مراتب القدر .. مرتبة خلق الإنسان
مختارات من كتاب "الإيمان بالقدر"
لمؤلفه الشيخ الدكتور علي محمد الصلّابي
الحلقة السادسة عشر
مرتبة الخلق: وهو الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى خالق كل شئ، فهو خالق كل عامل وعمله، وكل متحرك وحركته، وكل ساكن وسكونه، وما من ذرّة في السماوات وفي الأرض إلا والله سبحانه وتعالى خالقها وخالق حركتها وسكونها، سبحانه لا خالق غيره ولا ربّ سواه (1).
ومن الأدلة من القرآن:
1 ـ قال تعالى: ﴿قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: 95-96]. أي خلقكم وعملكم، فتكون ما مصدرية، وقيل: إنها بمعنى الذي، فيكون المعنى: والله خلقكم وخلق الذي تعملونه بأيديكم وهو الأصنام (2).
وقد ذكر ابن كثير القولين ثم قال: وكلا القولين متلازم والأول أظهر (3)، وقد علل ذلك بما يؤيده من رواية البخاري في أفعال العباد عن حذيفة ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يصنع كل صانع وصنعته وتلا بعضهم عند ذلك ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ فأخبر أن الصناعات وأهلها مخلوقة (4)، فالله تعالى خالق الخلق وأفعالهم كما دلت على ذلك، الآية والحديث (5).
2 ـ قال تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾[الرعد: 16]، وفي آية أخرى: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [غافر: 62].
وهذه نصوص واضحة في الدلالة على مرتبة الخلق، وقد جاءت الآية الأولى في معرض إنكار أن يكون للشركاء خلق كخلقه سبحانه وتعالى، فنفى ذلك سبحانه آمراً رسوله أن يقرر هذه الحقيقة التي تفصل في الأمر، وتدل على وحدانية الله تعالى وانفراده بالخلق والرزق ﴿قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [الرعد: 16]، وفي موضع آخر جاءت هذه الآية لبيان قدرة الله تعالى وكماله ودلائل وحدانيته ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [الزمر: 62]، أما الآية الثانية فقد جاءت أيضاً لبيان قدرة الله التامة، حيث جعل لعباده الليل والنهار ثم بين سبحانه أنه خالق كل شيء (6).
3 ـ وقال تعالى: ممتناً على الصحابة رضوان الله عليهم بعد أن أمرهم بالتثبت في خبر الفاسق قال تعالى: "وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ" (الحجرات : 7). والشاهد قوله: " وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ....." فهو سبحانه هو الذي حسنه بتوفيقه وقربه منكم، وهو الذي جعل ما يضاد الإيمان من الكفر والفسوق والعصيان مكروهاً عندكم، وذلك بما أودع في قلوبكم من كراهة الشر وعدم إرادة فعله، فالفاعل في كل ذلك هو الله تعالى (7).
وهناك آيات كثيرة تدل على أن الله تعالى هو المضل والهادي، والمؤيد لعباده المؤمنين، والهازم لأعدائهم وأنه المضحك والمبكي، والمميت والمحيي، وكل ذلك دليل مرتبة الخلق (8).
وقد أورد الحافظ ابن كثير هذا الدعاء في تفسيره آية الحجرات السابقة " وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ" قال لمّا كان يوم أحد وانكفأ المشركون قال صلى الله عليه وسلم: "استووا حتى أثنى على ربيِّ" فصاروا خلفه صُفُوفاً: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لما أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرب لما بعدت، ولا مباعد لما قربت، اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، اللهم إني أسألك النعيم يوم العيلة، والأمن يوم الخوف، اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا وشر ما منعت، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، اللهم توفنا مسلمين، وأحيينا مسلمين وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين، اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك، ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك، اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب إله الحق (9)، فترى في هذا الحديث الإقرار بأن الله تعالى هو الفاعل لهذه الأمور، وهذا دليل على مرتبة الخلق (10) .
---------------------------------------------
مراجع الحلقة السادسة عشر:
(1) معارج القبول (3 / 940) .
(2) زاد المسير في علم التفسير (7 / 70) .
(3) تفسير ابن كثير (7 / 22) القضاء والقدر، ص 77.
(4) تفسير ابن كثير (7 / 22) القضاء والقدر، ص 77.
(5) القضاء والقدر، عبد الرحمن المحمود ص 77.
(6) القضاء والقدر، المحمود ص 78.
(7) فتح البيان في مقاصد القرآن صديق خان (9 / 74) .
(8) القضاء والقدر، المحمود ص 79.
(9) مسند أحمد (3 / 4224) السنة لابن أبي عاصم رقم 381.
(10) القضاء والقدر، عبد الرحمن المحمود ص 80.
لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:
كتاب الإيمان بالقدر في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي: