا ما أريد به وجهه ، فمن عمل لغير الله ورجاه بطل سعيه ، والراجي يكون راجياً تارة بعمل يعمله لمن يرجوه ، وتارة باعتماد قلبه عليه والتجائه إليه وسؤاله ، فذاك نوع من العبادة له ، وهذا نوع من الاستعانة به ، وقد قال تعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5] وقال: ﴿ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾ [هود: 123] ، وقال: ﴿ قُلْ هُوَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ ﴾ [الرعد: 30].
ومما يوضح ذلك: أن كل خير ونعمة تنال العبد فإنما هي من الله ، وكل شر ومصيبة تندفع عنه أو تكشف عنه ، فإنما يمنعها الله ، وإنما يكشفها الله ، وإذا جرى ما جرى من أسبابها على يد خلقه ، فالله - سبحانه - هو خالق الأسباب كلها سواء كانت الأسباب حركة حي باختياره وقصده ، كما يحدثه تعالى بحركة الملائكة والجن والإنس والبهائم ، أو حركة جماد بما جعل الله فيه من الطبع ، أو بقاسر يقسره كحركة الرياح والمياه ونحو ذلك ، فالله خالق ذلك كله ، فإنه لا حول ولا قوة إلا به، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، فالرجاء يجب أن يكون كله للرب ، والتوكل عليه والدعاء له ، فإنه إن شاء ذلك ويسره كان وتيسر ولو لم يشأ الناس ، وإن لم يشاه ولم ييسره لم يكن وإن شاءه الناس، هذا بعض المعاني من قول أمير المؤمنين: لا يَرْجُوَنَّ أحد إلا ربه.
وأما قوله: ولا يخافن أحد إلا ذنبه، قال تعالى: ﴿ فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ ﴾ [الأعراف: 131]. بين سبحانه أن الحسنة من الله ينعم بها على الناس ، وأن السيئة إنما تصيبهم بذنوبهم، ولهذا قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال: 33] ، فأخبر أنه لا يعذب مستغفراً ، لأن الاستغفار يمحو الذنب الذي هو سبب العذاب ، فيندفع العذاب ، كما في سنن أبي داود وابن ماجه عن النبي ﷺ أنه قال: «من أكثر الاستغفار؛ جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً ، ورزقه من حيث لا يحتسب».
وقال تعالى: ﴿ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ *وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ﴾ [يونس: 2 - 3]. فبين: أن من وحده واستغفره متعه متاعاً حسناً إلى أجل مسمى ، ومن عمل بعد ذلك خيراً زاده من فضله ، وفي الحديث: «يقول الشيطان: أهلكت الناس بالذنوب ، وأهلكوني بلا إله إلا الله ، والاستغفار، فلما رأيت ذلك بثثت فيهم الأهواء؛ فهم يذنبون ولا يتوبون ، لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ».
وقال عمر بن عبد العزيز: ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، ولهذا قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 173 - 175].
فنهى المؤمنين عن خوف أولياء الشيطان ، وأمرهم بخوفه ، وخوفه يوجب فعل ما أمر به ، وترك ما نهى عنه ، والاستغفار من الذنوب؛ وحينئذ يندفع البلاء وينتصر على الأعداء ، فلهذا قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: لا يخافن عبد إلا ذنبه، وإن سلط عليه مخلوق فما سلط عليه إلا بذنوبه ، فليخف الله ، وليتب من ذنوبه التي ناله بها ما ناله، كما في الأثر: «يقول الله: أنا الله ، مالك الملوك ، قلوب الملوك ونواصيهم بيدي ، من أطاعني جعلتهم عليه رحمة ، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة ، فلا تشتغلوا بسبِّ الملوك، وأطيعوني أعطف قلوبهم عليكم».
2- تعريف أمير المؤمنين الناس بأسماء الله وصفاته:
قال تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾ [محمد: 19] ، فمن كان بالله أعرف كان منه أخوف ، كما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28].
وقد بين القران الكريم أن معرفة الأسماء الحسنى وصفاته العلى من أعظم الوسائل في زيادة الإيمان وقوته وثباته ، ومعرفتها تتضمن أنواع التوحيد الثلاثة، توحيد الربوبية ، وتوحيد الإلهية ، وتوحيد الأسماء والصفات ، وهذه الأنواع هي روح الإيمان، وأصله وغايته ، فكلما ازداد العبد معرفة بأسماء الله وصفاته، ازداد إيمانه وقوي يقينه، قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 180] ، وقال تعالى: ﴿ قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَانَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [الإسراء: 110].
وقد ثبت في الصحيحين عنه ﷺ أنه قال: «إن لله تسعة وتسعين اسماً - مئة إلا واحدة - من أحصاها ، دخل الجنة» ، أي: من حفظها ، وفهم معانيها، واعتقدها ، وتعبد الله بها؛ دخل الجنة ، والجنة لا يدخلها إلا المؤمنون.
ولأهمية هذا العلم قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: يا طالب العلم: إن للعالم ثلاث علامات: العلم بالله ، وبما يحب الله ، وبما يكره الله.
وقال في معرض وصفه للمولى سبحانه وتعالى: هو العالم بكل مكان ، وكل حين وأوان ، لم يخلق الأشياء من أصول أولية ، ولا بأوائل كانت قبله بدية ، بل خلق ما خلق فأقام خلقه ، وصور ما صور فأحسن صورته ، توحد في علوه فليس لشيء منه امتناع ، ولا له بطاعة شيء من خلقه انتفاع ، إجابته للداعين سريعة، والملائكة في السموات والأرضين له مطيعة ، علمه بالأموات البائدين ، كعلمه بالأحياء المتقلبين ، وعلمه بما في السموات العلى، كعلمه بما في الأرض السفلى، وعلمه بكل شيء ، لا تحيّره الأصوات، ولا تشغله اللغات ... مدبر بصير ، عالم بالأمور ، حي قيوم ... سبحانه وتعالى عن تكييف الصفات.
وجاء يهودي إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فسأله: متى كان ربنا؟ فتمعر وجه علي بن أبي طالب وقال: لم يكن فكان؟ هو كان ولا كينونة ، كان بلا كيف ، كان ليس قبل ولا غاية ، انقطعت الغايات دونه ، فهو غاية كل غاية. فأسلم اليهودي.
ومما يرويه أمير المؤمنين علي رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ في صفات الله سبحانه وتعالى قوله: قال رسول الله ﷺ : «إن الله رفيق يحب الرفق ، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف».
إن معرفة أسماء الله وصفاته ، وتأمل معانيها ، والإيمان بها؛ تثمر للعبد محبة الله وتعظيمه الموجبين للقيام بأمره ونهيه ، كما توجب اللجوء إليه في الكربات، وسؤاله عند الحاجات ، واستغاثته في الملمات وغيرها من أنواع العبادات القلبية.
3- تعريف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الناس بنعم الله المستوجبة لشكره:
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه مذكراً بالله سبحانه وتعالى وبنعمه على عباده: أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ضرب لكم الأمثال ، ووقَّت لكم الآجال ، وجعل لكم أسماعاً تعي ما عناها ، وأبصاراً لتجلو عن غشاها، وأفئدة تفهم ما دهاها، في تركيب صورها وما أعمرها ، فإن الله لم يخلقكم عبثاً، ولم يضرب عنكم الذكر صفحاً ، بل أكرمكم بالنعم السوابغ ، وأرفدكم بأوفر الروافد ، وأحاط بكم الإحصاء ، وأرصد لكم الجزاء في السراء والضراء ، فاتقوا الله عباد الله، وجدوا في الطلب، بادروا بالعمل مقطع النهمات وهادم اللذات.
وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يحث الناس على القرب من الله بشكر النعم الحاصلة ، ويحذرهم من الركون إليها والأمن معها ، ويرغبهم فيما عند الله من المزيد في حال شكر النعم ، حيث يقول: فإن نزلت بكم رغبة فاشكروا الله ، واجمعوا معها رهبة ، وإن نزلت بكم رهبة فاذكروا الله واجمعوا معها رغبة ، فإن الله قد تأذن المسلمين بالحسنى ، ولمن شكره بالزيادة.
ودعا أمير المؤمنين علي رضي الله عنه الناس إلى التفكر في أنفسهم فقال: من عرف نفسه فقد عرف ربه، وقد قال تعالى: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21].
4- حرص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على محو آثار الجاهلية:
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كان رسول الله ﷺ في جنازة ، فقال: «أيكم ينطلق إلى المدينة فلا يدع وثناً إلا كسره ، ولا قبراً إلا سواه ، ولا صورة إلا لطخها؟» فقال علي رضي الله عنه: أنا أنطلق يا رسول الله ، فقال: «فانطلق فانطلق» ، ثم رجع فقال: يا رسول الله ، لم أدع بها وثناً إلا كسرته ، ولا قبراً إلا سويته ، ولا صورة إلا لطختها ، ثم قال رسول الله ﷺ : «من عاد لصنعه شيء من هذا فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ».
وعندما أصبح أميراً للمؤمنين أرسل أبا الهياج الأسدي وقال له: أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ﷺ ، أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته ، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته، فأمره بمحو التماثيل ، وأن تكون القبور مدروسة معالمها.

يمكن النظر في كتاب أسمى المطالب في سيرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه شخصيته وعصره
على الموقع الرسمي للدكتور علي محمّد الصّلابيّ
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book161C.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022