الخميس

1446-07-09

|

2025-1-9

زواج علي من فاطمة رضي الله عنهما

الحلقة العاشرة

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

جمادى الأولى 1441 ه/ يناير 2020 م

هي فاطمة بنت إمام المتقين سيد ولد آدم رسول الله ﷺ ، وأمها خديجة بنت خويلد ، كانت تكنى بأم أبيها، ولدت رضي الله عنها قبل البعثة سنة خمس وثلاثين من مولد النبي ﷺ ، زوَّجَها النبي ﷺ علي بن أبي طالب سنة اثنتين للهجرة بعد وقعة بدر ، وولدت له الحسن والحسين وأم كلثوم، وكانت وفاتها بعد وفاة النبي ﷺ بستة أشهر ، فرضي الله عنها وأرضاها.
1- مهرها وجهازها:
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: خطبتُ فاطمة إلى رسول الله ﷺ ، فقالت مولاة لي: هل علمت أن فاطمة قد خطبت إلى رسول الله ﷺ ؟ قلت: لا، قالت: فقد خطبت ، فما يمنعك أن تأتي رسول الله ﷺ فيزوجك. فقلت: وعندي شيء أتزوج به ؟! فقالت: إنك إن جئت رسول الله ﷺ زوجك. قال: فوالله ما زالت ترجيني حتى دخلت على رسول الله ﷺ ، فلما أن قعدت بين يديه أفحمت ، فوالله ما استطعت أن أتكلم جلالة وهيبة. فقال رسول الله ﷺ : «ما جاء بك؟ ألك حاجة؟» فسكت ، فقال: «لعلك جئت تخطب فاطمة؟» فقلت: نعم ، فقال: «وهل عندك من شيء تستحلها؟» فقلت: لا والله يا رسول الله. فقال: «ما فعلت درع سلحتكها؟» فو الذي نفس علي بيده ! إنها لحطمية ما قيمتها أربعمئة درهم ، فقلت: عندي ، فقال: «قد زوجتكها ، فابعث إليها بها فاستحلها بها» ، فإنها كانت لصداق فاطمة بنت رسول الله ﷺ .
وقد جهز رسول الله ﷺ فاطمة في خميل، وقربة ، ووسادة أدم حشوها إذخر. ، وقد جاء في روايات الشيعة: فأخذت درعي فانطلقت به إلى السوق فبعته بأربعمئة درهم من عثمان بن عفان، فلما قبضت الدراهم منه وقبض الدرع مني قال: يا أبا الحسن ، ألست أولى بالدرع منك وأنت أولى بالدراهم مني؟ فقلت: نعم ، قال: فإن هذا الدرع هدية مني إليك ، فأخذت الدرع والدراهم ، وأقبلت إلى رسول الله ﷺ فطرحت الدرع والدراهم بين يديه ، وأخبرته بما كان من أمر عثمان فدعا له النبي ﷺ بخير.

2- زفافها:
قالت أسماء بنت عميس: كنت في زفاف فاطمة بنت رسول الله ﷺ ، فلما أصبحنا جاء النبي ﷺ إلى الباب فقال: «يا أم أيمن ! ادعي لي أخي» فقالت: هو أخوك وتنكحه؟! قال: «نعم يا أم أيمن» ، قالت: فجاء علي ، فنضح النبي ﷺ عليه من الماء ، ودعا له ، ثم قال: «ادعو إلي فاطمة» قالت: فجاءت تعثر من الحياء ، فقال لها رسول الله ﷺ : «اسكتي فقد أنكحتك أحب أهل بيتي إلي»، قالت: ونضح النبي ﷺ عليها من الماء ودعا لها ، قالت: ثم رجع رسول الله ﷺ فرأى سواداً بين يديه ، فقال: «من هذا؟» فقلت: أنا ، قال: «أسماء؟» قلت: نعم ، قال: «أسماء بنت عميس؟» قلت: نعم ، قال: «جئت في زفاف بنت رسول الله تكرمة له؟» قلت: نعم ، قالت: فدعا لي.
3- وليمة العرس:
عن بريدة قال: لما خطب علي فاطمة ، قال رسول الله ﷺ : «إنه لا بد للعُرس من وليمة» ، قال: فقال سعد: عليَّ كبش ، وجمع له رهط من الأنصار اصعاً من ذرة ، فلما كان ليلة البناء ، قال: «يا علي لا تحدث شيئاً حتى تلقاني». فدعا النبي ﷺ بماء فتوضأ منه ثم أفرغه على علي ، فقال: «اللهم بارك فيهما وبارك عليهما ، وبارك في شبلهما».
4- معيشة علي وفاطمة رضي الله عنهما:
كانت معيشة علي وفاطمة وهما أحب الناس إلى رسول الله ﷺ ، معيشة زهد وتقشف ، وصبر وجهد ، فقد أخرج هناد عن عطاء ، قال: نبئت أن علياً رضي الله عنه قال: مكثنا أياماً ليس عندنا شيء ، ولا عند النبي ﷺ ، فخرجت فإذا أنا بدينار مطروح على الطريق ، فمكثت هنيهة أوُامر نفسي في أخذه أو تركه ، ثم أخذته لما بنا من الجهد ، فأعطيت به الضفاطين، فاشتريت به دقيقاً ، ثم أتيت به فاطمة فقلت: اعجني واخبزي ، فجعلت تعجن وإن قصتها لتضرب حرف الجفنة من الجهد الذي بها ، ثم خبزت ، فأتيت النبي ﷺ فأخبرته ، فقال: «كلوه فإنه رزق رزقكموه الله عز وجل».
وعن الشعبي ، قال: قال علي رضي الله عنه: تزوجت فاطمة بنت محمد رسول الله ﷺ ومالي ولها فراش غير جلد كبش تنام عليه بالليل ، ونعلف عليه ناضحنا بالنهار ، ومالي خادم غيرها.
وعن مجاهد: قال علي: جعت مرة بالمدينة جوعاً شديداً ، فخرجت أطلب العمل في عوالي المدينة ، فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدراً ، فظننتها تريد بَلَّة، فأتيتها فقاطعتها كلَّ ذنوب على تمرة ، فمددت ستة عشر ذنوباً ، حتى مجلت يداي، ثم أتيت الماء فأصبت منه ، ثم أتيتها فقلت بكفي هكذا بين يديها، فعدت لي ست عشرة تمرة ، فأتيت النبي ﷺ ، فأخبرته ، فأكل معي منها.
في هذا الخبر بيان لشدة الحال التي مر بها أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في المدينة ، ونأخذ منه صورة من السلوك المشروع في مواجهة الشدائد ، حيث خرج علي رضي الله عنه للعمل بيديه للكسب المشروع ، ولم يجلس منتظراً ما تجود به أيدي المحسنين ، وصورة أخرى من قوة التحمل ، حيث قام بذلك العمل الشاق وهو يعاني من شدة الجوع ما يضعف قوته ، وصورة أخرى من إيثار الأحبة والوفاء لهم ، فهو على ما به من شدة الجوع ، وبالرغم مما قام به من ذلك العمل الشاق ، قد احتفظ بأجرته من التمر حتى لقي النبي ﷺ فأكل معه.
5- زهد السيدة فاطمة وصبرها:
كانت حياتها في غاية البساطة ، بعيدة عن التعقيد ، وهي إلى شظف العيش أقرب منها إلى رغده، وهذه القصة تصور لنا حال السيدة فاطمة من التعب، وموقف رسول الله ﷺ منها عندما طلبت منه أن يعطيها خادماً من السبي.
قال علي لفاطمة ذات يوم: والله لقد سنوت، حتى لقد اشتكيت صدري، قال: وجاء الله أباك بسبي فاذهبي فاستخدميه، فقالت: أنا والله قد طحنت حتى مجلتْ يداي ، فأتيت النبي ﷺ فقال: «ما جاء بك أي بنية ؟». قالت: جئت لأسلم عليك ، واستحيت أن تسأله ورجعت ، فقال علي: ما فعلت؟ قالت: استحييت أن أسأله ، فأتينا جميعاً. فقال علي: يا رسول الله ! والله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري ، وقالت فاطمة: قد طحنت حتى مجلت يداي، وقد جاءك الله بسبي وسعة فأخدمنا ، فقال رسول الله ﷺ : «والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم، لا أجد ما أنفق عليهم ، ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم» ، فرجعا فأتاهما النبي ﷺ وقد دخلا في قطيفتهما؛ إذا غطت رؤوسهما تكشف أقدامهما وإذا غطيا أقدامهما تكشفت رؤوسهما ، فثارا ، فقال: «مكانكما» ، ثم قال: «ألا أخبركما بخير ممّا سألتماني؟» قالا: بلى. فقال: «كلمات علمنيهن جبريل عليه السلام» ، فقال: «تسبحان في دبر كل صلاة عشراً، وتحمدان عشراً ، وتكبران عشراً ، وإذا أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثاً وثلاثين واحمدا ثلاثاً وثلاثين وكبرا أربعاً وثلاثين».
وفي القصة السالفة بعض القيم المهمة منها:
إن هذه الحادثة تبين لنا كيف أدار النبي ﷺ الأزمة الاقتصادية التي مرت بدولة الرسول في المدينة ، وذلك من خلال ترتيبه للأولويات ، فسد جوع أهل الصفة ضرورة ، وأما حاجة علي وفاطمة للخادم ليست بمرتبة احتياج أهل الصفة ، فقدم رسول الله ﷺ أهل الصفة عليهم ، وكانت وسائل رسول الله ﷺ في حل الأزمة الاقتصادية كثيرة.
ولقد تأثر علي ـ رضي الله عنه ـ بهذه التربية النبوية ، ويمر الزمن بالفتى علي فيصبح خليفة المسلمين ، فإذا به من اثار هذه التربية يترفع عن الدنيا وزخارفها وبيده كنوز الأرض وخيراتها ، لأن ذكر الله يملأ قلبه ويغمر وجوده ، ولقد حافظ على وصية رسول الله ﷺ له ، وقد حدثنا عن ذلك فقال: فوالله ما تركتهن منذ علمنيهن ، فسأله أحد أصحابه: ولا ليلة صفين؟ فقال: ولا ليلة صفين.
6- إنما أنفسنا بيد الله ، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا:
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: دخل عليَّ رسول الله ﷺ وعلى فاطمة من الليل ، فأيقظنا للصلاة ، قال: ثم رجع إلى بيته فصلى هوياً من الليل، قال: فلم يسمع لنا حساً ، قال: فرجع إلينا ، فأيقظنا وقال: «قوما فصليا»، قال: فجلست وأنا أعْرك عيني وأقول: إنا والله ما نصلي إلا ما كتب لنا ، إنما أنفسنا بيد الله ، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا ، قال: فولى رسول الله ﷺ وهو يقول ، ويضرب بيده على فخذه: «ما نصلي إلا ما كتب لنا ، ما نصلي إلا ما كتب لنا ، ﴿وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ﴾ [الكهف: 54]» ، وهذا فيه تجرد علي رضي الله عنه للحق وحرصه على نشر العلم ولو كان الأمر متعلقاً به رضي الله عنه ، وهذه قيمة كبرى يتعلّمها المسلمون من أمير المؤمنين علي ، ولو أراد لكتم الحديث، علماً بأن صلاة الليل لم تكن واجبة.
7- محبة رسول الله ﷺ للسيدة فاطمة وغيرته عليها:
عن ثوبان رضي الله عنه قال: كان رسول الله ﷺ إذا سافر؛ اخر عهده بالمدينة إتيان فاطمة ، وأول من يدخل عليه إذا قدم من سفره فاطمة. وفي رواية عن أبي ثعلبة الخشني قال: كان رسول الله ﷺ إذا قدم من غزو أو سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ، ثم يأتي فاطمة ، ثم يأتي أزواجه، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ولا دلاًّ برسول الله ﷺ في قيامه وقعوده من فاطمة بنت رسول الله ، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه ، وكان النبي ﷺ إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها، وفي رواية: أنها كانت تقبل يده.
وعن أسامة بن زيد ، قال رسول الله ﷺ : «أحب أهل بيتي إليَّ فاطمة» ، وقد أراد علي رضي الله عنه أن يتزوج بنت أبي جهل على فاطمة ، فخطب رسول الله ﷺ الناس - إن في رواية السيدة عائشة للحديث دليل على حقيقة المحبة بين السيدتين وليست كما يدعي المغرضون - فقال: «فاطمة بضعة مني؛ فمن أغضبها أغضبني».
وعن المسور بن مخرمة رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله ﷺ على المنبر يقول: «بني هاشم بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب ، فلا آذن لهم ، ثم لا آذن لهم ، ثم لا آذن لهم ، إلا أن يحب ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم ، فإنما ابنتي بضعة مني يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها» ، وبلفظ آخر عند مسلم قال: إن علي بن أبي طالب خطب بنت أبي جهل على فاطمة ، فسمعت رسول الله ﷺ وهو يخطب الناس في ذلك على منبره هذا ، وأنا يومئذ محتلم ، فقال: «إن فاطمة مني ، وإني أتخوف أن تفتن في دينها» قال: ثم ذكر صهراً له من بني عبد شمس، فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن ، قال: «حدثني فصدقني ، ووعدني فأوفى لي ، وإني لست أحرم حلالاً ولا أحل حراماً، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله في مكان واحد أبداً».
وروى الترمذي بسنده إلى عبد الله بن الزبير رضي الله عنه: أن علياً ذكر بنت أبي جهل ، فبلغ ذلك النبي ﷺ فقال: «إنما فاطمة بضعة مني؛ يؤذيني ما آذاها، ويتعبني ما أتعبها».
وفي إعلان رسول الله ﷺ محبتها ومكانتها على الملأ ، وأن إذايتها إذاية له؛ تعريف بحق حرمتها ، كما دلت هذه الأحاديث على تحريم إيذاء النبي ﷺ بكل حال وعلى كل وجه ، وإن تولد ذلك الإيذاء مما كان أصله مباحاً وهو حي ، وهذا بخلاف غيره ، وقالوا: وقد أعلم ﷺ بإباحة بنت أبي جهل لعلي بقوله ﷺ : «لست أحرم حلالاً» ولكن نهى عن الجمع بينهما لعلتين منصوصتين:
أحدهما: أن ذلك يؤدي إلى أذى فاطمة ، فيتأذى حينئذ النبي ﷺ ، فيهلك من آذاه ، فنهى عن ذلك لكمال شفقته على علي وعلى فاطمة.
والثانية: خوف الفتنة عليها بسبب الغيرة ، وقيل: ليس المراد به النهي ، بل معناه أعلم من فضل الله أنهما لا تجتمعان، ويحتمل أن المراد تحريم جمعهما ، ويكون معنى «لا أحرم حلالاً» أي: لا أقول شيئاً يخالف حكم الله ، فإذا أحل الله شيئاً لم أحرمه ، وإذا حرم شيئاً لم أحلله ، ولم أسكت عن تحريمه؛ لأن سكوتي تحليل له، ويـكون من جملة محرمات النكاح الجمع بين بنت نبي الله وبنت عدو الله.
ومن مناقب السيـدة فـاطمة ما رواه الحـاكم أيضاً بإسنـاده إلى بريدة رضي الله عنه قال: كان أحب النساء إلى رسول الله ﷺ : فاطمة ، ومن الرجال: علي، ولا يفهم من هذا الحديث معارضته لما ثبت في الصحيح من حديث عمرو بن العاص: أنه سئل النبي ﷺ : أي الناس أحب إليك؟ قال: «عائشة» قالت: من الرجال؟ قال: «أبوها».
فالمراد من هذا الحديث والله أعلم أن فاطمة أحب النساء إليه من أهله ، وعلي من رجالهم ، وفي ذلك يقول ابن العربي عند هذا الحديث: كان أحب الناس إلى رسول الله ﷺ أبو بكر ، وأحب أزواجه إليه عائشة ، وأحب أهله إليه فاطمة، وعلي من رجالهم ، وبهذا الترتيب تأتلف الأحاديث ويرتفع عنها التعارض.
8- صدق لهجتها:
روى الحاكم بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها: أنها كانت إذا ذكرت فاطمة بنت النبي ﷺ قالت: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة منها؛ إلا أن يكون الذي ولدها.
وفي ذلك منقبة ظاهرة لها رضي الله عنها ، فقد وصفتها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بأنها كانت تشبه النبي ﷺ هيئة وطريقة وحسن حال ، كما كان التزامها للصدق أشبه له ، فرضي الله عنها وأرضاها.
9- سيادتها في الدنيا والاخرة:
جاءت الأحاديث الصحيحة عن الصادق المصدوق التي دلت على سيادتها في الدنيا والاخرة ، روى الترمذي بإسناده إلى أنس بن مالك: أن النبي ﷺ قال: «حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد واسية امرأة فرعون».
وروى الحاكم بإسناده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : «فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من مريم بنت عمران». وقال البخاري: باب مناقب فاطمة رضي الله عنها ، وقال النبي ﷺ : «فاطمة سيدة نساء أهل الجنة».

خامساً: أولادها: الحسن والحسين رضي الله عنهما:
1- الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي ، سبط رسول الله ﷺ وريحانته في الدنيا ، وأحد سيدي شباب أهل الجنة، أمه فاطمة الزهراء ، ولد للنصف من رمضان سنة 3 هـ ، وقيل: في شعبان ، وقيل: في سنة أربع أو خمس. وقد توفي عام 50 هـ. وقد اخترت في كتابي (السيرة النبوية) بأنه ولد في العام الرابع للهجرة.
هذا وقد سماه رسول الله ﷺ حسناً ، قال علي رضي الله عنه: لما ولد الحسن سميته حرباً ، فجاء رسول الله ﷺ فقال: «أروني ابني ، ما سميتموه؟» قلت: حرباً ، قال ﷺ : «بل هو حسن». وهكذا غير ﷺ ذلك الاسم الحاد باسم جميل يدخل السرور والبهجة على القلوب ، فحمل المولود الجديد اسمه الجميل ، وحمله ﷺ بين يديه وقبله ، وهذا أبو رافع يخبرنا عن ماذا فعل رسول الله ﷺ ، يقول: رأيت النبي ﷺ أذَّن في أذني الحسن حين ولدته فاطمة بالصلاة.
وحدثنا أبو رافع عن عقيقة الحسن فقال: لما ولدت فاطمة حسناً قالت: ألا أعقّ عن ابني بدم (بكبشين) ؟ قال ﷺ : «لا ولكن احلقي رأسه ، وتصدقي بوزن شعره من فضة على المساكين والأوفاض» ، وكان الأوفاض ناساً من أصحاب رسول الله ﷺ محتاجين في المسجد أو الصفة ، ففعلت ذلك.
هذا وقد وردت أحاديث كثيرة في فضائل الحسن بن علي رضي الله عنهما منها:
أ- عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: رأيت الحسن بن علي على عاتق النبي ﷺ وهو يقول: «اللهم إني أحبه فأحبه»
ب- وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي ﷺ: أنه قال للحسن: «اللهم إني أحبه ، فأحبه وأحبب من يحبه».
ج- وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما ، عن النبي ﷺ: أنه كان يأخذه والحسن ويقول: «اللهم إني أحبهما فأحبهما».
د- عن أبي بكرة رضي الله عنهما قال: سمعت النبي ﷺ على المنبر والحسن إلى جنبه ، ينظر إلى الناس مرة وإليه مرة ويقول: «ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين».
فإخبار النبي ﷺ بأن الحسن سيد مفخرة عظيمة وميزة شريفة له رضي الله عنه وأرضاه ، وقد تحققت نبوءة جده ﷺ ، فأصلح الله على يديه بين المسلمين وحقن دماءهم؛ حيث نزل عن حقه في الخلافة لمعاوية رضي الله عنهم أجمعين، وكان ذلك في سنة إحدى وأربعين ، وكانت خلافته رضي الله عنه ستة أشهر ، وسمي هذا العام عام الجماعة ، وهذا ما أخبر به النبي ﷺ بقوله: «لعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين».
قال ابن حجر: فالحديث فيه علم من أعلام النبوة ، ومنقبة للحسن بن علي؛ فإنه ترك الملك لا لقلة ولا لذلة ولا لعلة بل لرغبة فيما عند الله ، لما راه من حقن دماء المسلمين ، فراعى أمر الدين ومصلحة الأمة، وسيأتي الحديث بإذن الله عن تنازل الحسن بالخلافة لمعاوية عند حديثنا عن عهده في كتاب مستقل.
ه- وعن سعيد المقبري، قال: كنا مع أبي هريرة رضي الله عنه فجاء الحسن بن علي بن أبي طالب علينا ، فسلم فرددنا عليه السلام ، ولم يعلم به أبو هريرة ، فقلنا: يا أبا هريرة هذا الحسن بن علي قد سلم علينا ، فلحقه وقال: عليك السلام يا سيدي ، ثم قال: إنه سيد.
و- ومنها مشابهته رضي الله عنه للنبي ﷺ في الخلق؛ فقد روى البخاري بإسناده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لم يكن أحد أشبه بالنبي ﷺ من الحسن بن علي.
ز- وروى أيضاً بإسناده إلى عقبة بن الحارث قال: رأيت أبا بكر رضي الله عنه وحمل الحسن وهو يقول: بأبي شبيه بالنبي ، ليس شبيه بعلي. وعلي يضحك، فكونه رضي الله عنه شبه جده المصطفى ﷺ في الخلق منقبة عظيمة له وفضيلة ظاهرة.
2- الحسين بن علي رضي الله عنه:
هو أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب ، سبط رسول الله ﷺ ، وريحانته ومحبوبه ، ابن بنت رسول الله ، فاطمـة رضي الله عنها ، كان مولده سنة 4 هـ، وقيل غير ذلك ، ومات رضي الله عنه قتيلاً شهيداً ، في يوم عاشوراء من شهر المحرم سنة إحدى وستين هجرية بكربلاء من أرض العراق ، فرضي الله عنه وأرضاه، وقد وردت في مناقبه وفضائله أحاديث كثيرة منها:
أ- ما رواه أحمد بإسناده إلى يعلى العامري رضي الله عنه: أنه خرج مع رسول الله ﷺ ؛ يعني إلى طعام دعوا له قال: فاستمثل رسول الله ﷺ أمام القوم ، وحسين مع غلمان يلعب ، فأراد رسول الله ﷺ أن يأخذه فطفق الصبي يفر هنا مرة وها هنا مرة ، فجعل النبي ﷺ يضاحكه حتى أخذه ، قال: فوضع إحدى يديه تحت قفاه والأخرى تحت ذقنه ووضع فاه وقبله ، وقال: «حسين مني وأنا من حسين ،اللهم أحب من أحب حسيناً ، حسين سبط من الأسباط»، وفي ذلك منقبة ظاهرة للحسين رضي الله عنه ، إذ حث على محبته وكأنه ﷺ علم بنور الوحي ما سيحدث بينه وبين القوم ، فخصه بالذكر ، وأكد على وجوب المحبة وحرمة التعرض والمحاربة ، وأكد ذلك بقوله: «أحب الله من أحب حسيناً» ، فإن محبته تؤدي لمحبة الرسول ، ومحبة الرسول محبة الله.
ب- ومنها ما رواه البخاري بإسناده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أتى عبيد الله بن زيـاد برأس الحسين عليه السلام ، فجعل في طست ، فجعل ينكث وقال في حسنه شيئاً فقال أنس: كان أشبههم برسول الله ﷺ ، وكان مخضوباً بالوسمة.
ج- وفي رواية أخرى عن أنس أيضاً: قال: لما أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسين جعل ينكت بالقضيب ثناياه يقول: لقد كان - أحسبه قال - جميلاً فقلت: والله لأسوءنك؛ إني رأيت رسول الله يلثم حيث يقع قضيبك ، قال: فانقبض.
فالحديثان يدلان على فضل الحسين رضي الله عنه ، وأنه كان أشبه أهل البيت به ، ولكن قد يرد إشكال ولا سيما وأنه قد تقدم في فضائل الحسن ، أنه لم يكن أحد أشبه برسول الله ﷺ من الحسن بن علي ، فيحدث التعارض ، وقد أزال الإشكال والتعارض ابن حجر رحمه الله؛ حيث جمع بينهما فقال: ويمكن الجمع بأن يكون أنس قال ما وقع في رواية الزهري في حياة الحسن؛ لأنه يومئذ كان أشد شبهاً بالنبي ﷺ من أخيه الحسين ، وأما ما وقع في رواية ابن سيرين فكان بعد ذلك كما هو ظاهر من سياقه ، أو المراد بمن فضل الحسين عليه في الشبه ما عدا الحسن ، ويحتمل أن يكون كل منهما أشد شبهاً في بعض أعضائه ، فقد روى الترمذي وابن حبان من طريق هاني بن هاني عن علي قال: الحسن أشبه النبي ﷺ ما بين الرأس إلى الصدر والحسين أشبه النبي ﷺ ما كان أسفل من ذلك، فهذه بعض الأحاديث الواردة في الحسين رضي الله عنه وأرضاه.
3- ما ورد من أحاديث في مناقب مشتركة بين الحسن والحسين رضي الله عنهما:
أ- ما رواه البخاري بإسناده إلى ابن عمر: قد سأله رجل من العراق عن المُحْرم يقتل الذباب ، فقال رضي الله عنه: أهل العراق يسألون عن الذباب وقد قتلوا ابن ابنة رسول الله ﷺ ، وقال النبي ﷺ : «هما ريحانتاي من الدنيا».
قال ابن حجر: والمعنى: أنهما مما أكرمني الله وحباني به؛ لأن الأولاد يشمون ويقبلون فكأنهم من جملة الرياحين.
ب- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : «من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني» يعني: حسن وحسين.
ج- وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ أبصر حسناً وحسيناً فقال: «اللهم إني أحبهما فأحبهما».
د- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن رسول الله ﷺ : «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة».
ه- عن عبد الله بن بريدة قال: سمعت أبي بريدة يقول: كان رسول الله ﷺ يخطبنا ، فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران ، فنزل رسول الله ﷺ من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ، ثم قال: «صدق الله ورسوله: ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ [التغابن: 15] ، نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما».
و- عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ كان يعوذ الحسن والحسين: «أعيذكما بكلمات الله التامة ، من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة» هكذا كان إبراهيم يعوذ ابنيه إسماعيل وإسحاق. وهذا الحديث لا يتعارض مع ما رواه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، قال: سمعت النبي ﷺ يقول: «لا هامة» وما رواه أبو هريرة عن رسول الله ﷺ في قوله: «لا هام لا هام» ، وقوله ﷺ : «لا عدوى ولا صفر ولا هامة» ، فقد أجاب أبو جعفر الطحاوي بقوله: ففي هذه الأحاديث نفيه الهامة ونفي وجودها ، فكيف يجوز أن يعوذهما من معدوم؟ فكان جوابنا له بتوفيق الله عز وجل وعونه: أن الهامة التي عوذهما ﷺ منها هي هوام الأرض التي يخاف غوائلها ، والهامة التي نفاها هي خلافهما ، وهي ما كانت العرب تقوله في موتها ، إنها كانت تقول: فمن ذلك ما رثى به لبيد أخاه أربد بقوله:
فليسَ الناسُ بعدَك في نَقيرٍ
ولا هُمْ غيرُ أصداءٍ وهامِ

ومن ذلك قول شعر أبي داود الأياديِّ:
سُلِّطَ الموتُ والمنونُ عليهم
فَلهمْ في صَدَى المَقَابر هامُ

فنفى رسول الله ﷺ ذلك ، مما في حديث أبي هريرة الذي رويناه ، وأما الهامة التي عوذ منها حسناً وحسيناً ، فهي موجودة ، وهي هوام الأرض المخوفة وهي مشددة الميم ، والهامة التي نفاها مخففة الميم ، فليست منها في شيء.

يمكن النظر في كتاب أسمى المطالب في سيرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه شخصيته وعصره
على الموقع الرسمي للدكتور علي محمّد الصّلابيّ
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book161C.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022