الرسول العبد صلى الله عليه وسلم (3)
الحلقة الخامسة والخمسون من كتاب
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
جمادى الأولى 1443 هــ / ديسمبر 2021
- مدرسة التواضع:
وعندما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلَّمه، فجعلت فرائصه ترتعد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «هَوِّنْ عَلَيْكَ؛ فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ».
فمَن الذي يعلِّم الناس مثل هذه المعاني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومَن اهتدى بهديه واستن بسنته، وإلا فإن البعض من الناس ممن يكون مدير شركة، أو مدرسة، أو مسؤولًا، أو عالمًا، يحيط نفسه بنوع من الهالة والأُبَّهة والتفخيم في تواصل الناس معه، وفي دخولهم عليه وتخاطبهم وعلاقتهم، ويريدون أن يكون بينهم وبين الناس فواصل وعوازل وحدود وسدود، وألا يتعدى أحد قدره معهم، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك؛ لأنه نبي رضي واختار أن يكون عبدًا رسولًا، لا أن يكون ملكًا رسولًا، فكان يمشي مع الناس، ويَخْصِف نعله، ويرقِّع ثوبه، ويخرج إلى السوق، ويحمل متاعه بيده، وكان كما تقول عائشة رضي الله عنها: «كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج».
هكذا كان الرسول صلوات ربي وسلامه عليه، بهذه العفوية والتواضع والقرب من الناس، حتى إن الرجل يأتي إلى الصحابة فلا يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بينهم.
بل لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه لم يكن الأنصار الذين استقبلوه يعرفونه من قبل، فلم يعرفوا أيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حتى إذا أصابت الشمس النبي صلى الله عليه وسلم قام أبو بكر عليه يظلله بردائه، عرفوا أن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهكذا في الحج.. في زحمة الناس.. في المطاف.. في المسعى.. عند الجمرة.. في عرفة.. في الدفع.. الناس بزحمتهم وكثرتهم، كان عددهم مئة وأربعة عشر ألف حاج، كلهم يذهبون مع النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفه مرة أسامة بن زيد، ومرة الفضل بن العباس، والناس يزاحمونه، ويزحمون ناقته صلى الله عليه وسلم، ويطوفون به يسألونه عن أحكام الحج، والحلال والحرام، ومَن قَدَّم ومَن أخَّر... إلخ، والنبي صلى الله عليه وسلم في كل ذلك لم يحب أن يتميز عنهم بشيء؛ لا في خيمته، ولا في لباسه، ولا في شكله، ولا في هيئته، ولو أن الناس وأهل العلم والفقه حاولوا أن يكونوا أقرب إلى الناس وأكثر تداخلًا وقربًا وعفوية وتبسطًا، وتنازلوا عن قضية الرغبة في المديح والثناء والتبجيل والخصوصية؛ لكانوا بذلك أكثر تأثيرًا على الناس، وأكثر قربًا منهم، ولكانوا أكثر اقتداءً وتأسيًا واتباعًا للنبي صلى الله عليه وسلم الذي رضي واختار أن يكون عبدًا رسولًا.
رَسُولَ العُلا لِي فِي مَدِيحِــكَ وَقْفَــةٌ *** أُرَجِّي بها خيرًا لدَى مَوْقِفِي غَــدَا
لِسَانِي لَـمْ يَنْطِقْ حرامًـا ولا هَــوًى *** وشِعْرِي لَـمْ يَضْمُمْ كلامًا مُفَـنَّـدَا
وَلَـمْ أَتَـــلَــوَّنْ كالَّذِيــنَ تَلَوَّنُــوا *** وَزاغُوا وَراغُوا خِـسَّـةً وَتَـصَيُّدَا
وحسبي مِنَ الشِّعْر الحلال قصائدٌ *** نطقتُ بها تبقى إِذا لفَّنـي الرَّدى.
رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
http://alsallabi.com/books/view/506
كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي
http://alsallabi.com/books/7