السبت

1446-06-27

|

2024-12-28

وردت في السنة النبوية الكثير من الأحاديث التي تشير إلى مرتبة الخلق كمرتبة من مراتب القدر، ومن أهمها:

1 ـ عن زيد بن أرقم ـ رضي الله عنه ـ قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها (1).

والشاهد قوله:" اللهم آت نفسي تقواها وزكاها..، فالفاعل هو الله ـ تعالى ـ فهو الذي يطلب منه ذلك، ولفظ "خير" ليس للتفضيل، بل لا مزكي للنفس إلا الله، ولهذا قال بعد ذلك أنت وليها ومولاها (2)، فهو سبحانه الملهم للنفس الخير والشر. قال تعالى:" فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا" (الشمس: 8). قال سعيد بن حبير في تفسير هذه الآية " فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا" أي: فالخلق لله والإنسان قادر على سلوك أيهما شاء ومخير فيه، وقال ابن زيد في معنى الآية: جعل ذلك فيها بتوفيقه إياها للتقوى، وخذلانه إياها بالفجور (3).

2 ـ وعن البراء بن عازم ـ رضي الله عنه ـ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق ينقل معنا التراب وهو يقول:

والله لولا الله ما اهتدينا                 ولا صمنا ولا صلينا

فأنزلن سكينة علينا                                وثبت الأقدام إن لاقينا

والمشركون قد بَغَوْا علينا                  إذا أرادوا فتنة أبينا (4)

وفي رواية أخرى للبخاري: ولا تصدقنا ولا صلينا (5)، بدل: ولا صمنا ولا صلينا، وبهذه الرواية يستقيم الوزن، قال ابن حجر: وهو المحفوظ (6). ودليل هذه المرتبة قوله: لولا الله ما اهتدينا، ولا تصدقنا ولا صلينا، فإنها دليل على أن الله هو خالق العباد وأفعالهم ومنها: الهداية، والصدقة، والصلاة (7).

3 ـ وعن ورّاد مولى المغيرة بن شعبة قال: كتب معاوية إلى المغيرة: اكتب إليّ ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول خلف الصلاة، فأملى عليّ المغيرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول خلف الصلاة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد (8). والشاهد قوله : اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت فالمعطي والمانع هو الله ـ تعالى ـ، فهو الفاعل لهما، وهذا يدل على أن الخالق هو الله ـ سبحانه وتعالى ـ. وقوله :"ولا ينفع ذا الجد منك الجد" أي: لا ينفع ذا الغنى منك غناه، أو لا ينجيه حظه منك، بل ينفعه عمله الصالح (9).

4 ـ وقد قال صلى الله عليه وسلم لأبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ : يا عبد الله بن قيس، ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة، فقلت: بلى يا رسول الله، قال: قل: لا حول ولا قوة إلا بالله (10). والشاهد قوله: لا حول ولا قوة إلا بالله، ففيها الاعتراف بأنه لا صانع غير الله، ولا راد لأمره وأن العبد لا يملك من أمره شيئاً، فمعناها: لا حركة ولا أستطاعة ولا حيلة إلا بمشيئة الله تعالى، وقيل معناه لا حول في دفع شر ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله، وقيل: لا حول عن معصية الله إلا بعصمته، ولا قوة على طاعة الله إلا بمعونته، وحُكِيَ هذا عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ وكله متقارب (11)، والكنز هنا: معناه ثواب مُدَّخر في الجنة عند الله وهو ثواب نفيس (12).

5 ـ وعن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين وإذا سجد قال: اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين (13). ففي الحديث: دلالة على أن الله فطر السموات والأرض أي خلقهن وأبدعهن وأتقن صنعهن وأوجدهن من العدم على غير مثال سابق، فخلقه سبحانه لهذا الكون من أرض وسموات وما فيهن من رطب ويابس ومخلوقات عجيبة أكبر دليل على هذه المرتبة وأن الله يخلق الخلق بقدرته على ما اقتضاه علمه السابق ومشيئته النافذة (14).

6 ـ قال صلى الله عليه وسلم: سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما أستطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، قال: ومن قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة (15).

والحديث يدل على شيء مما خلق الله تعالى وهو خلق الإنسان وما احتواه هذا المخلوق من أعضاء وأجهزة يعجز الإتيان بمثلها إلا من هو خالق كل شيء سبحانه فالناظر في نفسه ودقة تكوينها وعجيب خلقتها يؤمن بأن الله خالق كل شيء (16)، فتضمن هذا الاستغفار الاعتراف من العبد بربوبية الله وإلهيته وتوحيده والاعتراف بأنه خالقه، العالم به إذ انشأه نشأة تستلزم عجزه عن أداء حقه وتقصيره فيه (17).

---------------------------------------------

مراجع الحلقة السابعة عشر:

([1])  مسلم، ك الذكر والدعاء رقم 2722 .

(2)  شرح النووي على مسلم (17 / 41) .

(3)  زاد المسير، ابن الجوزي (9 / 140) .

(4)  فتح الباري (11/ 516) .

(5)  المصدر نفسه (7/ 399) .

(6)  المصدر نفسه (11/ 516) .

(7)  القضاء والقدر، عبد الرحمن المحمود ص  83.

(8)  فتح الباري (2 / 325) .

(9)  القضاء والقدر، المحمود ص 81.

(10)  فتح الباري (11/ 500) .

(11)  شرح النووي على صحيح مسلم (17/ 26 ـ 27) .

(12)  المصدر نفسه (17/ 27) .

(13)  مسلم، ك صلاة المسافرين رقم 771.

(14)  المباحث العقدية (2/ 886) .

(15)  البخاري، ك الدعوات رقم 5947.وللعلامة السفاريني كتاب في شرح هذا الحديث.

(16)  المباحث العقدية (2/ 886) .

(17)  مدارج السالكين (1/ 221) .

 

لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:

كتاب الإيمان بالقدر في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي:

http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/648


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022