الخميس

1446-03-16

|

2024-9-19

(إبراهيم عليه السلام يوم القيامة)

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 297

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

ذو القعدة 1444ه/ مايو 2023م

 

1. أول من يُكسى يوم الحشر:

روى الإمام مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قَامَ فِينَا رَسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم خَطِيبًا بمَوْعِظَةٍ، فَقالَ: يا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّكُمْ تُحْشَرُونَ إلى اللهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104] أَلَا وإنَّ أَوَّلَ الخَلَائِقِ يُكْسَى، يَومَ القِيَامَةِ إبْرَاهِيمُ عليه السَّلَامُ .(1)

ورُوي عن ابن عباس أيضاً أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: أوّل من يُكسى إبراهيم حُلة من الجنة ويُؤتى بكرسي فيُطرح عن يمين العرش ويُؤتى بي فأُكسى حلّة لا يقوم لها البشر.(2)

ويُقال: إنَّ الحكمة في خصوصية إبراهيم - عليه السّلام - بذلك هي أنه لما ألقي في النار كان عُرياناً، فكان الله جلّ وعلا أراد أن يكافئه في الآخرة فعجّل له بالكساء والستر، وقيل: لأنه أول من لبس السراويل، وهذه الأقوال لا تعدو أن تكون فهماً خاصاً واستنباطاً لبعض العلماء ليس لها من الإلزام شيء؛ لأن مثلها يعرف بالوحي لا بالرأي.(3)

2. مكانة النبي إبراهيم عليه السلام في الشفاعة يوم القيامة:

من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم أُتِيَ بلَحْمٍ فَرُفِعَ إلَيْهِ الذِّرَاعُ، وكَانَتْ تُعْجِبُهُ فَنَهَشَ منها نَهْشَةً، ثُمَّ قالَ: أنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَومَ القِيَامَةِ، وهلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذلكَ؟ يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ في صَعِيدٍ واحِدٍ، يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي ويَنْفُذُهُمُ البَصَرُ، وتَدْنُو الشَّمْسُ، فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الغَمِّ والكَرْبِ ما لا يُطِيقُونَ ولَا يَحْتَمِلُونَ، فيَقولُ النَّاسُ: ألَا تَرَوْنَ ما قدْ بَلَغَكُمْ، ألَا تَنْظُرُونَ مَن يَشْفَعُ لَكُمْ إلى رَبِّكُمْ؟ فيَقولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: علَيْكُم بآدَمَ، فَيَأْتُونَ آدَمَ عليه السَّلَامُ فيَقولونَ له: أنْتَ أبو البَشَرِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بيَدِهِ، ونَفَخَ فِيكَ مِن رُوحِهِ، وأَمَرَ المَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، اشْفَعْ لَنَا إلى رَبِّكَ، ألَا تَرَى إلى ما نَحْنُ فِيهِ، ألَا تَرَى إلى ما قدْ بَلَغَنَا؟ فيَقولُ آدَمُ: إنَّ رَبِّي قدْ غَضِبَ اليومَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، ولَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وإنَّه قدْ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إلى غيرِي، اذْهَبُوا إلى نُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحًا فيَقولونَ: يا نُوحُ، إنَّكَ أنْتَ أوَّلُ الرُّسُلِ إلى أهْلِ الأرْضِ، وقدْ سَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا، اشْفَعْ لَنَا إلى رَبِّكَ، ألَا تَرَى إلى ما نَحْنُ فِيهِ؟ فيَقولُ: إنَّ رَبِّي عزَّ وجلَّ قدْ غَضِبَ اليومَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، ولَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وإنَّه قدْ كَانَتْ لي دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا علَى قَوْمِي، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إلى غيرِي، اذْهَبُوا إلى إبْرَاهِيمَ، فَيَأْتُونَ إبْرَاهِيمَ فيَقولونَ: يا إبْرَاهِيمُ أنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وخَلِيلُهُ مِن أهْلِ الأرْضِ، اشْفَعْ لَنَا إلى رَبِّكَ ألَا تَرَى إلى ما نَحْنُ فِيهِ، فيَقولُ لهمْ: إنَّ رَبِّي قدْ غَضِبَ اليومَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، ولَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وإنِّي قدْ كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلَاثَ كَذِبَاتٍ - فَذَكَرَهُنَّ أبو حَيَّانَ في الحَديثِ - نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إلى غيرِي .(4)

ومن حديث أبيّ بن كعب رضي الله عنه: يا أُبَيُّ إنَّ ربي تبارك وتعالى أَرْسَلَ إلَيَّ أَنِ اقْرَإِ القرآنَ على حرفٍ، فرَدَدْتُ إليه: أَنْ هَوِّنْ على أُمَّتِي، فأَرْسَل إلَيَّ الثانيةَ أَنِ اقْرَأْهُ على حَرْفَيْنِ، فرَدَدْتُ إليه أَنْ هَوِّنْ على أُمَّتِي، فأَرْسَلَ إلَيَّ الثالثةَ: أَنِ اقْرَأْهُ على سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، ولكَ بكلِّ رَدَّةٍ رَدَدْتَها مسألةٌ تَسْأَلُنِيها، فقلتُ: اللهم اغْفِرْ لِأُمَّتِي، اللهم اغْفِرْ لِأُمَّتِي، وأَخَّرْتُ الثالثةَ ليومٍ يَرْغَبُ إلَيَّ فيه الخَلْقُ كُلُّهم، حتى إبراهيمُ عَليه السَّلام .(5)

3. حال والد إبراهيم عليه السلام:

عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: يَلْقَى إبْراهِيمُ أباهُ آزَرَ يَومَ القِيامَةِ، وعلَى وجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وغَبَرَةٌ، فيَقولُ له إبْراهِيمُ: ألَمْ أقُلْ لكَ لا تَعْصِنِي، فيَقولُ أبُوهُ: فاليومَ لا أعْصِيكَ، فيَقولُ إبْراهِيمُ: يا رَبِّ إنَّكَ وعَدْتَنِي أنْ لا تُخْزِيَنِي يَومَ يُبْعَثُونَ، فأيُّ خِزْيٍ أخْزَى مِن أبِي الأبْعَدِ؟ فيَقولُ اللَّهُ تَعالَى: إنِّي حَرَّمْتُ الجَنَّةَ علَى الكافِرِينَ، ثُمَّ يُقالُ: يا إبْراهِيمُ، ما تَحْتَ رِجْلَيْكَ؟ فَيَنْظُرُ، فإذا هو بذِيخٍ مُلْتَطِخٍ، فيُؤْخَذُ بقَوائِمِهِ فيُلْقَى في النَّارِ.(6)

 

مراجع الحلقة السابعة والتسعون بعد المائتين:

(1) صحيح مسلم، رقم (2860)؛ صحيح البخاري، رقم (3447).

(2) فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، (13/158).

(3) فقه دعوة الأنبياء في القرآن الكريم، أحمد البراء الأميري، ص240.

(4) صحيح البخاري، رقم (4712)؛ صحيح مسلم، رقم (194).

(5) صحيح الجامع الصغير وزيادته الفتح الكبير، الألباني، رقم (7841).

(6) صحيح البخاري، رقم (3350).

 

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022