الخميس

1446-07-09

|

2025-1-9

أهم أعمال علي رضي الله عنه ما بين الأحزاب إلى وفاة النبي ﷺ

الحلقة الثالثة عشر

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

جمادى الأولى 1441 ه/ يناير 2020 م

أولاً: علي رضي الله عنه في غزوة (الأحزاب):
كان موقف أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في الأحزاب بطولياً رائعاً ، ينمُّ عن مدى رسوخ العقيدة في قلوب أصحاب النبي ﷺ ، والدعوة إليها ، والموت في سبيلها ، والبراءة ممن خالفها ، قال ابن إسحاق: وخرج علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين بعد أن اقتحمت خيل المشركين ثغرة في الخندق ، حتى أخذوا عليهم الثغرة التي اقتحموا منها خيلهم ، وأقبلت الفرسان تعدوا نحوهم.
وكان عمرو بن عبد ود قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراح ، فلم يشهد يوم أُحُد، فلما كان يوم الخندق خرج معلماً ليُرَى مكانهُ ، فلما وقف هو وخيله قال: من يبارز؟ فبرز له علي بن أبي طالب فقال له: يا عمرو ، إنك قد كنت عاهدت الله ألا يدعوك رجل من قريش إلى أحد خلتين إلا أخذتها منه ، قال له: أجل ، قال له علي: فإني أدعوك إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام ، قال: لا حاجة لي بذلك ، قال: فإني أدعوك إلى النّزال ، فقال له: لِمَ يا بن أخي؟ فوالله ما أُحِبُّ أن أقتلك ، قال له علي: لكني والله أحب أن أقتلك ، فحمي عمرو عند ذلك ، فاقتحم عن فرسه ، فعقرها، وضرب وجهه ، ثم أقبل على علي ، فتنازلا وتجاولا فقتله علي رضي الله عنه ، وخرجت خيلهم منهزمة ، حتى اقتحمت من الخندق هاربة.
وقد ذكر ابن كثير ما رواه البيهقي في دلائل النبوة من أشعار قالها عمرو بن عبد ود وعلي رضي الله عنه ، فقد قال عمرو لما خرج للمبارزة:
ولقد بححْتُ من النداءِ
لجَمعهِم هلْ من مبارَزْ

ووقفت إذ جَبُنَ المشجَّعُ
موقفَ القرنِ المناجزْ

ولـذاك إنـي لـم ألُ
متسرعاً قبل الهَزاهِزْ

إن الشجاعةَ في الفتَى
والجودُ من خيرِ الغرائِزْ

فعندما خرج له علي رضي الله عنه قال:
لا تَعْجَلَنَّ فقد أتـاكَ
مُجيبُ صَوتِكَ غير عاجزْ

في نيَّةٍ وبصيرةٍ
والصِّدقُ مَنْجَى كلِّ فائزْ

إني لأرجُو أن أُقيمَ
عليك نائحةَ الجنائزْ

من ضربةٍ نجلاءَ يبقى
ذكرُها عند الهزاهزْ

ولما قتل علي رضي الله عنه عمرو بن عبد ود ذكروا أنه قال من الشعر:
أعليُّ تقتحم الفوارس هكذا
عنّي وعنهم أخّروا أصحابي

اليوم يمنعني الفرار حفيظتي
ومُصَمّمٌ في الرأس ليس بنابي

وألقى عكرمة رمحه يومئذ وهو منهزم عن عمرو ، فقال حسان بن ثابت:
فرّ وألقى لنا رمحَه
لعلَّكَ عِكْرمُ لم تفْعلِ

ووليت تعدو كعَدْوِ الظَّليم
ما أن يحوّر عن المَعدِلِ

ولم تلوِ ظهرَك مستأنساً
كأن قفاكَ قفا فَرْعَلِ

وبعد مقتل عمرو بن عبد ود بعث المشركون إلى رسول الله ﷺ يشترون جيفته بعشرة آلاف ، فقال: ادفعوا إليهم جيفته، فإنه خبيث الجيفة ، خبيث الدِّية، فلم يقبل منهم شيئاً.
وقد حدث هذا والمسلمون في ضنك من العيش ، ومع ذلك فالحلال حلال والحرام حرام ، إنها مقاييس الإسلام في الحلال والحرام ، فأين هذا من بعض المسلمين الذين يحاولون إيجاد المبررات لأكل الربا وما شابهه؟.
ثانياً: علي رضي الله عنه في غزوة بني قريظة:
وكان فيها رضي الله عنه حامل راية رسول الله ﷺ في المقدمة، إلى أن حكم فيهم سعد بن معاذ ، وكان في بادئ الأمر لم ينزلوا على حكمه ، قال ابن هشام: إن علي بن أبي طالب صاح وهم محاصرو بني قريظة: يا كتيبة الإيمان ! وتقدم هو والزبير بن العوام ، وقال: والله لأذوقن ما ذاق حمزة ، أو لأقتحمن حصونهم ، فقالوا: يا محمد ننزل على حكم سعد بن معاذ، وهكذا أنزل الله تعالى الرعب والخوف في قلوب أعداء العقيدة والدين ، على لسان ذاك التقي النقي لما اتاه الله من حب الاستبسال والموت في سبيل عزة دين الله تعالى ، وقد نادى كتيبته بأحب الأسماء التي ينادي بها الله تعالى عباده، ألا وهي نداء الإيمان الذي يتجلى فيه صدق الاعتقاد ، وصلاح العمل ، وحب الجهاد في سبيله تعالى.
ولما حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه: أن تقتل مقاتلتهم ، وأن تسبى النساء والذرية ، وأن تقسم الأموال، فكان من الذين يباشرون القتل علي بن أبي طالب والزبير رضي الله عنهما.
ثالثاً: علي رضي الله عنه في صلح الحديبية وبيعة الرضوان:
في غزوة الحديبية وقبل الصلح ، خرج بعض العبيد(الأرقاء) من مكة إلى رسول الله ﷺ ، فكتب إليه مواليهم بإرجاعهم، فرفض رسول الله ﷺ أن يرجعهم وقال: «يا معشر قريش لتنتهن ، أو ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين ، قد امتحن الله قلبه على الإيمان» ، فسأله الصحابة بتلهُّف: من هو يا رسول الله؟ وكلهم يرجو أن يفوز هو بهذه الشهادة العظيمة من رسول الله ﷺ ، فقال عليه الصلاة والسلام: «هو خاصف النعل» ، وكان قد أعطى علياً يخصفها.
ولما تم الصلح بين المسلمين ومشركي قريش ، كتب علي كتاباً بينهم قال: فكتب: محمد رسول الله ، فقال المشركون: لا تكتب محمد رسول الله ، لو كنت رسول الله لم نقاتلك. فقال لعلي: امحه قال: ما أنا بالذي أمحوه. فمحاه رسول الله ﷺ بيده، فصالحهم على أن يدخل هو وأصحابه ثلاثة أيام ، ولا يدخلها إلا بجلبَّان السلاح، وقد امتنع علي رضي الله عنه من محو كلمة (رسول الله) بدافع محبته لرسول الله ﷺ وتعظيمه.
وقد طعن الروافض الغلاة في موقف الصحابة وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم في الحديبية ، وذكروا من مراجعة عمر للنبي ﷺ في أمر الصلح ، وكذلك تأخر الصحابة في بداية الأمر عن النحر والحلق حتى نحر رسول الله ﷺ وحلق ، ولا مطعن في شيء من هذا في أصحاب رسول الله ﷺ ؛ لا عمر ولا غيره من الصحابة الذين شهدوا الحديبية.
وبيان ذلك: أن الرسول ﷺ كان قد رأى في المنام أنه دخل مكة وطاف بالبيت، فأخبر أصحابه بذلك وهو بالمدينة ، فلما ساروا معه عام الحديبية لم يشك جماعة منهم أن هذه الرؤيا تتفسَّر هذا العام ، فلما وقع أمر الصلح وفيه أن يرجعوا عامهم هذا، ثم يعودوا العام القادم؛ شق ذلك على أصحاب رسول الله، فجعل عمر رضي الله عنه على ما عرف به من القوة في الحق والشدة فيه يسأل رسول الله ﷺ ويراجعه في الأمر ، ولم تكن أسئلته التي سألها رسول الله لشك في صدق الرسول ﷺ ، أو اعتراض عليه ، لكن كان مستفصلاً عما كان متقرراً لديه ، من أنهم سيدخلون مكة ويطوفون بالبيت، وأراد بذلك: أن يحفز رسول الله ﷺ على دخول مكة، وعدم الرجوع إلى المدينة ، لما يرى في ذلك من عز لدين الله وإرغام للمشركين.
قال النووي: قال العلماء: لم يكن سؤال عمرَ رضي الله عنهُ وكلامه المذكور شكاً، بل طلباً لكشف ما خفي عليه ، وحثاً على إذلال الكفار وظهور الإسلام ، كما عرف من خلقه رضي الله عنه وقوته في نصر الدين وإذلال المبطلين، فعمر رضي الله عنه كان في هذا مجتهداً ، حمله على هذا شدته في الحق ، وقوته في نصرة الدين ، والغيرة عليه ، مع ما كان قدْ عوَّدهم عليه رسول الله ﷺ من المشورة وإبداء الرأي ، امتثالاً لأمر الله تعالى: ﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ﴾ [آل عمران: 159] ، وقد كان كثيراً ما يستشيرهم ويأخذ برأيهم ، كما استشارهم يوم بدر في الذهاب إلى العير ، وأخذ بمشورتهم ، وشاورهم يوم أحد في أن يقعد في المدينة أو يخرج للعدو، فأشار جمهورهم بالخروج إليهم فخرج ، وشاورهم يوم الخندق في مصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة عامئذ ، فأبى عليه السعدان (سعد بن معاذ ، وسعد بن عبادة) فترك ذلك ، وشاورهم يوم الحديبية أن يميل على ذراري المشركين ، فقال أبو بكر: إنا لم نجأى لقتال ، وإنما جئنا معتمرين ، فأجابه إلى ما قال في حوادث كثيرة يطول ذكرها.
فقد كان عمرَ رضي الله عنهُ يطمع أن يأخذ رسول الله ﷺ برأيه في مناجزة قريش وقتالهم ، ولهذا راجعه في ذلك ، وراجع أبا بكر ، فلما رأى اتفاقهما أمسك عن ذلك وترك رأيه ، فعذره رسول الله ﷺ لما يعلم من حسن نيته وصدقه.
أما توقف الصحابة عن النحر والحلق حتى نحر رسول الله ﷺ وحلق ، فليس معصية لأمر رسول الله ﷺ ، وقد ذكر العلماء له عدة توجيهات؛ قال ابن حجر: قيل: كأنهم توقفوا لاحتمال أن يكون الأمر بذلك للندب، أو لرجاء نزول وحي بإبطال الصلح المذكور ، أو تخصيصه بالإذن بدخولهم مكة ذلك العام لإتمام نسكهم ، وسوغ لهم ذلك؛ لأنه كان زمان وقوع النسخ ، ويحتمل أنهم ألهتهم صورة الحال فاستغرقوا في الفكر لما لحقهم من الذل عند أنفسهم ، مع ظهور قوتهم واقتدارهم في اعتقادهم على بلوغ غرضهم ، وقضاء نسكهم بالقهر والغلبة، أو أخَّروا الامتثال لاعتقادهم أن الأمر المطلق لا يقتضي الفور ، ويحتمل مجموع هذه الأمور لمجموعهم.
وجاء في بعض الروايات: أن الرسول ﷺ لما رأى عدم امتثالهم دخل على أم سلمة ، فذكر لها ذلك ، فقالت: يا رسول الله ! لا تكلمهم؛ فإنهم دخلهم أمر عظيم مما أدخلت على نفسك من المشقة في أمر الصلح ورجوعهم بغير فتح. فأشارت عليه كما جاء في رواية البخاري: أن أُخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك ، وتدعو حالقك فيحلقك ، فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك ، نحر بدنه ، ودعا حالقه فحلقه ، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا.
قال ابن حجر: ويحتمل أنها فهمت عن الصحابة أنه احتمل عندهم أن يكون النبي ﷺ أمرهم بالتحلُّل أخذاً بالرخصة في حقهم ، وأنه يستمر على الإحرام أخذاً بالعزيمة في حق نفسه ، فأشارت عليه أن يتحلل لينتفي عنهم هذا الاحتمال ، وعرف النبي ﷺ صواب ما أشارت به ففعله.
ونظير هذا ما وقع لهم في غزوة الفتح من أمره لهم بالفطر في رمضان ، فلما استمروا على الامتناع ، تناول القدح فشرب، فلما رأوه شرب فشربوا. وهذا الوجه حسن ، وهو اللائق بمقام أصحاب النبي ﷺ ، فإنهم كانوا على قدر كبير من تعظيم الإحرام والحرص على إكمال النسك ، فلما أمرهم النبي ﷺ بالتحلل ولم يفعل؛ ظنوا أن الذي حمله على هذا هو الشفقة عليهم ، كما كانت سيرته معهم، فكأنهم رضي الله عنهم آثروا التأسي به على ما رخص لهم فيه من التحلل ، ثم لما رأوه قد تحلل أيقنوا أن هذا هو الأفضل في حقهم ، فبادروا إليه.
وهذا مثل ما حصل منهم في الحج مع النبي ﷺ لما بلغوا مكة وطافوا وسعوا؛ أمرهم أن يحلوا ، وأن يصيبوا النساء ويجعلوها عمرة ، فكبر ذلك عليهم لتعظيمهم لنسكهم ، وقالوا: نذهب إلى عرفة ومذاكيرنا تقطر من المني ! فلما علم بذلك الرسول ﷺ وكان لم يتحلَّل ، قال لهم: «أيها الناس أحلوا ، فلولا الهدي الذي معي فعلت كما فعلتم». قال جابرٌ رضي الله عنهُ راوي الحديث: فحللنا وسمعنا وأطعنا، وهذا كله من حرص أصحاب رسول الله ﷺ على الخير والرغبة في التأسي برسول الله ﷺ التأسي الكامل.
إن موقف النبي ﷺ في سكوته على عمر رضي الله عنه عندما عارضه على الصلح يعطي قيمة كبرى بأنه على القيادات الإسلامية من حكام وعلماء ودعاة أن يتحلوا بسعة الصدر ، وحسن الاستماع للرأي الاخر ، وإعطاء المجال لكل ذي رأي أن يعبر عن رأيه بما يخدم المصلحة العامة ، لا أن يفتح السجون ويكمم الأفواه ، إن النبي ﷺ في صلح الحديبية بين أن حرية إبداء الرأي مكفولة في المجتمع الإسلامي ، وأن للفرد في المجتمع المسلم الحرية في التعبير عن رأيه، ولو كان هذا الرأي نقداً لموقف حاكم من الحكام أو خليفة من الخلفاء؛ فمن حق الفرد المسلم أن يبين وجهة نظره في جو من الأمن والأمان دون إرهاب أو تسلط يخنق حرية الكلمة والفكر ، وإذا كان هذا موقف رسول الله ﷺ مع عمر؛ فمن باب أولى معارضة رئيس الدولة ، في رأي من الآراء ، وموقف من المواقف ، ليست بحد ذاتها جريمة تستوجب العقاب ، ويغيب صاحبها في غياهب السجون.
كما أن الهدي النبوي الكريم يعلمنا كيف يربي أصحابه من خلال الأحداث. ولقد نال علي رضي الله عنه في الحديبية مع من حضر من أصحاب رسول الله ؛ رضا الله عز وجل ، ونزل فيهم قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ﴾ [الفتح: 18] ، وقال رسول الله ﷺ : «لن يدخل أحد النار بايع تحت الشجرة» ، وقد نال علي رضي الله عنه وإخوانه مثل أبي بكر وعمر وغيرهم من قبل في بدر وساماً عظيماً وشرفاً عالياً ، فقد قال رسول الله في أهل بدر: «وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم».
رابعاً: عمرة القضاء: 7 هـ ، وعلي رضي الله عنه وحضانة ابنة حمزة رضي الله عنه:
لقد تغيرت النفوس والعقول بتأثير الإسلام تغيراً عظيماً ، فعادت البنت - التي كان يتعيَّر بها أشراف العرب ، وجرت عادة وأدها في بعض القبائل فراراً من العار ، وزهداً في البنات - حبيبة يتنافس في تربيتها المسلمون ، وكانوا سواسية، لا يرجع بعضهم على بعض إلا بفضل أو حق، فلما أراد النبي ﷺ الخروج من مكة ، تبعته ابنة حمزة تنادي: يا عمّ ، فتناولها علي ، فأخذ بيدها وقال لفاطمة رضي الله عنها: دونك ابنة عمك ، فاختصم فيها علي وزيد وجعفر، قال علي: أنا أخذتها وهي بنت عمي ، وقال جعفر: هي ابنة عمي وخالتها تحتي، وقال زيد: ابنة أخي ، فقضى بها النبي ﷺ لخالتها وقال: الخالة بمنزلة الأم ، وقال لعلي: «أنت مني وأنا منك» ، وقال لجعفر: «أشبهت خَلْقي وخُلْقي» ، وقال لزيد: «أنت أخونا ومولانا». وقال علي لرسول الله ﷺ : ألا تتزوج بنت حمزة. قال: إنها ابنة أخي من الرضاعة.
وفي هذه القصة دروس وعبر وأحكام وفوائد منها:
1- الخالة بمنزلة الأم.
2- الخالة تقدم على غيرها في الحضانة إذا لم يوجد الأبوان.
3- تزكية رسول الله ﷺ لجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، ووصفه له بقوله: «أشبهت خَلْقي وخُلُقي».
4- منقبة زيد بن حارثة: يقول له الرسول ﷺ : «أنت أخونا ومولانا» ، لأنه كان أخاً لحمزة بن عبد المطلب ، فقد آخى الرسول ﷺ بينهما ، وهو باجتهاده يريد أن يكون عليه ما على الأخ الشقيق من واجبات ، والواجب أن يكون ولياً على بنت حمزة رضي الله عنه.
5- زواج المرأة لا يسقط حقها من الحضانة: لقد حكم النبي ﷺ إلى زوجة جعفر بالحضانة وعمتها صفية بنت عبد المطلب حية موجودة.
6- لا بد من موافقة الزوج على حضانة زوجته لابنة أختها؛ لأن الزوجة محتبسه لمصلحته ومنفعته ، والحضانة قد تفوِّت هذه المصلحة جزئياً ، فلا بد من استئذانه، ونلاحظ هنا أن جعفر بن أبي طالب قد طالب بحضانة بنت عمه حمزة لخالتها وهي زوجة له ، فدلَّ على رضاه بذلك.
7- إن الطفل إذا رضع مع عمه يصبح أخاً له في الرضاعة ، وتصبح بناته كلهن بنات أخيه من الرضاعة ، فيحرم عليه نكاحهن.
خامساً: علي رضي الله عنه في غزوة خيبر 7 هـ:
ذكر ابن إسحاق، أنها كانت في المحرم من السنة السابعة للهجرة ، وذكر الواقدي، أنها كانت في صفر أو ربيع الأول من السنة السابعة للهجرة ، بعد العودة من غزوة الحديبية ، وذهب ابن سعد، إلى أنها في جمادى الأولى سنة سبع، وقال الإمامان الزهري ومالك: إنها في محرم من السنة السادسة، وقد رجح ابن حجر قول ابن اسحاق على قول الواقدي.
وفي هذه الغزوة تجلت فيها بطولة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، ومكانته عند الله وعند رسوله ، وما قدر الله من فتح هذه المستعمرة اليهودية ، ذات الأهمية العسكرية الاستراتيجية على يده في مظهر جلي رائع، فقد كانت خيبر مستعمرة يهودية تتضمن قلاعاً حصينة ، وقاعدة حربية لليهود ، آخر معقل من معاقلهم في جزيرة العرب ، وكانوا يتربصون بالمسلمين الدوائر، ويتآمرون مع يهود المدينة وخارجها لغزو المدينة ، فأراد رسول الله ﷺ أن يستريح منهم ، ويأمن من جهتهم ، وكانت في الشمال الشرقي للمدينة على بعد سبعين ميلاً منها، توجه رسول الله ﷺ بجيشه إلى خيبر ، وكانوا ألفاً وأربعمئة ، ونازل حصون خيبر ، وبدأ يفتحها حصناً حصناً.
واستعصى حصن الغموص على المسلمين ، وكان علي بن أبي طالب رمداً ، فقال رسول الله ﷺ : «لأعطين هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه ، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله» ، فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يُعطاها؟ فلما أصبح الناس ، غدوا على رسول الله ﷺ كلهم يرجو أن يعطاها ، فقال: أين علي بن أبي طالب؟ فقيل: هو يا رسول الله يشتكي عينيه. قال: فأرسلوا إليه ، فأتي به ، فبصق رسول الله ﷺ في عينيه، ودعا له فبرأ حتى كأنه لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية ، فقال علي: يا رسول الله ، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا. فقال: «انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه ، فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حُمُر النَّعَم». فانطلق حتى فتح الله عليه خيبر.
وكان من صور بطولته فيها أن خرج له مرحب ملكهم وهو يقول:
قد علمت خيبر أني مرحبُ
شاكي السلاحِ بطلٌ مُجرَّبُ

إذا الحروب أقبلت تَلَهَّبُ

فقال علي:
أنا الذي سمَّتني أمِّي حيدره
كليثِ غاباتٍ كريهِ المنظره

أُوفيهم بالصاع كيل السندره

فضرب رأس مِرحب ، فقتله ، ثم كان الفتح على يديه.
وفي موقف علي في غزوة خيبر دروس وعبر وفوائد؛ منها:
1- فضيلة عظيمة ومنقبة ظاهرة لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه:
حيث شهد له النبي ﷺ بالمحبة في قوله: «يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله». وقال ابن حجر: في معنى أن علياً يحب الله ورسوله؛ أراد بذلك وجود المحبة ، وإلا فكل مسلم يشترك مع علي في مطلق هذه الصفة ، وفي هذا الحديث تلميح بقوله تعالى:﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران:31]. فكأنه أشار إلى أن علياً تام الاتباع لرسول الله ﷺ حتى اتصف بصفة محبة الله له.

2- بركة دعائه ﷺ :
حيث استجاب الله لدعاء رسول ﷺ ، وقد قال علي رضي الله عنه: ما رَمِدْتُ منذ تفل النبي ﷺ في عيني، كما أن علياً رضي الله عنه مرض مرة، فأتاه النبي ﷺ وهو يقول: اللهم إن كان أجلي قد حضر فأرحني ، وإن كان متأخراً فارفعني، وإن كان البلاء فصبرني ، فقال له رسول الله ﷺ : «ما قلت؟» فأعاد عليه ، فقال رسول الله ﷺ : «اللهم اشفه ، اللهم عافه» ، ثم قال: «قم». فقمت ، فما عاد لي ذلك الوجع بعده.
3- لا علاقة بين هذا الحديث وإمامة علي رضي الله عنه:
ذهب الروافض إلى أن علياً رضي الله عنه هو الخليفة بعد النبي ﷺ ، واستدلوا بمجموعة من الأحاديث تدل على فضله ولا تدل على إمامته؛ منها هذا الحديث، وزادوا فيه زيادات باطلة لا تصح عند علماء الحديث ، كما أنه لا ملازمة بين كونه محباً لله ورسوله ومحبوباً لهما ، وبين كونه إماماً بلا فصل أصلاً على أنه لا يلزم من إثباتهما له نفيهما عن غيره ، كيف وقد قال الله تعالى في حق أبي بكر ورفقائه: ﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾ [المائدة: 54] ، وقال في حق أهل بدر: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾ [الصف: 4] ، ولا شك أن من يحبه الله يحبه رسوله ، ومن يحب الله من المؤمنين يحب رسوله.
وقال في شأن أهل مسجد قباء: ﴿ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾ [التوبة: 108]. ولما سئل: من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة» قيل: ومن الرجال ؟ قال: «أبوها». وإنما نص على المحبة والمحبوبية في حق علي مع وجودهما في غيره لنكتة دقيقة تحصل من ضمن قوله: «يفتح الله على يديه». وهي أنه لو ذكر مجرد الفتح لربما توهم أن ذلك غير موجب لفضيلته لما ورد في قوله ﷺ : «إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر». فأزال ذلك التوهم بإثبات هاتين الصفتين له ، فصار المقصود منه تخصيص مضمون؛ يفتح الله على يديه ، وما ذكر من الصفات لإزالة ذلك التوهم.

4- وهناك مجموعة من الفوائد من حديث فضل علي في فتح خيبر:
- منها: فضل الصحابة في انشغالهم تلك الليلة ، وشغلهم عن بشارة الفتح ، لأنهم انشغلوا عن بشارة الفتح بالتماسهم معرفة من يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، والإيمان بالقدر لحصولها لمن لم يسمع لها ومنعها عمن سعى؛ لأنَّ الصحابة غدوا على رسول الله مبكرين كلهم يرجو أن يُعطاها ، ولم يعطوها ، وعلي بن أبي طالب مريض ولم يسع لها ، ومع ذلك أعطي الراية.
- الأدب في قوله: على رسلك. ووجهه: أنه أمره بالتمهل وعدم التسرع ، الدعوة إلى الإسلام قبل القتال.
- الدعوة بالحكمة ، تؤخذ من قوله: أخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، لأن من الحكمة أن تتم الدعوة ، وذلك بأن تأمره بالإسلام أولاً ، ثم تخبره بما يجب عليه من حق الله ، ولا يكفي أن تأمره بالإسلام لأنه قد يطبِّق هذا الإسلام الذي أمرته به ، وقد لا يطبقه ، بل لا بد من تعاهده حتى لا يرجع إلى الكفر.
- المعرفة بحق الله في الإسلام تؤخذ من قوله ﷺ : «وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه».
- ثواب من اهتدى على يديه رجل واحد ، لقوله ﷺ : «لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم» أي: خير لك من كل ما يستحسن في الدنيا ، وليس المعنى كما قال بعضهم: خير لك من أن تتصدق بنعم حمر.
الحلف على الفتيا لقوله ﷺ : «فو الله لأن يهدي الله... إلخ» ، فأقسم النبي ﷺ ، وهو لم يُستقسم ، والفائدة: هي حثه على أن يهدي الله به والتوكيد عليه. وقد أمر الله رسوله بالحلف في ثلاثة مواضع من القران الكريم ، في قوله تعالى: ﴿ وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ ﴾ [يونس: 53] ، وفي قوله: ﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ﴾ [التغابن: 7] ، وفي قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ ﴾ [سبأ: 3]. فإذا كان هناك في القَسَم مصلحة ابتداء، أو جواباً لسؤال جاز، وربما يكون مطلوباً .

يمكن النظر في كتاب أسمى المطالب في سيرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه شخصيته وعصره
على الموقع الرسمي للدكتور علي محمّد الصّلابيّ
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book161C.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022