الأحد

1446-06-21

|

2024-12-22

الرسول العبد (2)

الحلقة الرابعة والخمسون من كتاب

مع المصطفى صلى الله عليه وسلم

بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)

جمادى الأولى 1443 هــ / ديسمبر 2021

- ولا تقربوا الفواحش:

استثمر النبي صلى الله عليه وسلم روح الخوف التي استشعرها المؤمنون حينذاك من تغير وضعية الشمس ليلقي إليهم بهذا الأمر العظيم، وهو: معنى الحفاظ على الأعراض، والبعد عن المحرمات، خصوصًا الزنى وما فيه من الجرم والإثم والحوب، حتى قال ربنا سبحانه:﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: 32].

والفاحشة: هي الفعل الفظيع الشنيع المفرط في القبح؛ لما فيه من سوء الأثر في الدنيا والآخرة، ومن آثاره في الدنيا ما يتحدث به الأطباء من أن ملايين من المصابين بالإيدز أو مَن يحملون هذا الفيروس الذي يمكن أن ينقض عليهم في أية لحظة، وقد ينتقل إلى الزوجة أو إلى الأطفال الأبرياء، أو إلى غيرهم، يكاد يكون السبب الوحيد هو الوصال الجنسي المحرم، أو نقل الدم الملوث، فالنبي صلى الله عليه وسلم حذر من هذه الفاحشة التي هذا من آثارها.

ثم انتقل صلى الله عليه وسلم إلى قوله: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ».

- تفنيد شائعة:

لقد تسامع بعض الناس أن حصول الكسوف يومئذ كان بسبب موت إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ابنه من مارية القبطية التي أهداها إليه المقوقس، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب إبراهيم، وكان يأتي إليه في بيت مرضعته ويدخل والدخان في المنزل، ويقعد صلى الله عليه وسلم ويأخذ إبراهيم ويضمه إلى صدره ويقبله ويحبه صلى الله عليه وسلم، وأذن ربنا تبارك وتعالى أن يموت إبراهيم وهو في الرضاع طفلًا، فتأثر النبي صلى الله عليه وسلم وحزن حتى بكى وفاضت دموعه والصحابة ينظرون، حتى قال أحدهم: يا رسول الله، هذا وأنت رسول الله تبكي! فقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْعَيْـنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ».

فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الكمال البشري الذي هو حصول الحزن والتأثر لفراقه، وبين أن يظل هذا الحزن عند حده، فلا يتطور ليكون جزعًا أو غضبًا أو قولًا أو فعلًا لا يرضي الله سبحانه وتعالى.

وكثير من الناس لا يستطيع الجمع بينهما؛ فإما أن يغلب جانب مشاهدة القضاء والقدر والإيمان والتسليم فلا يظهر الحزن، وإما أن يغلب عليه جانب الحزن والتأثر، حتى إن بعض النساء إذا مات ولد لها تظل فترة طويلة ودمعها لا يتوقف، وهي تذكر هذا الطفل حين يدخل ويخرج، وحين يلعب أو يبتسم أو ينام، وكلما رأت شيئًا ذكَّرها به، فيتجدَّد لها حزنها وألمها.

خصَّص النبي صلى الله عليه وسلم جزءًا مهمًّا من الخطبة ليبين للناس أنه لا ارتباط بين وفاة إبراهيم وبين الكسوف، في حين تجد كثيرًا ممن يريدون السلطان والقوة والعلو والمجد في الدنيا يفرحون أن يربط الناس بعض القضايا بهم؛ فيكون نزول المطر بسبب بركة مجيئه، أو وقوع الكسوف بسبب وفاة ولده، أو يربط أي ظاهرة كونية أو أمر رباني بهذا الإنسان؛ حتى يبدو هذا الإنسان وكأنه تعدى حدود البشرية ليكون له تأثير آخر.

وكثير من العظماء والأكابر يؤيدون ذلك ويفرحون به، وقد يقول لهم الشعراء ما يقولون، حتى إن أحدهم قال لبعض ملوك الفاطميين:

مَا شِئْتَ لَا مَا شَاءَتِ الْأقدَارُ *** فَاحْكمْ فأنتَ الواحدُ القَهَّارُ

وَكَأنَّمـا أنـتَ النَّبِيُّ مُـحَـمَّدٌ *** وَكَأنَّما أَنْـصَارُكَ الأنصــارُ

فهذه المبالغة والتهويل الذي يصل إلى حد الألوهية والربوبية، وإسباغ المقامات التي لا تليق بالبشر، قد يوافق عليها بعض أهل الدنيا، وأهل السلطان والمال، وأهل المجد، وما أشبه ذلك، أو يرفضونها على سبيل إظهار التواضع.

لكن هذا النبي المعلم صلى الله عليه وسلم بتواضعه وعفويته لم يرض من الصحابة أن يربطوا بين حصول الكسوف وبين وفاة ابنه إبراهيم، واستدعى الأمر أن يقوم فيهم خطيبًا، ويقول لهم: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ». فليست الشمس حزينة على فراق فلان أو على موته، أو لولادة أحد معين مثل أن يكون شخصًا مشؤومًا أو شريرًا أو ما أشبه ذلك، وإنما هي آية من آيات الله تعالى يخوف بها عباده.

رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم

http://alsallabi.com/books/view/506

كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي

http://alsallabi.com/books/7


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022