كان خلقَه القرآن (1)
الحلقة الخمسون من كتاب
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
جمادى الأولى 1443 هــ / ديسمبر 2021
نبي الأخلاق:
يــا رَسُــولَ اللهِ حُــبُّـكَ في *** مُهْجَتِي كالدُّرِّ فِي الصَّدَفِ
والشَّـذَى في الرَّوْضَةِ الأُنُفِ *** والفُرَاتِ العَذْبِ في الدِّيَمِ
لَيْـسَ كالمُخْتـارِ فِي البَـشَــرِ *** فَهْوَ كُلُّ السَّمْـــعِ والبَصـرِ
واحــدُ الـتَّـارِيــخِ والسِّيَــرِ *** وإمــامُ الرُّسْــلِ والأُمــمِ
دَمـــعَــتْ عَيْـنـي لِـمَـــرْآهُ *** وهَـفَـى قلْبِــي لِلُـقْـيـــاهُ
خَـصــهُ بالفَــضــلِ مَــولاهُ *** فَهْوَ فِي الأخْيـارِ كالعَلَــمِ
بُعث صلى الله عليه وسلم بالخلق الكريم، ولا غرابة؛ فهو القائل صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لأتَـمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ». والأخلاق نوعان:
النوع الأول: أخلاق فطرية، وهي التي جُبل عليها الناس، فكل الناس يحبون الصدق ويكرهون الكذب، ويحبون الوفاء ويكرهون الغدر، ويحبون الكرم ويكرهون البخل، ويحبون مكارم الأخلاق العامة ويكرهون سفاسفها.
النوع الثاني: ما هو من تزكية هذه الأخلاق وتقويمها وتسديدها، وحث الناس عليها، وهذا هو الذي بعث به النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليتمم مكارم الأخلاق، ولهذا احتوى دينه على أعظم الأخلاق، وكان صلى الله عليه وسلم هو المذكرة التفسيرية، والقدوة العملية لهذه الأخلاق؛ يدعو إليها ويؤمن بها.
المحك العملي:
نعرف اليوم في حياة البشرية- بل ومنذ قرون التاريخ كلها- أن كثيرًا من الدعوات والحركات والنظريات تتكلم عن قيم ومعان لا تطبقها، فلو نظرنا إلى الشيوعية لوجدناها تتكلم عن المساواة، والعدالة، وحقوق العمال، ولو نظرنا إلى الماسونية وقوانينها وأنظمتها لوجدناها كذلك تتكلم عن العدل والمساواة، ولو نظرنا إلى جميع النظريات التي قامت في الشرق أو الغرب من النظريات الديمقراطية، أو الرأسمالية، أو الليبرالية، أو غيرها، القديم منها والجديد؛ لوجدنا أن ثمة كلامًا جميلًا يقال، وثمة قيم تبث، وشعارات ترفع؛ لكن المحك العملي هو الذي يصدق هذه الأشياء أو يكذبها، فكم من الشعوب أبيدت، وكم من الأموال سرقت، وكم من المظالم ارتكبت، وكم حصل من التعسف والعدوان والظلم باسم الحرية والعدالة والإنصاف، أما محمد صلى الله عليه وسلم فكان شيئًا آخر مختلفًا.
كان صلى الله عليه وسلم مع الخدم والعبيد الذين يعملون، متواضعًا قريبًا منهم، يستمع إلى شكاويهم، حتى إن المرأة تأتي إليه فيقول لها: «انْظُرِي أيَّ السِّكَكِ حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ». فيأتيها صلى الله عليه وسلم وتحدثه.
هذا النبي العظيم هو قائد جيش، زعيم أمة، مؤسس ملة، جبريل ينزل عليه بالوحي صباحًا ومساءً، ومع ذلك يذهب إلى امرأة في مكان ما، وماذا عسى هذه المرأة أن تشتكي من سيدها، أو من مولاتها، أو من أولادها، أو من العمل ومشقته، أو من أشياء ربما تبدو في نظرنا أمورًا تافهة أو صغيرة؛ لكنه صلى الله عليه وسلم اقتطع جزءًا من وقته تعاطفًا مع مشكلة هذه المرأة.
رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
http://alsallabi.com/books/view/506
كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي